الحدود المغلقة تساهم في إغلاق العقول

 يبدو أن وسائل الإعلام الجزائرية لم تقرأ تدوينة مواطنها حفيظ دراجي، الإعلامي بشبكة “بيين سبورت” القطرية، عندما أدلى هو الآخر بدلوه بخصوص دعوة الملك محمد السادس لفتح الحدود بين المغرب والجزائر والعمل المشترك بين البلدين، وهي تدوينة اعتبر المعلق الجزائري من خلالها في حديث موجه للمغرب أن الأولوية يجب أن تكون لـ”استعادة الثقة المفقودة”، لكنه لم يكلف نفسه عناء توجيه مثيلاتها لصحف بلاده التي استقبلت المبادرة الملكية بعناوين مُفتقرة للمهنية وللأخلاق.

وكان العديد من المتابعين المغاربة يتوقعون أن يُسيء الإعلام الجزائري قراءة المبادرة الملكية الهادفة لطي صفحة خلاف طويل الأمد، وتنبأ كثيرون بأن صحف الجزائر، المقرب جُلها من النظام الحاكم، ستقوم بلي عنق الخطاب ليبدو كأنه “ضعف” أو “استسلام”، وستستخدم عبارات مستفزة من قبيل “توسل المصالحة” أو “استجداء فتح الحدود”، لكن ما نُشر تجاوز خيال أكثر المتشائمين عندما وصل إلى درجة رفض مبادرات حسن النية أساسا، أو التنقيب في نوايا جلالة الملك  للوصول إلى نتيجة مفادها أن الأمر مجرد “مناورة“.

ومن أغرب العناوين التي حملتها الصفحات الأولى للصحف الجزائرية، ما جاء على صدر جريدة “الحوار” التي وصفت خطاب الملك بأنه “استفزازي”، ناقلة على لسان أحد محلليها قوله إن دعوته “غير صادقة”، لكنها لم تتوان، رغم ذلك، في وصف الأمر بـ”الاستجداء”، وهو النهج نفسه الذي اتبعته صحيفة “المغرب الأوسط” التي عنونت “المغرب يتودد للجزائر”، مضيفة على لسان “خبير” أن تصريحات الملك “تعكس مأزقا مغربيا أكثر من وجود نوايا لتحسين العلاقات مع الجزائر“.

أما صحيفة “الشروق” التي لجأت إلى جبهة “البوليساريو” الانفصالية في إحدى مقالاتها للرد على الدعوة المغربية على الرغم من أنها لا تعنيها أساسا، فقد نشرت مقالا لأحد كتابها بعنوان “المخزن.. أنياب الشر خلف ابتسامة التودد”، والمثير هو أن بعض ما جاء في المقال استبقه الخطاب الملكي بالرد، مثل حديث الكاتب عن “إغراق الجزائر بالمخدرات“.

وجاء في الخطاب الملكي بان “الحدود المغلقة لا تقطع التواصل بين الشعبين، وإنما تساهم في إغلاق العقول، التي تتأثر بما تروج له بعض وسائل الإعلام، من أطروحات مغلوطة، بأن المغاربة يعانون من الفقر، ويعيشون على التهريب والمخدرات”، وهو ما يطرح علامات استفهام حول ما إذا كان كاتب “الشروق” قد قرأ أو استمع للخطاب أساسا أم أن معرفته به لم تتعد الاطلاع على بعض العناوين.

وبلغت بعض الصحف مستويات متقدمة من انتهاك أخلاقيات الممارسة الصحفية، مفضلة اعتماد عناوين مستوردة من حقبة الحرب الباردة وصراع المعسكرات والأنظمة الاستبدادية في الستينات والسبعينات، على غرار صحيفة “الجزائر الجديدة” التي عنونت على صدر صفحتها الأولى “جار السوء يتودد للجزائر.. توبة أم مناورة جديدة؟”، لتنقل على لسان أحد “محلليها” كلاما أقرب لمُحاكمة النوايا حيث أورد “خطاب ملك المغرب مناورة تخفي نوايا سيئة“.

وبالنسبة لصحف أخرى، فإنه من المُحرم التعامل مع خطاب العرش المغربي بأي نوع من “الإيجابية” أو بأدنى استحضار لـ”حسن النية”، إذ بالنسبة لجريدة “الوسط” مثلا فكلام العاهل المغربي ليس إلا “مراوغة لترميم صورة المغرب المتضررة”، أما جريدة “الأيام” فاستقبلته بالقول إن “تودد محمد السادس للجزائر” و”دفاعه عن أمنها” يأتي بعد “احتضان الماك”، أي حركة تقرير المصير في القبائل، التي يعرف العالم أن مقرها هو باريس وليس الرباط كما يعرف أن الجزائر هي التي تحتضن حركة انفصالية مسلحة اسمها “البوليساريو“.

ويبدو أن خطاب العرش الأخير كان يتوقع مثل هذه الخرجات، وأشار إلى تأثيراتها السلبية بشكل مباشر، حيث قال الملك “نتأسف للتوترات الإعلامية والدبلوماسية، التي تعرفها العلاقات بين المغرب والجزائر، والتي تسيء لصورة البلدين وتترك انطباعا سلبيا، لا سيما في المحافل الدولية”، داعيا إلى “تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا“.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar