“مكناس العريقة”.. شوارع وأزقة دون أرصفة ومصابيح معطلة ومنتخبون غائبون (الحلقة الثانية)

بمجرد ما تطأ قدمك مدينة مكناس، تشعر وأنك ترتمي في أحضان التاريخ  وعبق الحضارة المغربية الأصيلة، ويأخذك الحنين إلى ماضي عريق والى شعور بالمجد والعنفوان والقوة.. لكن هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة للبلاد في الفترة الممتدة مابين 1672-1727 م، بدأ نجمها في الأفول، وبعدما كان يتغنى بجمالها المؤرخون والعلماء ووصفوها بالروض والجنان، ها هي اليوم تئن تحت وطأة التهميش و سوء التسيير والتدبير والعشوائية وزحف الاسمنت على كل ما هو أخضر..

في محاولة لتطويق مشاكل العاصمة الاسماعلية اليوم نتحدث عن مشاكل الإنارة وفوضى الأرصفة وغياب المنتخبين عما يجري ويدور في مكناس من خلال الحلقة الثانية ضمن سلسلة حلقات من إعداد الأستاذ عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية..

الصدمة الثالثة: شوارع وأزقة بدون أرصفة

إذا ما استثنينا بعض الشوارع المحسوبة على رؤوس الأصابع (شارع الجيش الملكي، شارع بئر أنزران، شارع عبد الرحمان بن زيدان، الشارع الممتد من بوعماير حتى بداية شارع الحسن الثاني بحمرية، طريق مولاي ادريس…)، بالإضافة إلى قلب المدينة الجديدة الذي يمكن تحديده بين مقر العمالة ومحكمة الاستئناف، والمقر الرئيسي للشرطة سابقا ومحطة القطار الأمير عبد القادر، إذا ما استثنينا (تجاوزا) هذه الشوارع والأزقة، يمكن التأكيد، دون مبالغة، أن مدينة مكناس لا تتوفر على رصيف واحد يستحق حمل هذا الاسم، حيث أن جميع الأرصفة بالمدينة الجديدة، أي العصرية (خارج المساحة المذكورة) غير صالحة على الإطلاق، بل إنها، في الكثير من المقاطع غير موجودة أصلا أو أنها تشكل خطرا حقيقيا على المارة نظرا للحفر الموجودة بها، خاصة في الليل مع الانعدام الشبه التام للإنارة العمومية. وبالتالي، فلا علاقة لهذه الممرات الخطيرة مع ما اصطلح على تسميته بالأرصفة، لأنها بعيدة كل البعد عن أن تشبه الرصيف بمواصفاته العصرية، فلا هي بقارعة الطريق، ولا هي بأرصفة، بل هي عبارة عن خليط هجين غير متجانس ينبغي على “المسؤولين” المعنيين البحث لها عن الاسم الذي يناسبها.

 بالمناسبة، تجدر الإشارة إلى أن الأغلبية الساحقة لأزقة المدينة الجديدة لا تتوفر على لوحات تحمل أسماءها، لدرجة أن غالبية السكان والتجار المجاورين لها يجهلون هذه الأسماء. أما في الأحياء الجديدة، أي أكثر من نصف المدينة، فإن هذه الأسماء تدخل في خانة المستحيل، وينبغي على زوار المدينة أن يستعينوا بمقدم الحومة لكي يدلهم على العناوين التي يبحثون عنها.

حتى المسالك الجبلية تتوفر على الحد الأدنى من مواصفات السلامة، التي لا تتوفر عليها بعض أرصفة مدينة مكناس. للتأكد من ذلك، يكفي أن يقوم الإنسان بمغامرة بسيطة في محيط ثانوية مولاي يوسف، أو بلاص دارم (place d’armes)، أو في الرصيف المقابل لمصحة القندوسي على شارع نهرو، أو في شارع السعديين، أو شارع المحطة الذي يمر أمام المحطة الرئيسية للقطار… لا ننصح أحدا بركوب هذه المغامرة خاصة أثناء الليل. وإذا كان ذلك ضروريا، فلا بد من اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة والاستعانة بالمصابيح الشخصية لأن التعثر أو التعرض لاعتداء أمر وارد، فكل شروط السقوط وال “كريساج” متوفرة بهذه المناطق، خاصة وأن الإنارة فيها شبه منعدمة.

الجانب العجيب فيما يخص الأرصفة بمدينة مكناس، هو أن صاحب كل سكن أو عمارة  حر في نحت مدخل عمارته ومرأبه (كراجه) على هواه. فهذا ينزل عن سطح الأرض بنصف متر، وذاك يرتفع بدرجتين. بل إن بعض أصحاب العمارات رفعوا مستوى الرصيف إلى أكثر من نصف متر. والنتيجة هي أن الرصيف، عوض أن يكون متناسقا في انبساطه وتسطحه، يتحول إلى تضاريس عجيبة، تعلو هنا وتنزل هناك، لدرجة يصعب معها على الإنسان أن يتجول فيها، خاصة إذا كان يدفع عربة أو يجر حقيبة.

هذه التضاريس العجيبة تمثل كابوسا حقيقيا لذوي الاحتياجات الخاصة، لأنهم يعيشون جحيما حقيقيا كلما هموا بالخروج من منازلهم، وبالتالي، من حقهم رفع دعوى قضائية ضد المصالح المعنية بالأمر.

تسيير الشؤون اليومية في مكناس يعتمد على قاعدة أساسية بسيطة: إذا تم اقتلاع “زليجة” واحدة بما يشبه أرصفة المدينة، فلن يتم إصلاحها مهما كلف ذلك من ثمن، وما على من يعانون من الأضرار نتيجة ذلك، سواء من أصحاب المتاجر أو السكان، إلا أن يصلحوا ذلك بأنفسهم ومن مالهم الخاص، وبالتالي، فهم طلقاء لأن يفعلوا ما يحلو لهم بالجزء الخاص بهم من “الرصيف”.

المشكل هو أنه، أمام هذه الخروقات الصارخة، لا أحد من “المسؤولين” يتدخل لإجبار المقاولين على احترام المعايير المعمول بها في البناء وتطبيق القانون قبل تسليم رخص البناء أو السكن. فلا الوكالة الحضرية تتدخل، ولا المصالح المعنية بالبلدية تتحرك لضمان سلامة المواطنين وجمالية المدينة، ولا السلطات الوصية تثير انتباه المعنيين بالأمر إلى تحمل مسؤولياتهم.

قد يقول البعض ممن لا يعرفون مدينة مكناس أن هذا الوصف مبالغ فيه، والحقيقة أن الواقع أقبح من هذا الوصف بكثير. ففي قلب المدينة الجديدة مثلا، هناك مساحات واسعة من الأزقة لم تمسسها يد إنس ولا جان منذ عهد الحماية، كما هو الحال بالنسبة للأزقة المحيطة بثانوية مولاي يوسف وأزقة بلاص دارم ومحيط المحطة الرئيسية للقطار على سبيل المثال لا الحصر.

 هذا هو حال الأرصفة بالمدينة الجديدة، المفروض فيها أن تتوفر على كل التجهيزات التي تجعلها مدينة عصرية بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولكن المصطلحات شيء، والواقع المر شيء آخر. أما الأرصفة بالأحياء الشعبية، فتلك “حريرة محرحرة” من الأفضل عدم الغوص فيها، الآن على الأقل، لأن وضعها، إن وجدت، يصعب على أكبر علماء اللغة بلاغة أن يجدوا الكلمات المناسبة لوصف ما وصلته من تدهور وما تعانيه من إهمال.

الصدمة الرابعة: الإنارة

مسيرو شؤون مدينة مكناس وحدهم يفقهون سر إيجاد الشيء وإخفائه في نفس الوقت. وهذه ليست عملية سحرية، بل حقيقة يعيشها سكان المدينة يوميا. فأعمدة الإنارة العمومية مثلا موجودة على طول الشوارع والأزقة ومصابيحها “مشعولة”، ولكنها لا تضيء أبعد من علبتها، حتى أن مصابيح الإنارة العمومية التي تضيء على “الهندية والصابرة” والقصب في قرى مهمشة مثل الصفاصيف وعين الكرمة تعطي إنارة أكثر من مصابيح بعض شوارع وأزقة مدينة مكناس، كما هو الحال في شوارع كبيرة مثل شارع السعديين، وشارع المحطة، وشارع مولاي يوسف، والشوارع المؤدية إلى “بلاس دارم”، وشارع يوسف بن تاشفين… أما أزقة وأحياء المدينة القديمة والأحياء الشعبية، فلا يمكن إلا أن نطلب العون والصبر والسند الإلاهي لساكنتها.

شوارع مكناس

ذات ليلة دخلت إلى حي القصبة لزيارة صديق، وعند خروجي ليلا، فوجئت بالظلام الدامس على طول الشارع الرئيسي الذي يمر وسط الحي وصولا إلى حي أكدال. على طول ما يقرب من كيلومتر، ولا مصباح واحد مشغل، الإنارة الوحيدة بالشارع توفرها المصابيح الخافتة للدكاكين والمقاهي الشعبية القليلة.

 هذه ظاهرة نادرة في مجال تسيير شؤون المدن واقتصاد الطاقة، لدرجة احتار معها علماء الفيزياء والاقتصاد معا: كيف توصل مسيرو مجلس مكناس بعبقريتهم إلى هذه الوصفة العجيبة: إظهار مصابيح “مشعولة” للناس دون أن تضيء ظلام لياليهم الحالكة. عندما يرفع المواطن عينيه إلى أعمدة الكهرباء، يرى أن المصابيح مشغلة و”مشعولة”، وعندما يخفض عينيه إلى الأسفل لينظر إلى ما يشبه الرصيف يتعثر لأنه لا يرى شيئا، بل يحس فقط بوجود حفر وحواجز تتربص برجليه لتسقطه.

بهذه المناسبة، لا بد من توجيه تحية خاصة “للمسؤول” المغوار الذي قرر إطفاء هذه المصابيح، على علتها وضعف إنارتها، مع السابعة صباحا، علما أن الظلام الدامس يظل ناشرا أجنحته على المدينة في فصل الشتاء حتى الساعة الثامنة والربع صباحا. ساعة وربع، على الأقل، من المعاناة والهوس والخوف يعيشها الأطفال المتوجهون إلى المدارس وأولياء أمورهم، والعاملات المتوجهات إلى مقار عملهن المتواجدة عادة على هامش المدن، حيث ينبغي عليهن المرور، وهن يطلبن العناية الإلاهية، من مسالك خالية، تتحولن فيها إلى فريسة سهلة للاعتداء. الشرح المحتمل لهذا القرار هو أن “المسؤول” الذي اتخذه لا يستيقظ باكرا ليتسنى له معرفة معاناة الناس مع الظلام الدامس.

هذه هي الوصفة العجيبة التي حباها الله سبحانه وتعالى لبعض مسيري شؤون مدينة مكناس : مصابيح “مشعولة” ولا تضيء إلا على نفسها، أرصفة موجودة على الورق ومندثرة في الواقع، مسيرون “منتخبون” وغير موجودين، يسمع بهم الجميع ولا يراهم أحد.

كمساهمة بسيطة لحل هذه الإشكالية، أقترح على “المسؤولين” تعويض المصابيح الحالية بشموع مولاي ادريس الكبيرة، وسيرون أن هذه الشموع اقتصادية ومفيدة لهم وأن الإنارة ستتحسن بكثير عما هي عليه الآن.

الصدمة الخامسة: تعثر تأهيل المآثر التاريخية

تمتد المدينة القديمة على العشرات من الهكتارات، يضاف إليها القصر الإسماعيلي والمرافق التابعة له والمحيطة به. وتتميز هذه المعالم بالأسوار المحيطة بها والتي تمتد على أكثر من 45 كيلومتر، وهي الآن محط إصلاح و”تثمين للمدينة العتيقة” كما يحلو للمسؤولين المحليين وصفه، وذلك في إطار برنامج ترميم المعالم التاريخية الكثيرة التي تزخر بها العاصمة الإسماعيلية على غرار ما تعرفه المدن التاريخية الأخرى بالمملكة. وبالفعل، فقد انطلق البرنامج منذ سنوات ولازال السكان ينتظرون نتائجه.

صهريج min

كثرة المآثر بمكناس تطرح مشاكل كبيرة من نوع خاص، فما أن يتم إصلاح آخر جزء منها حتى يكون الجزء الأول الذي استفاد من الترميم قد أصابه التآكل وأصبح يحتاج إلى عملية إصلاح جديدة. وهذه معضلة معقدة تضع مسيري المدينة أمام تحديات من نوع خاص.

والمثير للانتباه في هذا الأمر، هو أن من بين المحاور التي ينص عليها البرنامج المذكور، “تحسين الولوج والسير بالمدينة العتيقة”، والحال أن العكس تماما هو الذي حصل بمدينة مكناس.

 فعوض “تحسين الولوج والسير” ( !!!)، لم يشاهد سكان المدينة القديمة وزوارها الكثير لحد الساعة سوى أزقة محفرة، وأسوار من القصدير وتوالي ركام الأتربة التي تركها المقاول المكلف بالأشغال الذي، عوض القيام بعمله في “تحسين الولوج” من الأبواب الرئيسية وتنظيف الأزقة، ترك السكان والمارة في مواجهة يومية مباشرة مع الحفر الغبار والأتربة المتراكمة ورحل إلى حال سبيله.

ويا ليت الساهرين على هذا المشروع تركوا هذه الأبواب والأزقة على حالها، أي كما كانت عليه منذ العهود القديمة. فلا هم “ثمنوا المدينة العتيقة”، ولا هم “حسنوا الولوج” إليها، ولا ساهموا في جمالية المدينة. بل خلقوا معاناة يومية للسكان والتجار والزوار على حد سواء.

لقد تناسى هؤلاء المسؤولون أن “التثمين” يعني الإصلاح والتنظيف وتحويل الأماكن المعنية إلى أحسن وأجمل مما كانت عليه من قبل. والحال أن العكس هو الذي حصل لحد الساعة في المدينة القديمة لمكناس.

وما يثير الاشمئزاز والحيرة في نفس الوقت، هو التهاون واللامبالاة و”التكرفيس على الناس” التي يتعامل بها المقاولون المكلفون بعمليات الترميم. يتعاملون وكأنهم يبنون “إرم ذات العماد”، في حين أن المطلوب منهم هو القيام بعملية إصلاح بسيطة. فبالإضافة إلى الحفر وركام التراب التي يتركونها في كل مكان مروا به، فإنهم يتصفون بميزة أخرى أكثر اشمئزازا، حيث أنهم يضعون متاريسهم وأسوار القصدير لوقف حركة السير وتحويلها إلى اتجاهات أخرى، وينطلقون في العمل بنقطة معينة، ثم يتركونها على حالها للانتقال إلى نقطة أخرى، فيقومون بنفس العمل، وينتقلون إلى ورش آخر قبل انتهاء الأشغال في النقط السابقة وفتحها أمام العموم.

وهكذا، تحولت العديد من المناطق بالمدينة إلى أوراش، أو بقايا أوراش لا يعمل بها أحد، كما هو الحال بباب القصدير وباب البرادعيين وباب الخميس والباب المجاور لدار البارود ببوعماير على وجه الخصوص. فهذه الأبواب مغلقة منذ زمان بأكوام من الخشب والقصدير ولا أحد يدري هل انتهت بها الأشغال أم لا، وما السر في “جرجرة” الأشغال بأوراش لا تتطلب مدة إنهائها كل هذا الوقت.

المعروف أن أوراشا كهذه يتم تمريرها للمقاول في إطار عقدة مبنية على مجموعة من الشروط، من ضمنها تحديد مدة الأشغال وتاريخ الانتهاء منها وضمان انسيابية حركة المرور وسلامة المارة. فأين نحن في مدينة مكناس من هذه الشروط، حيث تستمر الأوراش إلى ما لا نهاية مع ما تتسبب فيه من عراقيل وأوساخ وأتربة وغبار وضجيج وتعريض سلامة المواطنين للخطر … ولا أحد يتدخل.

فهل ترميم باب من هذه الأبواب مثلا يتطلب كل هذه السنوات؟ هل الهدف من انتشار هذه الأوراش وتمديد فترات العمل بها هو إعطاء الانطباع للسكان والزائرين بأن المدينة زاخرة بالأوراش ؟ إنها مهزلة حقيقية واستهتار بمصالح المواطنين.

وعلى من يديرون شؤون المدينة أن يعلموا أن الهدف من صرف الميزانيات الضخمة لهذه المشاريع هو الحفاظ على تراثنا الحضاري و” تحسين الولوجيات والسير”، وليس العكس.

 فهل هم واعون، على الأقل، بأن إغلاق هذه الأبواب يتسبب في جحيم يومي حقيقي بالنسبة للمارة وأصحاب السيارات، الذين وجدوا أنفسهم مجبرين على تغيير اتجاه طريقهم نحو مناطق وطرق وأزقة ضيقة، محفرة ومكدسة، الشيء الذي يمثل بالنسبة لهم مضيعة للوقت، ومصاريف بنزين إضافية واحتراقا يوميا للأعصاب، كما هو الحال في المقطع الرابط بين المدار الطرقي قرب الحي الجامعي وباب كبيش، الذي أصبح مجبرا على تحمل حركة مرور أكثر من طاقته الاستيعابية، وحيث تحولت الحفر إلى آبار حقيقية ومجزرة لتحطيم السيارات.

عندما تم بناء هذه الأبواب في القرون السابقة وبأدوات بسيطة، لم يتطلب أمر  بنائها من الأساس وحتى النهاية كل هذه المدة التي تستغرقها حاليا عملية ترميم بسيطة، وهي ما علق عليها أحد المواطنين بطريقة لا تخلو من الاستهزاء عندما أكد أنه : “لو تطوع أي عامل بسيط لوحده بترميم باب من هذه الأبواب باستعمال أصبعه فقط، لكان قد انتهى وسلم الورش لأصحابه منذ زمان”. وهذا بالضبط ما يحدث عندما يتم مرير صفقات لمن هم غير مؤهلين لها، وما أكثرهم في هذه المدينة.

temp 201 min

معاناة سكان وتجار ومرتادي المدينة القديمة لا تنحصر في هذا التماطل، بل إنهم يواجهون منذ سنوات عديدة خطرا حقيقيا من نوع آخر. ويتعلق الأمر بالمادة التي تم استعمالها لتسقيف بعض القيساريات والممرات بقبة السوق، حيث يبدو أن الأمر يتعلق بنوع من “القصدير” يسمى “ديماتيت” المصنوع من مادة “الأميانت”، وهي مادة بالغة الخطورة ومن المفروض أنها ممنوعة، نظرا لما تتسبب فيه من أمراض قاتلة نتيجة استنشاق الأشخاص المجاورين لها لما يسمى بالصوف المعدني أو الصوف الحجري، المكون الأساسي لهذه المادة. وتتجلى هذه الأمراض في الاتهاب الطويل المدى وتليف الرئتين، وما ينتج عنها من ضيق في التنفس وألم في الصدر، وقد تصل مضاعفاته في غالب الأحيان إلى سرطان الرئة، وورم الظهارة المتوسطة، وهو نوع نادر من السرطان يصيب الرئتين والصدر والبطن، إضافة إلى أمراض القلب.

إذا كان الأمر يتعلق فعلا بمادة “الديماتيت”، وهو ما يبدو بالعين المجردة ولو عن بعد، فعلى المسؤولين التخلص منها في أسرع وقت لحماية السكان والزائرين والتجار الذين يقضون جل أوقات أيامهم تحت رحمة هذا الخطر الكاسح دون أن يحسوا بذلك، مع محاسبة الأشخاص الذين وضعوا هذه المادة الخطيرة فوق رؤوس الآلاف من المواطنين منذ سنوات عديدة.

حقيقة أن الإنسان يصاب بالذهول والحيرة عندما يرى التغيير الجذري الذي طرأ على المدينة القديمة لمدينة كالرباط مثلا، سواء من حيث تثمين العمران، أو تحسين الولوج والسير، أو جمالية الأزقة، ويقارن ذلك ما يحدث بالمدينة العتيقة لمكناس بأزقتها المكتظة البئيسة، علما أن الأشغال الجارية بالمدينتين معا تدخل في إطار مشروع تأهيل المدن العتيقة. فكيف يشرح لنا المسؤولون الفرق بين الجدية في الرباط والتقصير في مكناس ؟ وما هي الحكمة في ذلك ؟

الصدمة السادسة: خطايا عمرانية في حق المدينة

من أجمل ما تتميز به مدينة مكناس، أنها مبنية على هضبة مكونة من مجموعة من التلال، تطل كل واحدة منها على الأخرى في مناظر ساحرة، وتطل كلها، من الجانب الشمالي، على السهول المترامية الأطراف والممتدة من سفوح هذه التلال حتى جبال زرهون ومشارف زكوطة في منظر قمة في الروعة.

تفاوت

فعندما يقف الزائر على مشارف حي المنظر الجميل، وهو جميل فعلا، يتمتع بمنظر يصعب العثور عليه في مدن أخرى : يرى أمامه لوحة رائعة لمختلف أحياء المدينة القدية ببناياتها المتراكمة، وصوامعها الاثنتي عشر والأسوار الإسماعيلية المحيطة بها وهي تتمايل نحو وادي بوفكران.

 وعندما يقف عند مشارف ساحة “كورنيط”، يستمتع الناظر بالحقول الغناء الممتدة حتى أطلال مدينة وليلي، مرورا ب “جنانات” الدخيسة الخضراء، التي تمد سكان مكناس بكل ما يحتاجونه من خضر وفواكه. ولا يحد هذه اللوحة الخلابة سوى جبال زرهون وقراها المتناثرة وسط غابات وأشجار التين والزيتون والرمان التي تنتشر على طول مساحاتها. تفاصيل أخرى في الحلقة المقبلة..

ذ .عبد القادر لبريهي: صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar