الحمد لله أنكما لن تسمياه طوم كروز

لم يعد يسكن في الكاريان، لقد أصبح الآن يملك شقة في تجزئة سكن اقتصادي، ووظيفة، وسيارة ما زال يدفع أقساطها كل شهر، وزوجته حبلى، ويصومان معا رمضان، يصليان المغرب جماعة، جنبا إلى جنب، في البيت قبالة مائدة الإفطار وقد لفت الزوجة فولارا حول رأسها، ويتحيان قبل السلام بينما بخار الحريرة يصعد بنعومة من الجبانيتين المزوقتين بألوان كثيرة بنقوش شبيهة بنقوش الحناء ويتلولب ويصل حتى أنفيهما. يسلمان ويدعوان الله أن يرزقهما الذرية الصالحة ثم يقصدان المائدة. زوجته تفصل حبة تمر عن عظمتها وتمدها برومنسية إلى فمه، وطبعا ولحسن الحظ لا تجد فيها دودة. يرتدي فوقية الحج مزررة عند عنقه وقد نبتت له لحية جميلة نسبيا. يصير للحريرة بعد الصلاة طعم ألذ، يمضغ حبة حمص بتوؤدة ويشعر أنه ناجح حقا في حياته. إنه شعور جيد دون شك. جيد حقا.

ينهيان إفطارهما وهما يتسليان بمشاهدة السيتكوم الهزلي والإشهارات الكثيرة، يضحكان من قلبيهما رغم أن السيتكوم غير مضحك، يضحكان لأنهما سعيدان ولأن فترة يوم طويل من الصيام انتهت ولأنهما شبعا وارتويا وقد ملأت له زوجته كأس قهوة وأضافت بعض السكر وحركته بالملعقة وأخرج من جيب فوقيته سيجارة وضعها خلف أذنه كنجار في انتظار أن تبرد القهوة قليلا. تحذره بدلع: حين يخرج الطفل إلى الوجود ستمنع من التدخين داخل الصالون. يجيبها بإذعان: طبعا. يسحبها من يدها لتجلس قربه. يمرر يده على بطنها، ثم يتوسدها برأسه ليسمع خفق قلب الجنين، في حركة تتكرر ملايير المرات في العالم عند كل حمل. تبتسم الزوجة شاعرة ببعض الدغدغة. يشعر هو بكثير من الفحولة. يقول في نفسه: أنا من نفخت هذه البطن. يخبرها بتعجب شديد أنه شعر بالجنين يتحرك! يقسم على ذلك.

الجبانيتان والبرمة والصحون وعظام التمر وبقايا البغرير ما زالت فوق المائدة، بينما في التلفاز مقرئ يجود القرآن بلحن حزين جدا، وإضاءة السقف ببولة وحيدة برتقالية لا تقل حزنا هي أيضا خصوصا بعد المغرب حيث تبدو السماء من النافذة باهتة ومهجورة وقد سيطرت عليها عتمة المساء. لا يشعران بأي حزن. تسأله: ماذا سنسميه؟ يعرفان أنه طفل وليس طفلة فقد أخبرتهما الطبيبة بذلك ورأياه في صورة الأشعة ليتأكدا. يجيبها: عبد الرزاق على اسم جدي. ترد عليه: كلا، لن نسميه اسما قديما. يتأملها كما لو أنه انزعج ثم تنشرح ملامحه فجأة: حسنا، معك حق، سنسميه لؤي، ما رأيك؟ تبتهج الزوجة: نعم لؤي، إنه اسم عصري وجميل، اتفقنا، سنسميه لؤي. يجيبها وهو يتحسس بطنها من جديد بيده الضخمة. نعم لؤي، لؤي، لؤي، اتفقنا.

البرمة الفارغة قرب قدم المائدة تنطق: الحمد لله أنكما لن تسمياه طوم كروز.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar