Untitled_43_302947637.jpg

قصور الصحراء.. تراث مادي يعاني في صمت(+صور)

نشر في: آخر تحديث:

عندما نريد ان نسافر في عوالم الزمن داخل الحضارة المغربية العريقة، وخصوصا في تراثها المادي فلا يختلف اثنان في كون قصور صحراء جهة درعة-تافيلالت المحطة المنشودة لدى محبي التراث والمدافعين عن العمق الإنساني لحضارة المغاربة ومهد ملوكها الأشراف العلويين.

قصور الصحراء التي تظهر فيها الابراج السماوية المرسومة بمهارة فائقة نادرة تتميز بمعمارها الفريد وبأشكالها الهندسية التحصينية وهي في معظمها قصبات دفاعية بأبراج المراقبة رباعية او سداسية الواجهة.

لكن هذا التنوع المعماري التاريخي بالمغرب يتعرض الآن لطمس الهوية و لاجتثاث جذوره الأصلية وبالتالي ضياع قرون من التراث المادي ومعه الهوية البصرية لمعالم الصحراء بهذه الجهة العزيزة من المملكة، في حين نجد دولا تثمن موروثها الإنساني المتعلق بالقصور الصحراوية بإعادة ترميمها وإصلاحها والمحافظة على أدق تفاصيلها الفنية الهندسية والإحتفالية، بل ذهبت دول بعيدا في هذا المجال وتم قبول ترشيح بعض قصباتها لتنال اعتراف منظمة اليونسكو كتراث عالمي مادي للإنسانية. ففي مملكة الأردن  نجد هذا الاهتمام الخاص بالقصور الصحراوية من خلال موقع قصر عمرة الذي يعتبر موقعا تراثيا انسانيا عالميا لدى منظمة اليونسكو، وقصر عمرة أو قصير عمرة هو قصر صحراوي أموي يقع في شمال الصحراء الأردنية في منطقة الأزرق في محافظة الزرقاء حوالي 75 كم شرقي عمان بناؤه صغير نسبياً لذلك يُسمّيه البعض بالقصير.

فأمام هذه الاحتفالية بالموروث الثقافي المادي الصحراوي في دول أخرى نجد تسيبا وإهمالا وتراخيا في التعامل مع موروثنا الصحراوي بالمملكة، فمجموعة من القصور بجهة درعة تافيلالت طمست معالمها وهدمت أركانها وغيرت هويتها البصرية أمام اكتساح منازل الإسمنت العشوائية بحيث لا نجد احترام حقوق الارتفاق المفروضة على الاسوار التاريخية ولا الالتزام بالتصاميم والهندسة التاريخية، ولا حتى بأساليب وطرق ومواد البناء الأصلية التاريخية،  بل لا تجد تثمينا وتقديرا واحتراما للموروث الثقافي عند بعض ساكنة هذه المناطق.

هذه الملاحظة كنت قد تناقشت بصددها مع مجموعة من السياح الأجانب الذين عبروا لي عن انزعاجهم من هذا الإهمال والجهل الذي يتعامل به المسؤولون عن التعمير بهذه المنطقة والذين يرخصون لمنازل وبنايات معظمها فوق المآثر التاريخية. فخلال جولة داخل مدار الجهة بأرفود والريصاني والغرفة ومجموعة القصور بالقرب منها تظهر هذه المعضلة بجلاء، وما أثار انتباهي هو هدم ودك أحد البروج الجميلة بقصر القصابي مولاي الشريف بالريصاني وبناء منزل إسمنتي عشوائي فوق أنقاضه، وذلك في ضرب سافر لكل المواثيق الدولية والوطنية المعتمدة في الدفاع وصيانة والمحافظة على المآثر التاريخية .

هذا القصر التاريخي هو مسقط رأس السلطان المولى الشريف العلوي بن علي  (1589 – 1659)، جد الأسرة العلوية التي ملكت المغرب من بعده، الذي ولد عام 997 هـ وكان وجيها ورئيسا وسيدا في قومه بايعه أهل سجلماسة عام 1041 هـ.

لذا وجب على المجتمع المدني بصحراء جهة درعة-تافيلالت الإسراع بتأسيس جمعيات تعنى بالمحافظة وإنقاذ المآثر التاريخية الصحراوية لما لها من رمزية ثقافية ودور اقتصادي مهم في حالة تثمينها وجعلها رافعة وقاطرة للتنمية بالمنطقة ومصدر جلب سياحي واقتصادي مهم للسياح وفئة معينة من الباحثين والمهووسين بجمال الصحراء ومعالمها الانسانية والبيئية. كما يجب على السلطات المختصة الضرب بيد من حديد على كل الممارسات والتدخلات المؤذية لهذا التراث الثمين مع هدم كل التجاوزات المعمارية التي شوهت المنظر الأصلي لقصور الصحراء المغربية .

 

اقرأ أيضاً: