المجلة الأمريكية “فورين بوليسي”: الجزائر بحاجة إلى استقلال ثان وهذه المرة من الجنرالات العجزة

أن تنشر “فورين بوليسي”، المجلة الأمريكية الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة الأمريكية، مقالا يعري فيه صاحبه نظام العسكر الجزائري ويكشف بالملموس حقيقة الطغمة المتحكمة في الجارة الشرقية، فهذا يدل على تحول كبير في وعي الإعلام الأمريكي، والمؤثرين في السياسات في بلاد العم سام، في التعامل مع جنرالات الجزائر الذين حولوا الجزائر إلى ضيعة خاصة بهم مستغلين ريع النفط والغاز في تأبيد نظامهم المهترئ من خلال شراء الذمم وتمويل اللوبيات السياسية والإعلامية والاقتصادية للتغاضي على الممارسات القمعية والخروقات الماسة بالحريات وحقوق الإنسان التي يمارسها الضباط المسنون ومخابراتهم العسكرية منذ سرقة ثمار الاستقلال من قبل مؤسسة الجيش في ستينيان القرن المنصرم..

تحت عنوان “الجزائر بحاجة لتحرير ثان” نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا للصحافي والكاتب فرنسيسكو سيرانو قال فيه ،إنه بعد الاحتلال الفرنسي فإن الجزائر بحاجة لتحرير ثان من حكامها المستبدين المسنين.

وكتب الكاتب أن الرئيس الجزائري السابق تحول بسبب تغيبه المتكرر عن المشهد العام ومرضه الطويل لموضوع شائعات ونكات. ولهذا عندما أعلن عن وفاته في 17 شتنبر 2021 عن عمر 84 عاما، بدأت معظم الوسائل الإعلامية نعيها وحديثها عن مسيرة الرئيس الراحل بتذكير القراء والمشاهدين والمستمعين بأن الوفاة هذه المرة حقيقية.

وخلف بوتفليقة الذي حكم الجزائر 20 عاما قبل أن يجبر على التنحي عبر حركة احتجاج شعبي عام 2019 بلدا في حالة من الفوضى. وحتى لا نعمم في الكلام، فعلينا ألا ننسب كل مشاكل الجزائر إليه، ولكنه كان موجودا هناك منذ البداية، عندما تحول مصير أمة استقلت حديثا وناشطة إلى دولة عسكرية مستبدة.  وبعد نصف قرن، عندما أدار الدولة لم تكن الحكومات المتعاقبة قادرة على تحويل الثروة النفطية الجزائرية إلى ازدهار. وكان بوتفليقة طوال مسيرته السياسية نتاجا للنظام الحاكم ومصدرا لفشلها.

ويؤكد الكاتب أن حكم بوتفليقة البائس مثل الضربة الأخيرة لما تبقى من الشرعية التي زعم النظام الجزائري الغامض أنه يملكها. ومنذ سقوط بوتفليقة، قبل عامين، لم يستطع حكام البلد إعطاء مظهر الاستقرار الذي اعتمدوا عليه في العقود الماضية لتقديم صورة عن حكم قوي.

وفي الوقت الذي خرج فيه الجيل الجزائري الجديد إلى الشوارع متسائلا وبطريقة غير مسبوقة عن حيوية وشرعية الوضع الراهن، اتضح شيء واحد عن مستقبل البلد: كان فشل عهد بوتفليقة هو الذي أوصلهم إلى الوضع الذي يعيشونه اليوم.

وأشار التقرير إلى بدايات بوتفليقة وهو في سن الـ19 وانضمامه إلى جيش التحرير الوطني الذي حارب فرنسا الاستعمارية، مشككة فيما إذا كان بوتفليقة قد أطلق بالفعل رصاصة واحدة ضد المحتلين أم لا. لكن هذه البداية المبكرة ربطته بهواري بومدين، الذي قاد القوات الخارجية لجيش التحرير في المغرب وتونس وأخذ بوتفليقة تحت قيادته. بعد وفاة بومدين في عام 1978، يضيف التقرير كان بوتفليقة على وشك أن يصبح خليفته.

 لكن الجيش اختار مرشحًا آخر هو العقيد الشاذلي بن جديد. بحلول عام 1981، كان بوتفليقة قد تم ترقيته واتُهم باختلاس ملايين الدولارات خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية التي دامت لـ16 سنة. سافر إلى الخارج لعدة سنوات، وعاش في المنفى في الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وسويسرا، على الأرجح لتجنب العواقب المحتملة. بعد الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر والتي دامت لحوالي عقد من الزمن، قالت المجلة إن الجنرالات كانوا في حاجة إلى رئيس يمكنه أن يدعي الشرعية من حرب التحرير وأن يقبله الفصائل المختلفة داخل النظام الحاكم. دعوا بوتفليقة فتم انتخابه عام 1999، بعد انسحاب المرشحين المتنافسين من المنافسة وسط اتهامات بتزوير الانتخابات.

وفي عهد بوتفليقة، تضيف المجلة، استُخدمت فزاعة الحرب الأهلية لتذكير الجزائريين بأن الفوضى تجلب الفوضى، إلى جانب الزيادات السخية في رواتب ضباط الشرطة وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، والزيادات في دعم القمح والسكر والحليب، مشيرة إلى أن ذلك كان كافياً لتثبيط الاحتجاجات الضخمة في الشوارع خلال احتجاجات “الربيع العربي” عام 2011 التي أطاحت بالعديد من الحكام العرب.

كانت سنوات حكم بوتفليقة، فترة ثراء هائل للجزائر ولكن ليس لمعظم الجزائريين، تقول المجلة مضيفة أنه في أبريل 1999 ، عندما حصل بوتفليقة على الرئاسة لأول مرة، كان سعر النفط 13 دولارًا للبرميل.

واستمرت الأسعار في الارتفاع لسنوات، حيث بلغت ذروتها عند 147 دولارًا للبرميل في صيف عام 2008. خلال ذلك الوقت، من المفترض أن يتم توجيه أرباح النفط لتقوية البنية التحتية، ولكن إذا سافرت إلى البلاد اليوم، فمن الصعب أن ترى أين ذهبت هذه الأموال، وفق تعبير المصدر ذاته.

وأشار التقرير إلى أنه بحلول الوقت الذي انهارت فيه أسعار النفط العالمية في عام 2014، لم يتم إصلاح أي شيء في الجزائر، إذ كان الاقتصاد لا يزال يعتمد على تصدير النفط والغاز واستيراد كل شيء آخر. تم بناء طرق سريعة جديدة ومشاريع إسكان اجتماعي. لكن الكثير منها دمر بسبب الفساد وسوء الإدارة من قبل المؤسسة العسكرية والأوليغارشية التي نشأت خلال سنوات بوتفليقة.

وبحلول عام 2019 كانت الجزائر تعاني من عجز في الميزانية، وبات احتياطها من العملة الأجنبية يتراجع. شعر معظم الجزائريين بالحيرة من الوضع ومن يحكم البلاد في الحقيقة.

ولأن النخبة انشغلت في خلافاتها الداخلية فلم تكن قادرة على التوافق حول شخصية تخلف الرئيس المريض. ولهذا تم ترشيح الرئيس المريض لمرة خامسة وفرضه على الجزائريين للحفاظ على الوضع كما هو. وخرج الملايين من الشباب الجزائري إلى الشوارع، فهم وخلافا لآبائهم لم يعيشوا الحرب الأهلية، ولهذا كانوا محصنين من فكرة أن النظام المستبد هو المانع الوحيد للفوضى.

ويقول فرنسيسكو سيرانو إنه رغم أن الهدف الرئيس للحراك كان رفض ترشيح بوتفليقة لمرة خامسة إلا أنه توسع لحراك غير حزبية وعبر عن رفضه للنخبة العسكرية التي تحكم البلاد منذ الاستقلال.

 ومن أجل الحفاظ على مكاسبها قررت السلطة التضحية بجزء منها حتى تبقى. وفي إبريل 2019 قرر رئيس هيئة الأركان الجنرال قايد أحمد صالح، الذي عينه بوتفليقة منذ عدة سنوات، بعزل الرئيس. وظهرت صورة على التلفزيون الحكومي لبوتفليقة الضعيف وهو يسلم استقالته لرئيس مجلس الدستور، وكان يرتدي الزي التقليدي، الجلابة وبدا مثل شخص أجبر على ترك فراشه في منتصف الليل.

وبعد خروج بوتفليقة من الصورة، واصل الحراك تظاهراته أسبوعيا، حيث أيقن ناشطوه أن المسألة ليس شخصا واحدا بل يجب إصلاح النظام كله، وليس رئيسا ينتخب من وراء الأبواب. واستمر المأزق السياسي لعدة أشهر حتى فرض الجنرالات انتخابات رئاسية نهاية 2019. ورغم المشاركة الضعيفة إلا انها أدت لانتخاب رمز آخر من النظام ليلعب دور الرئيس، عبد المجيد تبون، 74 عاما والذي كان وزيرا ورئيس وزراء في عهد بوتفليقة.

ويؤكد الكاتب أنه منذ عام 2019 رفض معظم الجزائريين المشاركة في الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاء ورفضوا منح النظام الشرعية. ولعدم قدرته على فرض شخص مدني ليكون واجهة للحكم من وراء الستار، وجد الجيش لعبة أخرى وهي تحميل قوى خارجية مسؤولية مؤامرة لزعزعة استقرار البلد. وحمَّل المغرب مسؤولية الحرائق التي اندلعت في مناطق القبائل وقتل فيه عدد من الأشخاص هذا الصيف. وتصاعدت عمليات اعتقال الصحافيين والناشطين والمحتجين.

 ورغم تراجع التظاهرات بسبب كوفيد-19 عام 2019 إلا أن هناك مظاهر عن حنق شعبي وعودة إلى الشوارع ورد قوي من الدولة. وبعدما قضى الجزائريون الصيف وهم يقننون من استخدام المياه، تساءلوا عن دولة لديها أكبر احتياطي من الغاز في العالم ومع ذلك عاجزة عن توفير المياه في صنابير البيوت.

ويقول الكاتب أن خفض قيمة الدينار الجزائري أدى إلى زيادة التضخم وارتفاع أسعار الحياة اليومية. وتراجعت الاحتياطيات الأجنبية من العملة الصعبة من 120 مليار دولار عام 2016 إلى 42 مليار دولار في 2021.

ونظرا لانشغال النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة في الجزائر في خلافاتها فإنها لم تسمح للبلد استثمار مصادر الثروة التي يمتلكها ولا موقعه في شمال أفريقيا وعلى البحر الأبيض المتوسط. وقد حرم جنرالات الجيش والمخابرات والحكام العجزة مثل بوتفليقة، الجزائر ولوقت طويل من التقدم.. ولهذا يرى الكاتب أن الجزائر بحاجة لتحرير ثان بعد الاحتلال الفرنسي .. وهذه المرة من هؤلاء الحكام المسنين.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar