تبون في تركيا.. عسكر الجزائر يلعبون آخر اوراقهم و يسلمون مفاتيح الدولة إلى المستعمر القديم

وصل اليوم الاحد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية من المرتقب أن تدوم 3 أيام.

و عكس الإستقبال الحار الذي لقيه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان سنة 2020 عند زيارته للجزائر حيث وجد ساعتها، عبد المجيد تبون ينتظره عند باب الطائرة، فاتحا دراعيه، تحت إيقاع المعزوفة العسكرية، للحرس الرئاسي الجزائري، فعند وصوله إلى مطار أنقرة لم يجد تبون في استقباله، سوى نائب الرئيس التركي، و وفد السفارة الجزائرية بتركيا.

الأمر الذي أثار موجة إستياء كبيرة، على مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، بعد تداول النشطاء الجزائريين لصور تقارن بين الإستقبال الحار، الذي خص به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شخصيا نظيره الإسرائيلي قبل أيام، و بين الإستقبال الباهت لتبون من قبل نائب الرئيس رجب طيب أردوغان.

و حسب مراقبين دوليين، فإن زيارة تبون إلى تركيا لن تحقق النجاح الذي يراهن عليه قصر المرادية، خصوصا بعد الدعم الصريح لمقترح الحكم الذاتي، الذي جاء على لسان وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” قبل ايام قليلة، في مؤتمر مراكش العالمي لمحاربة داعش، و الكيانات المسلحة، التي تهدد إستقرار منطقة شمال أفريقيا، و منطقة الساحل و الصحراء.

و في نفس السياق، فإن الصفقات العسكرية التي ابرمها المغرب و تركيا، و التي تهم بالأساس إقتناء عشرات الطائرات المسيرة من طراز “بيرقدار”، لصالح القوات المسلحة الملكية، من المرتقب أن تأخد حيزا من النقاش بين تبون و أردوغان، خصوصا بعد زعم وسائل إعلام جزائرية، إستعمال هذه المسيرات من قبل الجيش المغربي لتطهير المنطقة العازلة، من فلول مسلحي البوليساريو المدعومين من قبل الجيش الجزائري.

و من جهة أخرى فإن الوضع في ليبيا، يرجح ان يكون أهم ملف للتداول بين تبون و اردوغان، خصوصا بعد المستجدات الأخيرة المتعلقة بالتوافق المغربي المصري، و دعم البلدين للبرلمان الليبي، الذي يعد المؤسسة الشرعية التي تحظى بثقة الجيش الوطني الليبي، خصوصا بعد نجاح قوات حفتر، في محاربة الإرهاب، و المرتزقة المدعومين من قبل تركيا و الجزائر.

و تأتي زيارة تبون إلى أنقرة، كرد فعل جزائري على الدعم المصري الاخير لمغربية الصحراء، الذي جاء بشكل صريح على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري، اثناء تدشينه المقر الجديد للسفارة المصرية بالرباط، فالجزائر تعلم جيدا حجم الحساسية بين مصر و تركيا، بسبب دعم أنقرة لجماعة الإخوان في مصر، و احتضانها لمعارضي نظام السيسي، علاوة على دعمها للجماعات المسلحة في الشرق الليبي، التي تشن هجماتها على مواقع عسكرية على الحدود الغربية، لمصر كنوع من الإنتقام من النظام المصري الذي أطاح برئيس الإخوان محمد مرسي، و بذلك تأتي زيارة تبون إلى تركيا على شكل تصعيد غير مباشر بين الجزائر و القاهرة.

و عكس ما يتم تداوله بشكل مغلوط، من قبل الإعلام الجزائري بكون الزيارة التي يجريها تبون إلى تركيا، تهدف إلى تطوير العلاقات الإقتصادية و الشراكات الصناعية بين البلدين، فالحقيقة أن الرئيس الجزائري حط الرحال في أنقرة حاملا مجموعة من الملفات الأمنية و الجيوستراتيجية الحارقة، تتضمن الملف الليبي، و الموقف المصري، و قضية الصحراء المغربية، و كذا ملف بعض أعضاء حركة رشاد، المتواجدين على التراب التركي.

و في تسريب استخباراتي لموقع مغرب “انتليجانس” اعلن هذا الاخير عن دخول المخابرات الجزائرية، في مفاوضات سرية مع “انور هدام” القيادي السابق للحزب الإسلامي المنحل، الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أحد الشخصيات الرمزية للحركة الإسلامية الجزائرية المتواجد بالمنفى في الولايات المتحدة، لأكثر من عقدين من الزمن، ما يدل على أن النظام العسكري في الجزائر يعمل على تشكيل حكومة للإسلاميين، ستعلب دورا مهما في كسب الدعم التركي، و ايضا لمواجهة النظام المصري، خصوصا بعد أن وجدت الجزائر نفسها عالقة في زاوية مغلقة، جراء فقدانها الدعم المصري و الليبي من جهة، و من جهة أخرى بسبب موقعها الدولي المتأزم، على هامش الازمة الأوكرانية، والضغط الكبير الممارس عليها من قبل الاوربيين، والروس، والذي حول نعمة ثرواتها الغازية إلى نقمة ستجر عليها ويلات حرب إقتصادية عالمية.

خلاصة القول، أن النظام العسكري في الجزائر، يراهن كثيرا على زيارة تبون إلى تركيا، لإيجاد مخرج من الازمة الإقليمية و الدولية، التي تعانيها الجزائر، ولو كلف الأمر دفع العسكر بالإسلاميين إلى الحكم في الجزائر، ليبقى السؤال المطروح ما هو الثمن الذي ستدفعه الجزائر لتركيا، المستعمر القديم ليكون بمثابة القشة التي يتشبث بها ساسة قصر المرادية، للنجاة من الغرق، هذا إذا لم تكن قشة العثمانيين السبب المباشر في قصم ظهر بعير المرادية.

وتعتبر تركيا أقدم مستعمر للجزائر، حيث قضت الامبراطورية العثمانية ثلاثة قرون بها، عملت على تغيير البنية السكانية للجزائر، وأنشأت ما يسمى بالعرق “الكرغلي” وهو مزيج للاتراك والجزائريات، ولم يتأت للمقاومة الجزائرية طرد الترك، حتى جاء الاستعمار الفرنسي، الذي عمر هو الآخر قرنا وثلاثين سنة، و ترك كابراناته يحكمون الجزائر حتى بعد إستقلالها، ليسلم اليوم تبون مرة أخرى مفاتيح بلده إلى تركيا، و كأن لعنة أصابت الجزائر لكي تعيش في ظل تناوب الإستعمار الفرنسي و التركي.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar