مكناس العريقة.. جماعة تعيش جحيم الاكتظاظ وانسداد “شرايين” المرور في غياب الجسور (الحلقة الخامسة)

بمجرد ما تطأ قدمك مدينة مكناس، تشعر وأنك ترتمي في أحضان التاريخ وعبق الحضارة المغربية الأصيلة، ويأخذك الحنين إلى ماضي عريق والى شعور بالمجد والعنفوان والقوة.. لكن هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة للبلاد في الفترة الممتدة مابين 1672-1727 م، بدأ نجمها في الأفول، وبعدما كان يتغنى بجمالها المؤرخون والعلماء ووصفوها بالروض والجنان، ها هي اليوم تئن تحت وطأة التهميش و سوء التسيير والتدبير والعشوائية وزحف الاسمنت على كل ما هو أخضر..

في محاولة لتطويق مشاكل العاصمة الاسماعلية ولفت انتباه المسؤولين لما ألت إليه أوضاع مكناس البهية، نورد اليوم حلقة جديدة عن واقع حركة السير والجولان في المدينة المترامية وكيف ساهم غياب الجسور في اختناق بعض الأحياء مع غياب مرائب لركن السيارات، ضمن سلسلة حلقات من إعداد عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية..

محنة البحث عن مكان لركن السيارة

إضافة إلى غياب الحدائق، ونتيجة للسيطرة المطلقة للإسمنت على أوصال المدينة، نسي “المسؤولون” ضرورة تخصيص مساحات لوقوف السيارات (باركينغ).

ففي المدينة الجديدة، التي تعتبر المحج الرئيسي للزوار من كل الأحياء، وباستثناء ساحة معركة الهري التي تسع لأقل من 40 سيارة في أحسن الأحوال ومساحة بسيطة محاذية لمكتب التبغ سابقا والمخصصة أصلا لوقوف التاكسيات، لا يوجد ولو “باركينغ” واحد لوقوف السيارات مهما صغرت مساحته. وهذا ما يجبر أصحاب السيارات على الوقوف في الموقع الثاني بالعديد من الأزقة رغم ضيقها، الشيء الذي يخلق عرقلة حقيقية في حركة السير ويعرض السيارات المعنية بالحجز وجرها إلى “الفوريان”، كما هو الحال بالنسبة لأزقة عمر بنشمسي، والداخلة وأنتسيرابي وأبي الحسن المريني، بل وحتى شارعي محمد الخامس وعلال بن عبد الله وغيرها…

مكناس 2 1

وبما أن لكل مشكل حل، فإن واحدا من الحلول المتاحة أمام “المسؤولين”، هو بناء مرآب تحت أرضي من طابقين أو ثلاثة طوابق بالساحة الإدارية، دون إغفال إعداد منتزه جميل فوقه مزخرف بالممرات والأشجار والنافورات والكراسي المخصصة لاستراحة الزوار.

ولا داعي للتأكيد على أن الموقع ملائم جدا، خاصة وأنه يتوسط مجموعة من الإدارات الكبرى كالمحكمة الابتدائية (التي ستفتح أبوابها عما قريب) ومحكمة الاستئناف وقصر البلدية والمقر الرئيسي للبريد ومركز الشرطة وغيرها من المرافق التي يقصدها الآلاف من المواطنين يوميا لقضاء أغراضهم.

حالة نادرة بالمغرب:  شاحنات عملاقة وسط أزقة ضيقة

وما يعرقل حركة السير أكثر في المدينة هو مرور حافلات وشاحنات ضخمة بحمولتها الكبرى وسط أزقة ضيقة في قلب المدينة الجديدة، من المفروض أن تكون مخصصة لمرور السيارات الخفيفة فقط، كما هو الشأن في المدن الأخرى. وهكذا، تمر هذه الحافلات والشاحنات الطويلة وهي تجر وراءها 30 طنا وأكثر تحت شرفة مكتب عامل المدينة ووسط أحياء آهلة بالسكان، متسببة بذلك في مشاكل عويصة ليس أقلها ضجيج محركاتها والازدحام الذي تتسبب فيه، والمخاطر التي تمثلها سواء بالنسبة للمارة أو أصحاب السيارات، وحتى بالنسبة للسيارات المركونة، خاصة عندما يتعلق الأمر بممرات ضيقة للغاية، كما هو الشأن بالنسبة لزنقة الأمير مولاي عبد الله، التي تتسع بالكاد وبصعوبة بالغة لمرور سيارتين خفيفتين في الاتجاهين المعاكسين، فما بالك عندما تمر منها شاحنات عملاقة وحافلات من الحجم الكبير.

وكان الأجدر “بالساهرين” على تسيير شؤون المدينة بناء طريق مداري يمر بمحاذاة المدينة، لتمكين أصحاب الشاحنات والحافلات من استعمالها وتفادي المرور وسط المدينة، وفي ذلك راحة للجميع، وضمان لسلامة المارة وانسياب أفضل لحركة المرور.

وقد أصبح هذا الطريق المداري مطلبا ملحا، خاصة وأن مدينة مكناس تمثل صلة وصل لا محيد عنها لربط شمال المملكة وغربها بالجنوب الشرقي للمدينة، أي كل مناطق الأطلس المتوسط والأرجاء الشاسعة لتافيلالت وصولا إلى مناطق بولمان وإيموزار مرموشة.

مكناس3 2

لهذا، لا يمكن التمادي في تجاهل معاناة سائقي آلاف الشاحنات والحافلات والسيارات الذين يجدون أنفسهم مجبرين على المغامرة وسط شوارع وأزقة العاصمة الإسماعيلية كلما كانوا متوجهين نحو الشمال أو الجنوب.

هذا بطبيعة الحال مجرد حلم وصيحة في واد، ما دام أن المعنيين بالأمر من “المسؤولين” في “آذانهم وقر”، وبالتالي، وكما عودونا على ذلك منذ سنوات طويلة، فهم لا يسمعون شيء من مطالب الناس ومشاكلهم، ويتمادون في تجاهل هذه المشاكل والبحث عن حل عملي لها.

وما أكثر أحلام سكان مكناس… أحلام قديمة/جديدة ولكنها بعيدة عن أن تتحقق، كالحلم ببناء جسر على وادي ويسلان لوقف مسلسل المجازر التي تتسبب فيها حوادث السير المتوالية على هذا المقطع الطرقي المعروف بمنعطفاته الخطيرة، أو حفر نفق تحت حي الروامزين وتخليص السكان من جحيم الاكتظاظ في حركة المرور بهذا الشريان الحيوي الذي لا محيد عنه لربط المدينتين القديمة والجديدة… وحلم إعداد مداخل جميلة كما هو الشأن في المدن الأخرى، وخاصة مدخل الطريق الغربي المتوجه نحو الخميسات، والطريق الشمالي المؤدي إلى سيدي قاسم وما بعده، والذي يعتبر من أسوأ المقاطع الطرقية التي يجد آلاف من أصحاب الشاحنات والحافلات والسيارات أنفسهم مجبرين على المرور منه، لأنه الشريان الوحيد الذي يربط شمال البلاد بجنوبها.

ورغم معاناة السائقين وشكاياتهم المتكررة والحوادث الخطيرة التي يتسبب فيها هذا المقطع (بين مكناس وسيدي قاسم بشكل خاص مع أكثر من عشر كيلومترات من العقبة الحادة عند مدخل مكناس)، مازالت المصالح المركزية والجهوية المعنية ترفض التدخل لإصلاحه وتثنيته.

ذ.عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar