“دار الماكينة” بفاس.. قصة أشهر مصنع حربي في المغرب

“دار السلاح” دار الماكينة بفاس، كما جاءت في كتاب “مظاهر يقظة المغرب الحديث”، الجزء الأول للمؤرخ الفقيه محمد المنوني رحمه الله .

عرف عهد السلطان المولى الحسن الأول بن محمد الرابع ( 1289هـ- 1311 هـ ) بعهد التجديد والإصلاح في نظم الدولة وفي جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلائق السياسية مع الدول والدفاع عن حوزة الوطن، ومن جملة ما قام به السلطان المجدد تنظيم الجهاز الحكومي، وإصلاحات في الخارجية المغربية، وتجديد الجيش، وإحياء الأسطول البحري وبناء المعامل الحربية .

Sans titre 19

وقد قام بإتمام مشروعه والده في البلاد التي عرفت حركة نشيطة لبناء المصانع الحربية ومنها :

 1- معمل لصنع البارود يحمل اسم ” فابريكة الحبة ” أسسه السلطان محمد الرابع بالموضع المعروف بالسجينة قرب جامع الفنا بمدينة مراكش وكان يصنع به البارود المزدوج كما جاء في ” الإتحاف” و”العز والصولة في نظم الدولة ” .

2- معمل صنع القرطوس بأكدال من نفس المدينة حيث لا تزال أطلاله قائمة، وهو من إنشاء السلطان المولى الحسن الأول.

3- معمل السلاح بفاس الذي كان يسمى “مكينة العدة ” وقد أنشأ قبل دار السلاح .

4- “دار السلاح” بفاس وموقعها داخل باب الساكمة يمين “لامر” منه لباب المكينة، حيث يتراءى مظهر المعمل الخارجي الفخم، الذي يشخص أهميته كأكبر معمل في عهده وترى بابه مكتوبا أعلاه : “دار السلاح منشئها الأمير مولاي الحسن” وكان تأسيسها على يد المهندس الايطالي ” لوطري ” من عام 1305 إلى عام 1308 هـ،  حيث انتهى العمل فيها، كما جاء في الإتحاف، وفي عام 1309هـ كان افتتاحها في مهرجان عظيم أقامه السلطان الحسن الأول بعد حفلات عيد المولد النبوي الشريف الذي احتفل به في فاس كما جاء في “البستان الجامع” لمؤلفه محمد بن ابراهيم السباعي. وقد ورد ذكر هذه الدار أثناء قصيدة مولدية للشاعر الحاج إدريس بن الحاج علي السناني الفاسي في ديوانه “الروض الفاتح بأزهار النسيب والمدائح “، حيث جاء ضمن ذكر الحسن الأول هذا البيت :

وشيدت دار للسلاح العظيمة **** وشيدت حبا للعبادة مسجدا

Sans titre 18

وكانت تشتمل على ثلاثة معامل، كلها تستخدم بالماء :

– الأول معمل صنع البنادق تامة الأدوات من حديد وعود وغيرهما

– الثاني معمل صنع القرطوس

– الثالث معمل ضرب السكة المغربية وبهذا الأخير وقع ضرب بعض القطع من السكة المغربية أيام المولى الحسن الأول ومولاي عبد العزيز من فئة 10 و 25 و 1 موزونات ونصف الموزونة، وهي القطع النحاسية المكتوب على أحد وجهيها أنها ضربت بفاس كما جاء في ” الإستبصار” ، وفي “الإتحاف”  تفاصيل أخرى عن ” دار السلاح ” تثبت المهم منها في ما يالي : “قد استخدم بهذه الدار طلبة البعثة المتخرجة من مدارس فرنسا وبلجيكا، وكان رئيسها الكولونيل الإيطالي بريكلف، وكبارها هم: محمد الصغير، والمختار الرغاي، ومحمد بن الكعاب، وادريس الفاسي، والطاهر بن الحاج الاودي وهو رئيس العملة بهذه الدار، ومحمد المنقري رئيس قسم صناعة الزنادات وعباس بن قاسم رئيس قسم صناعة الجعاب، وعدد جميع العملة الذين كانوا بها ثلاثمائة عامل من فاس ومكناس ومراكش، والرباط وسلا وغيرها .

وكانوا ينقسمون إلى أقسام : لكل قسم قائد المائة، ومقدم وملازم، وأجرتهم اليومية من إثنى عشر مثقالا إلى مثقال واحد، وكان يصرف لهم اللباس سنويا، وكذلك اللباس الذي يباشرون العمل به، وكانوا لا يخرجون منها إلا بإذن الكولونيل رئيسها، وقد وقفت – يقول ابن زيدان – على إذنين أصدرهما لبعض العملة بالعربية والفرنجية بتوقيعه، وكان عدد ما يقبضه الأمناء من مصنوعات الدار في كل جمعة صندوقين، داخل كل واحدة منها ثمانية عشر بندقية بجربها ، وبلغ عدد ما كانت تدفعه من القرطوس شهريا: ثلاثمائة ألف، وكان نوع سلاحها يسمى باللسان الدارج “بوحفرة “، وبالإفرنجي “مرطني” مارتيني وبقي العمل مستمرا بها الى حدود سنة 1321 هـ في أول العهد الحفيظي .

Sans titre 14

مرت دار السلاح بفاس بمراحل تاريخية مهمة عرفت ازدهارا كبيرا وأخرى أزمات غير متوقعة وذلك راجع لعدة عوامل متداخلة، من أهمها  وفاة السلطان المولى  الحسن الأول سنة 1311 هـ،   ثم كذلك فترة الأزمات والثورات المحلية ما بين 1317 هـ و 1326 هـ، ولم تستعد دار  السلاح حركيتها  إلا في سنة 1327 هـ بعد تعديل الاتفاقية الأولى التي بموجبها ستتكلف البعثة الايطالية بمشاريع جديدة منها صيانة أسلحة الجيش المغربي ومشاريع إدخال الإنارة الكهربائية في كل مرافق الدولة الحكومية بالمناطق المغربية  .

Sans titre 16

استمر العمل في دار  السلاح بفاس إلى غاية 1330 هـ ،  قبل حل الجيش المغربي وتحويلها إلى مصنع للنجارة و للنسيج والزرابي .

المصدر:

zaSans titre 21
علي زيان

باحث مغربي مهتم بالتراث

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar