أطلانتيس..رحلة إلى أغرب التكوينات الجيولوجية في المدينة المفقودة

لطالما داعبت كلمة “أطلانتس” خيالنا كاسم أطلق على ما يحكى أنه حضارة مفقودة، وتناولتها العديد من أفلام السينما والأفلام الوثائقية وغيرها.

وفي عام 2000، اكتشفت مجموعة من العلماء كانوا في رحلة استكشافية على متن سفينة الأبحاث “أطلانتس” حقلا لهياكل التنفيس الحراري المائي (hydrothermal vents)، وهي الهياكل التي تنتشر في بحار العالم ومحيطاته عند الفواصل بين صفائح القشرة الأرضية، ويعرف منها حتى الآن حوالي 500 حقل.

وقد صُنف حقل المدينة المفقودة بأنه الأطول عمرا بين بيئات التنفيس الحرارية المعروفة في محيطات العالم، مع نشاط مستمر لما لا يقل عن 120 ألف عام. ونظرا لأنه يقع على هضبة أطلانتس، سُمي الموقع باسم “المدينة المفقودة” (Lost City) نسبة إلى مدينة أطلانتس المفقودة.

ومنذ اكتشافه، تبنت جامعة واشنطن دراسته ضمن مشروع بحثي كبير يشارك فيه باحثون من تخصصات مختلفة، ويهدف إلى استكشاف تفصيلي للحقل والبيئة المحيطة به.

تقع المدينة المفقودة على بعد 20 كلم غرب سلسلة مرتفعات وسط المحيط الأطلسي، داخل هضبة أطلانتس (Atlantis Massif)، فوق جبل يبلغ ارتفاعه أكثر من 4267.20 مترا عن قاع البحر، هناك حيث تسيطر ظروف قاسية تختلف عن باقي البيئة البحرية من حيث درجة الحرارة ودرجة الحموضة على حد سواء.

عادة ما يتم التعبير عن درجة حموضة السوائل من خلال قيمة الأس الهيدروجيني (pH)، فإما أن يكون السائل حمضيا أو معتدلا أو قلويا. فحين يزيد الأس الهيدروجيني على 7 يعتبر السائل قلويا، ووفقا لهذا المقياس، اكتشف الباحثون أن الأس الهيدروجيني في نفق التنفيس الحراري للمدينة المفقودة تتراوح ما بين 9 و11، أي أنه ذو بيئة قلوية، كما تزيد درجة الحرارة على 90 درجة مئوية.

وينتج عن تفاعلات الصخور السائلة مع الصخور فوق القاعية هناك سوائل قلوية بتركيزات عالية من الهيدروجين والميثان وغيرها من الهيدروكربونات المنخفضة الوزن الجزيئي، وبدورها تدعم هذه الغازات المذابة مجتمعات ميكروبية جديدة تعيش في الفتحات هناك.

على مر آلاف السنين، تطلق سوائل التنفيس من المدينة المفقودة الغازات (مثل الميثان والهيدروجين) وبعض المواد الكيميائية (مثل الكالسيوم وبعض المعادن النادرة) في مياه المحيط، لتساهم بالمواد الكيميائية والغازات والطاقة في الأنظمة المحيطة بها، وتحافظ بدورها على توازن بيئتنا لملايين السنين.

وهكذا يجد الباحثون أن من الصعب القول إن مداخن التنفيس تلك تلوث المحيط، وذلك نظرا لأن الميثان والهيدروجين ضروريان لبقاء الكائنات الحية الدقيقة التي تعيش في الفتحات.

من يسكن في الحقل الحراري للمدينة المفقودة؟

ترتص هياكل كربونات التنفيس النشطة التي تعرف باسم “بوسيدون” (Poseidon) بارتفاع يزيد على 60 مترا فوق قاع البحر، على الحقل الحراري في المدينة المفقودة. ويتكون هذا الهيكل المركب من 4 أعمدة كبيرة يبلغ قطرها عدة أمتار، تلتحم عند قاعدتها لتشكل هيكلا ضخما يمتد بين الشرق والغرب على الأقل مسافة 50 مترا. وتنتشر تلك الهياكل الطفيلية التي تشبه هوابط الكهوف المقلوبة على الوجه الشمالي الغربي.

وتحتوي المناطق الداخلية الخالية من الأكسجين في هياكل التنفيس على أغشية حيوية لنوع واحد من العتائق يسمى “ميثانوسارسيناليس” (Lost City Methanoscarcinales)، وهو نوع يستخدم الميثان في عملية التمثيل الغذائي، كما توجد البكتيريا المرتبطة بمؤكسدات غاز الميثان والكبريت في الغالب في الجدران الخارجية المؤكسجة للهياكل، حيث تختلف كيمياء السوائل بشكل كبير عن الأجزاء الداخلية للهيكل.

ويوفر السطح الكبير لهياكل المدينة المفقودة مساحة واسعة لموائل الحيوانات البحرية، وقد عثر الباحثون على العديد من اللافقاريات داخل القنوات المسامية والشقوق الكربونية. وعلى الرغم من أن الكتلة الحيوية الإجمالية منخفضة داخل الحقل، فإنه يدعم تنوعا بيولوجيا كبيرا مثل أي نظام هيكل آخر من الفتحات البركانية الموجودة تحت الماء وسط المحيط الأطلسي.

دعوة للمشاركة

الطريف في الأمر، أن موقع لوست سيتي ريسرتش (Lost City Research) يوجه دعوة للانضمام إلى بعثاته على متن سفينة الأبحاث أطلانتس إلى حقل المدينة المفقودة الحراري الموجود على سلسلة جبال وسط المحيط الأطلسي (Mid-Atlantic Ridge).

وقالوا إنه “باستخدام الغاطسة ألفين (Alvin)، والمركبة إيه بي إي (ABE) التي يتم تشغيلها عن بعد، سوف نستكشف بالتفصيل لأول مرة حقل تنفيس المدينة المفقودة الذي تم اكتشافه في ديسمبر 2000. وخلال هذه الرحلة، سوف نشارككم صور أعماق البحار والاكتشافات الجديدة التي نقوم بها بينما نعيد زيارة هذا المكان الرائع، حيث ترتفع الهياكل المكونة من الحجر الجيري 55 مترا فوق قاع البحر”.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar