طالبان … نيران دولية سيكون الإسلام والمسلمون حطبا لها

قد يرى البعض في عودة طالبان إلى الحكم بالقوة في أفغانستان انتصارا للقبيلة  الوهابية على الأمريكان والناتو و…وقد يسرع متسرع إلى إجراء مقارنات مع حروب فيتنام ضد الفرنسيين ثم الأمريكان، لكن الوقائع، التي تحاول التعتيم عليها التصريحات والضجيج الإعلامي، من شانها أن تكشف عن حقيقة أن طالبان يعودون في مهمة بمنطقة تماس ساخنة حاليا، وستكون أسخن في المستقبل.

أكيد أن الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها، قد اقتنعت أن 20 سنة من الوجود في هذا البلد كانت مكلفة جدا، بعد صرف عشرات المليارات من الدولارات دون تحقيق النتائج المرجوة، وان الكلفة سترتفع أكثر بالنظر إلى كون عدد هائل من الأفغان صاروا عالة عليها، بمن فيهم من تولوا مسؤوليات الدولة والجيش والإدارة، واقتنعت كذلك أن جزءا كبيرا من الشعب الأفغاني، وبالأخص قبيلة البشتون الغالبة والممتدة في باكستان، يرغب في العيش في القرون الوسطى وفي ظل نظام حكم طالباني، وهذا ما يظهره ويؤكده الانتصار السريع لطالبان وضعف مقاومة الجيش النظامي والسكان لزحفهم شمالا وجنوبا وشرقا وحتى غربا حيث يعيش الشيعة، وهذا مغزى كلام الرئيس بايدن في كلمته التي قال فيها إن الولايات المتحدة رغبت في محاربة الإرهاب وليس تكوين أمة، والحال أن أفغانستان فسيفساء قبلي يجتمع على الإسلام وليس على فكرة دولة وطنية آو دولة امة، وترى قبائله نفسها امتدادا لقبائل باكستانية واوزبكية وإيرانية وغيرها، و يمكن في آي لحظة أن تدخل في حروب قروسطية شرسة وان تنقل هذه الحروب إلى دول الجوار.

ومن الواضح، وهذا ما ستظهره الفترة المقبلة، أن انسحاب الولايات المتحدة وسحبها لعدد كبير من الأفغانيين الذين اشتغلوا معها إذ يهدف إلى التحرر من ثقل وكلفة باهظة وتجنب سقوط مزيد من الأمريكيين في ظل وضع غير قابل لأي استقرار على المدى البعيد، على أساس إعمال المراقبة عن بعد وبواسطة المخابرات  للحيلولة دون تكرار ما حدث في 11 شتنبر 2001، فانه يهدف أيضا إلى جعل أفغانستان تهديدا لكل من الصين وروسيا، المجاورين، وبالتالي إعادة إنتاج سيناريو قديم كان له دور في سقوط الاتحاد السوفياتي. ومعروف أن الولايات المتحدة كانت قد ضغطت بقوة على الحكومة الباكستانية من اجل إطلاق سراح الزعيم الحالي لطالبان، وتغاضت عن تولي قيادة جيش طالبان من طرف احد رموز القاعدة، وكذلك عن احتضان قطر، التي توجد بها القاعدة الأمريكية، العديد من أعضاء  المكتب السياسي لطالبان، إلى جانب قيادات الإخوان المسلمين وجماعات أخرى، بل وتكليفها بالتوسط، ولذلك دلالته التي لا تخفى في ظل التنافس بين القوى الكبرى بتشعباته الجديدة وبمركزه الجديد في المحيط الهادي.

إن عودة طالبان للحكم، مع التزامها المعلن بان لا تكون أفغانستان منطلقا للإرهاب ضد البلدان الأخرى كما حدث سنة 2001، يعني أن على  الصين وروسيا على الخصوص توقع تحول هذا البلد الخاضع لنظام قروسطي معادي للشيوعية وغير المنشد إلى فكرة وطنية نظرا لسيطرة قبيلة البشتون على مفاصله ومعادي أيضا للروس ولنفوذهم في الدول المتكونة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي….إلى مصدر تهديد حقيقي ومخاطر قصوى، ولعل انتقاد الصين للانسحاب السريع للقوى الأجنبية من أفغانستان وإجراء روسيا لمناورات عسكرية ضخمة بالجوار الأفغاني، ثم فتحهما لقنوات حوار مع قادة طالبان قبل الزحف على كابول وسقوطها، بسهولة ودون مقاومة تقريبا، أمور تعبر عن وعي القيادات الصينية والروسية، وحتى الهندية، بخطورة ما يجري بأفغانستان على الوضع الإقليمي، وعلى الدول المنافسة للولايات المتحدة والغرب هناك، وعن إمكان لعب طالبان، ومعهم جماعات إسلامية سنية أخرى، لأدوار شبيهة بالأدوار التي لعبتها فيما مضى.

ولأسباب أخرى، غير التنافس الدولي، فان إيران لا بد وان تخشى هذا التطور، خصوصا وان طالبان الوهابيين يكفرون الشيعة وكانوا سابقا في حالة حرب مع الطائفة الشيعية بأفغانستان بقيادة حكمتيار، بعدما اشتركت معها في الحرب ضد النظام الشيوعي والاتحاد السوفياتي السابق.

هي لعبة دولية تنطلق وسيكون المسلمون مرة أخرى حطبا لها وسيظهر طالبان لبقية العالم صورة سيئة عن مسلمين رجعيين  يرغبون في القرون الوسطى ويرفضون التقدم ومكاسب الحضارة البشرية المعاصرة. والواقع أن هذه الرجعية المنتشرة خارج أفغانستان، والتي تستمر في التعبئة، تبقى مفتوحة على البلادة الإستراتيجية والغباء السياسي بحيث يسهل التلاعب بالمسلمين في كل مرة وتسخيرهم لتخريب بلدانهم و البلدان الأخرى والإساءة للدين الإسلامي الذي يزعم الأغبياء أنهم يدافعون عنه.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar