جنوب إفريقيا.. عندما يحاول الحزب الحاكم إخراس الأصوات المعارضة

أثار مقال رأي لوزيرة السياحة في جنوب إفريقيا، لينديوي سيسولو، انتقدت فيه السلطة القضائية ودستور البلاد، ردود فعل قوية في صفوف المؤيدين، ولكن بشكل خاص وسط المنتقدين، داخل حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي” الحاكم.

 

فبينما اعتبر البعض أنه يحق لسيسولو التعبير بحرية عن وجهات نظرها ومعتقداتها وقناعاتها، كأي مواطن، بغض النظر عن موقعها أو وضعها الاجتماعي، نادى آخرون بتجريدها من هذا الحق الأساسي رغم أنه منصوص عليه في دستور البلاد. ومن بين القضايا الرئيسية التي أثارتها الوزيرة، نجد موضوع الدستور الذي قالت إنه قد م القليل فقط أو لم يقد م شيئا لضحايا الفصل العنصري والاستعمار، مما أبقى السكان المضطهدين سابقا في حالة فقر.

وفي مقالها، شنت سيسولو، وهي عضو في البرلمان منذ سنة 1994، هجوما لاذعا على دستور البلاد، قائلة: “ما شهدناه في ظل الدستور منذ نهاية نظام الفصل العنصري هو الاستقطاب ودعوات لرجال السلطة السياسية الذين تتمثل مهمتهم في إسكات أصوات السكان الذين يعيشون في معاناة”.

ومما يثير الانزعاج بنفس القدر هو تلميح صاحبة المقال إلى أن عددا من المليارديرات السود هم، برأيها، نتاج ثانوي للدستور نفسه. وكما كان متوقعا، لا يمكن أن تمر هذه التصريحات دون أن تثير ردود فعل قوية، خاصة وأنها صادرة عن مسؤولة رفيعة المستوى ووزيرة تولت مسؤولية ما لا يقل عن ستة قطاعات على مدار 21 عاما، علاوة على أنها عضو في الحزب الحاكم الذي يشهد انقساما وتراجعا لشعبيته بشكل متزايد نتيجة الصراعات الداخلية.

ويعتقد البعض أن هذه الهجمات على الدستور والنظام القضائي في البلاد هي في الواقع هجوم على من هم في السلطة، والذين يتعين أن يخضعوا للمحاسبة. وفي أفق انعقاد المؤتمر الذي سينتخب رئيس حزب “المؤتمر الوطني الإفريقي”، المقرر نهاية هذا العام، فسر البعض تصريحات الوزيرة على أنها هجوم ذو دلالات انتخابية قوية. لهذا السبب، أثارت هذه التصريحات جدلا محتدما في المجتمع ورد فعل عنيفا من السلطة التنفيذية، التي كشفت، على لسان وزير الرئاسة، موندلي غونغوبيل، أن ملاحظات الوزيرة “تشوه دستور البلاد بشكل فاضح، ويمكن أن تقوض مصداقية دولة القانون”.

وفي هذا السياق، ذهب حزب “مؤتمر الشعب” (كوب) إلى أبعد من ذلك، عندما دعا الرئيس سيريل رامافوزا إلى إقالة لينديوي سيسولو. وصرح دينيس بلوم من ذات الحزب “إنها وصمة عار، ليس فقط للحكومة ولكن للبلد بأسره. سيسولو قامت بإهانة قضاة جنوب إفريقيا ويجب إقالتها”.

 كما ربط مقال الرأي هذا بقرار المحكمة الدستورية بسجن الرئيس السابق جاكوب زوما، لرفضه الإدلاء بشهادته أمام اللجنة القضائية حول ملف “الاستيلاء على الدولة”.

وبالنسبة لبعض المحللين، تعتبر آراء سيسولو محاولة ثانية في إطار سعيها لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، لكنهم يعتقدون أن هذه المواقف من شأنها أيضا أن تتعارض مع هذا الطموح. وأشاروا إلى أنه رغم كونها عضوا منذ فترة طويلة في البرلمان والسلطة التنفيذية، إلا أن خرجتها الإعلامية لم تكن محسوبة بشكل جيد.

وفي هذا الصدد، ترى البروفيسور شيلا مينتجيس، أن سيسولو تمتلك فعلا كل المؤهلات والشروط اللازمة لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، إلا أنها تتبنى نوعا من الراديكالية لن يلبي بالضرورة احتياجات ومصالح الناخبين الذين سيدعمونها. وأضافت أنه “حتى لو تقدمت كمرشحة لفصيل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي المعروف باسم “ريت”، فإن راديكاليتها ليست موقفا لأغلبية أعضاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، مما يضعها في موقع متأخر في السباق على الرغم من حملتها السابقة لأوانها”.

الأمر نفسه بالنسبة لنائب رئيس المحكمة العليا بجنوب أفريقيا، رايموند زوندو الذي اعتبر أن تصريحات سيسولو غير ذات معنى وتشكل سبة في حق العدالة ، ولاسيما للقضاة السود. وقد كان هذا رد فعله إزاء تصريحات الوزيرة التي أكدت أن “الجنوب إفريقيين الأكثر خطورة اليوم هم أولئك المستعمرون ذهنيا، والذين حين تسلمهم مقاليد التسيير أو كمؤول ين للقانون، يكونون أخطر من جلادك”.

 وفي رد فعله على الهجمات التي تستهدف سيسولو، أشار المحلل السياسي سيفو سيبي إلى أن الوزيرة يحق لها التعبير عن رأيها بخصوص كل شيء، بما في ذلك مساءلة الركائز الأساسية للديمقراطية. وقال “إن لها الحق في التساؤل عما إذا كان الدستور الحالي يخدم مصالح أغلبية شعبنا. وستجد دعما واسعا في صفوف أغلبية الساكنة التي تظل مرتهنة لظروف البؤس”.

وأبرز أنها نجحت بالفعل في إرباك أولئك الذين استفادوا ماديا من الوضع بعد نهاية نظام الأبارتايد سنة 1994، معتبرا أن “سيسولو استفزت +مجموعة الذئاب+ الذين سعوا إلى التقليل من أهمية تصريحاتها”.

ويشير آخرون إلى أنه إذا كان سمو القانون يؤطر انضباط من هم في السلطة ويفرض معايير بخصوص الطريقة التي يتعين أن يعمل أولئك الذين يحكمون وفقها، فإن نمط الحكم ليس منضبطا، ويسمح بقرارات وممارسات غير خاضعة للعديد من المعايير الموضوعية.

وبذلك، فقد كان لمقال رأي وزيرة السياحة جنوب الإفريقية الفضل في إحداث رجة في صفوف الطبقة السياسية، وخاصة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، عبر إثارة الانتباه إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لشريحة عريضة من المجتمع جنوب الإفريقي.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar