قيس لبس كيس.. أسباب وأبعاد استقبال زعيم البوليساريو في تونس

تلقيت دعوات من أصدقاء ومتابعين لشرح موقف تونس من قضية الوحدة الترابية للمغرب بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي لحضور أشغال القمة اليبانية الإفريقية، التي تستضيفها بلاده.
وقد اثار انتباه المغاربة الطريقة المستفزة، التي خص بها رئيس تونس زعيم الجبهة الانفصالية والاستقبال الذي حضي به، فيما يبدو رسالة واضحة من الرئيس التونسي وهو يرد على الملك محمد السادس، الذي قال قبل أيام في خطاب ثورة الملك الشعب “إن قضية الصحراء هي النظارة التي بنظر منها المغرب إلى العالم”.
وليس من تفسير للتصرف الذي أقدم عليه قيس سعيد سوى رده على الخطاب الملكي بعبارة “نحن لسنا معكم نحن مع الجزائر”.
استقبل قيس زعيم البوليساريو بصفته “رئيس دولة”، ولكنه قادم على متن طائرة رئاسية جزائرية، فالأمر فيه التباس حتى على مستوى الفهم. ولم يجد قيس ما يبرر به فعله سوى محاولة تكيبف استقبال غالي في إطار العضوية التي تتمتع بها جبهة البوليساريو، وهي “دولة وهمية”، عضو في الاتحاد الإفريقي لحضور أشغال الدورة الثامتة للقمة اليابانية الإفريقية.
للإشارة سبق ان استضافت اليابان أشغال القمة السابقة ورفضت حضور جبهة البوليساريو، فلم ينتظر وزير خارجية اليابان زقتا طويلا حتى أكيد خلال اشغال القمة في تونس وعلى مسمع قيس وغالي “أن اليابان لم تستدع كيانا لا تعترف به وحضوره في قمة تونس لن يغير موقفها منه”.
انطلقت اشغال القمة اليابانية الإفريقية في تونس وهي فاشلة، انسحب منها المغرب، وخفضت عدد من القيادات الإفريقية مستوى حضورها، ولم يحضرها رئيس الوزراء الياباني بدوره، وأطلقت دول إفريقية الرصاص في قاعة الاجتماع، متهمة تونس بالتورط في إستضافة كيان موبوء ومنبود وغير مقبول كما قالت بذلك السنغال وجزر القمر وغينيا بيساو، الذي انسحب رئيسها من القمة.
يبدو أن حظ اليابان هذه السنة ليس على ما يرام، شهدت مقتل رئيس وزرائها السابق، وتعرضت لضغط كبير بسبب الحرب الروسبة في أوكرانيا، وازداد الخناق عليها بسبب الأزمة الصينية التايوانية، والآن تحصد الخيبة في قمتها مع الافارقة في بلد (تونس) على شفا الانهيار، لأنه استضاف كيانا وهميا يستمر في خلق مزيد من المشاكل.
نعود الآن إلى تونس، وبالنسبة لمن يريد أن يعرف سبب إقدام قيس سعيد على فعلته، فالأمر لا يتعلق بتونس كبلاد وشعب، ولم يفاجأ المغاربة بردود قيادات سياسية وفكرية تونسية هبت لاستنكار تصرف الرئيس وعارضته بقوة على ما فعل.
إن الامر يتعلق بشخص قيس سعيد، ومن يعرف الرجل جيدا لن يستغرب موقفه، فهو انقلابي بطبعه على كل شيء طبيعي، وهو الآن رئيس غير شرعي ويعاني عزلة داخل تونس، خاصة بعد انقلابه على الدستور، ونبده الحياة السياسية، والتدخل في القضاء، وهدم كل الحدود بين السلطات التي يعمل جاهدا على جمعها في بده في قبضة من حديد.
كاريزما الرجل من قسمات وجهه وطريقة كلامه وحركات جسمه، وأحيانا حتى من اسمه، وبالنسبة لقيس فهو يقبع في فصول قديمة من التاريخ ومن حقب تجاوزها الزمن، يحمل أفكارا مجففة ومعطرة بالقومجة ومطبوخة بشعارات شعبوية بلغة عمر وزيد، ويتصرف داخليا وخارجيا كأنه القائد الملهم وتحت يده قوة من المبادئ المدعومة بجيش وأسلحة لا نظير لها إلا في العنتريات والمعلقات.
إنه قيس سعيد، الذي حمله طلبة في الكلية على أكتافهم إلى سدة الرئاسة، ولم يكن ليصل إليها لو لا نسيم الحرية الذي صنعته ثورة الياسمين. لكن قيس هو قيس قاس طوله وعرضه وصنع كرسيا على مقاسه، وأخذ في شفط أكسيجين الحرية رويدا رويدا.
في ظل سطوته السياسية ومواقفه ااخارجية التي لا تستقيم مع مصلحة تونس، ناصب العداء للاتحاد الاوروبي، وهاجم مواقف أمريكية، وصب الزيت بتهور على إسرائيل، معتقدا أن تلك مواقف ستعزز شعبيته بين التونسيين.
مقابل ذلك ومع مرور كل يوم على وجوده في السلطة تغرق تونس في الديون والأزمات، لا استقرار سياسي لا استثمارات خارحية، حتى وصل العجز بالدولة إلى عدم قدرتها على اداء رواتب الموظفين، وتدخل صندوق النقد الدولي بمزيد من الشروط لتصحيح خطوات النظام التونسي.
في خضم معاناة البلاد الاقتصادية والسياسية، لم تتفتح عبقرية قيس على مخططات لجلب الاستثمارات وإقامة المشاريع وإنعاش الاقتصاد، وإنما تفتحت عبقريته على الارتماء في مختبر أفكاره المتسمة بالانغلاق والتزمت، وإن الفعل من جنس صاحبه.
فكر قيس من أجل حل المشاكل التي تعانيها تونس الاصطفاف خلف الأنظمة الشمولية، ولم لا وهو يقود تونس نحو نظام دبكتاتوري حتى لقب ب”الديكتاتور الصغير”.
توجه قيس إلى جاره الغربي النظام الجزائري العسكري، الذي لمس حاجة قيس للمال ونصب له الشراك، وفي نهاية العام 2021، وفي اعقاب دعوة وجهها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للرئيس قيس، كانت صقفة على الطاولة بقيمة 300 مليون دولار في شكل قرض لم يعلن عن أي إجراء بطرق تسليمه او تسديده.
بالنسبة للنظام الجزائري، لا تهمه تنمية تونس ولا مساعدة شعبها، لأنه أصلا لا يهتم حتى لأمر الشعب الجزائري، وإنما همه الوحيد هو ضرب المغرب من خلال دعم البوليساريو. وليس أفضل من فرصة لاستمالة موقف تونس ووضعها تحت إبط النظام الجزائري، من تلك التي يقدمها قيس سعيد وهو في حالة شخص مفلس نصب نفسه أبا على عائلة في لحظة العزاء فيما لا يملك لا مال ولا شرعية.
إن اصطياد موقف تونس وتأليبها ضد المغرب صيد ثمين بالنسبة للنظام الجزائري في وقت تكبد ما يكفي من الخسائر على المستوى الإفريقي والعربي والدولي، وبالتالي هو موقف يضخ بعض الأكسجين في القلب العدائي للنظام الجزائري ضد الوحدة الترابية للمغرب. وهو ايضا موقف تحتاج إليه الدول التي تقف في المنطقة الرمادية، ولها مصلحة في الإقليم المغاربي، وتحديدا فرنسا التي تلعب على اكثر من حبل، والتي ختم رئيسها ماكرون زيارته إلى الجزائر قبل ساعات.
فعلها ثعالب العسكر بالتيس عفوا بقيس، وألزموه بالاصطفاف إلى جانبهم، وقبل أن يقيد النظام الحزائري رئيس تونس كان هو أول من قيد نفسه بأفكاره الخاطئة ومواقفه التي تفتقر الى الحنكة والتجربة، فهو على كل حال “قيس لابس كيس”، وظهر به مبتهجا في القمة اليابانية الإفريقية الثامنة التي لا تسمن ولا تغني من جوع لا إفريقيا ولا اليابان.
طابت أوقاتكم

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar