ذكرى هجمات 11 سبتمبر.. خبراء أميركيون يفككون واقع “مكافحة الإرهاب”

يعتقد بعض الخبراء أن تكريس الولايات المتحدة كل مواردها لمكافحة “الإرهاب” جعل روسيا والصين قادرتين على مفاجأتها مرارا في السنوات الأخيرة، ولا سيما لندرة ضباط الاستخبارات الإستراتيجيين.

رغم تراجع التهديد الذي يشكله “الإرهاب الدولي” طوال العقدين الماضيين، فإنه لا يزال مصدر قلق كبير في أذهان 58% من الأميركيين، مقارنة بالتهديدات الدولية الأخرى.

ومع حلول الذكرى السنوية الـ21 لهجمات 11 سبتمبر 2001، وجد استطلاع للرأي أجراه مجلس شيكاغو للعلاقات الخارجية على 3106 أميركيين -خلال النصف الثاني من يوليو 2022- أن انخفاض مستوى قلقهم مما يسمى “الإرهاب الخارجي” هو الأدنى خلال العقدين الأخيرين بعدما وصل عام 2002 أعلى مستوياته عندما عبّر 90% منهم عن خوفهم من هذا “التهديد”.

وفي ما يلي تصريحات لعدد من كبار الخبراء الأمنيين ومسؤولي الاستخبارات السابقين حول ما شهدته واتخذته الولايات المتحدة من إجراءات وسياسات على مدار الـ21 عاما الماضية، لتدفع الأميركيين للاعتقاد بأنهم أكثر أمانا أمام ما تصفها بمخاطر “الإرهاب الدولي”.
هذه التصريحات، تطرقت  لتبعات الانسحاب من أفغانستان ومعركة الأفكار مع الجماعات المصنّفة أميركيا بـ”الإرهابية”، إضافة إلى تداعيات دعم إدارات واشنطن المتعاقبة للأنظمة “المستبدّة” في العالم العربي على جهودها في ما تسميه “مكافحة الإرهاب العالمي”.

بروس رايدل مدير مشروع الاستخبارات بمعهد بروكينغز في واشنطن

كان رايدل في غرفة العمليات في البيت الأبيض يوم 11 سبتمبر 2001، فكان حينها مساعدا خاصا للرئيس جورج بوش لشؤون الشرق الأدنى وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي.
وعمل رايدل لمدة 30 عاما في وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” (CIA) إلى أن تقاعد عام 2006. وخدم خلال تلك السنوات في عدة دول عربية وباكستان، كما كان مستشارا لشؤون جنوب آسيا والشرق الأوسط لـ4 رؤساء أميركيين (جورج بوش الأب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما)، وعمل مستشارا لشؤون “الإرهاب الدولي” في حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) في بروكسل.
وقال رايدل، حسب ما أورده موقع  الجزيرة نت اليوم الاحد، إن بلاده أكثر أمانا بكثير مما كانت عليه قبل وقوع هجمات 11 سبتمبر2011، فالبنية التحتية الأميركية “لمكافحة الإرهاب” أقوى وأكثر تكاملا بكثير مما كانت عليه قبل 21 عاما. وينطبق الوضع نفسه على قدرات حلفائها في هذا الصدد، “قدراتنا جميعا تطورت بشدة”.

وأشار رايدل إلى أن ما وصفه بـ”الانسحاب الكارثي” من أفغانستان ترك هذه الدولة أمام فرصة لتجديد تحالف طالبان مع تنظيم القاعدة، وبدا ذلك واضحا في حالة وجود زعيم التنظيم أيمن الظواهري في كابل قبل تصفيته على أيدي الاستخبارات الأميركية، وأضاف “لحسن الحظ، فإن قوة وقدرات تنظيم القاعدة تضاءلت كثيرا، ولكن الخطر حقيقي”.

وعن حرب الأفكار مع هذه التنظيمات، رأى رايدل أن المعركة الفكرية والأيديولوجية لم تحسم حتى اليوم، وستستمر “لأن العديد من المسلمين يعتقدون أنهم يتعرضون لهجوم من إسرائيل وأميركا. كما أن الفشل في تحقيق العدالة للفلسطينيين هو صرخة حشد رئيسية للتطرف”. وهذا -باعتقاده- ما أدى بالأساس إلى “تطرّف” أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
وأشار إلى أن هناك “ارتباطا أميركيا مباشرا وكبيرا مع النظم الدكتاتورية، ويدفع ذلك العديد من المسلمين للانضمام إلى الصراع ضد أميركا”.

إيريك دال ضابط الاستخبارات السابق وعضو هيئة التدريس في كلية الدراسات العليا البحرية التابعة للبنتاغون

انضم دال إلى هيئة التدريس في قسم شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية عام 2008، وتركزت أبحاثه على مجال “مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي”. تقاعد دال من القوات البحرية عام 2002 بعد أن خدم 21 عاما ضابط استخبارات بها.
ويرى أن الولايات المتحدة أكثر أمانا اليوم مما وصفها بـ”تهديدات الشبكات الإرهابية الأجنبية”، مقارنة بما كانت عليه قبل عقدين من الزمان. لكنه قال إن جماعات “مثل القاعدة وداعش وغيرها لا تزال تشكل تهديدا، ومن المهم ألا نشعر بالرضا عن أنفسنا بصورة كبيرة”.

 وأشار دال إلى أن إنهاء التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان فتح الباب أمام “بعض المخاطر المتزايدة من أفغانستان على وجه الخصوص؛ إذ يمكن أن تصبح مرة أخرى ملاذا آمنا لما سماها “الجماعات الإرهابية”.

يقول دال “يمكن النظر إلى مقتل زعيم تنظيم القاعدة الظواهري بطائرة بدون طيار في كابل -يوليو/تموز الماضي- من جهتين: أولاهما أنه مؤشر على أن التهديد من تنظيم القاعدة لا يزال قائما، ولكنه أيضا علامة على أن مؤسسة الأمن القومي الأميركية لا تزال تحتفظ بالقدرة على مكافحة الإرهاب رغم عدم وجود قوات على الأرض”.
وعن فشل الولايات المتحدة في الانتصار في معركة الأفكار بعد 21 عاما على “هجمات سبتمبر”، يقول دال “لسوء الحظ، الإرهاب مشكلة مزمنة لا يمكن إلا إدارتها والتعامل معها، وليس القضاء عليه أبدا”.
وبرأيه، معارك الأفكار مستمرة منذ بدء الخليقة، ولكن المختلف اليوم هو “الأفكار المتطرفة” التي يمكن أن تنتشر في جميع أنحاء العالم على الفور بسبب التكنولوجيا، وهذا يعني أن الصراع معها “يمكن أن يحدث في منازلنا ومجتمعاتنا، وليس في بلد أجنبي”.

البروفيسور جوناثان أكوف من قسم دراسات الاستخبارات والأمن القومي بجامعة كارولينا الساحلية

عمل أكوف في السابق محللا عسكريا في المكتب الوطني للبحوث الآسيوية، كما خدم ضابط احتياط في القوات البرية الأميركية لعدة سنوات. وتشمل اهتماماته البحثية تحليل الأعمال الاستخباراتية والإستراتيجية، ودراسة العقائد العسكرية والثورات وفشل الدول.
يقول أكوف “نعم، الولايات المتحدة أكثر أمانا من الهجمات التي تقوم بها تنظيمات توجد خارج الولايات المتحدة، ولدينا آلية أفضل اليوم للتحذير من وقوع هذا النوع من الهجمات. ورغم ذلك، فإنه لا تزال هذه الهجمات ممكنة، فمن المستحيل في الأساس القضاء على كل هذا التهديد، لأنه إذا جاز لي أن أكرر كلمات البروفيسور ريتشارد بيتس من جامعة كولومبيا، فإن الهجمات المفاجئة أمر لا مفر منه”.

وأشار أكوف إلى أن إنهاء “التدخل العسكري” الأميركي في العراق وأفغانستان أثر على سياسة واشنطن “لمكافحة الإرهاب العالمي”. وذكر أن “مجتمع الاستخبارات الأميركي عمل على إبطاء سحب قدراته في مجال مكافحة الإرهاب منذ عدة سنوات حتى الآن. لكن رحيل الولايات المتحدة عن أفغانستان جعل هذا التحول يبدو مفاجئا”. ولسنوات، يقول أكوف “تم تسريح مئات المتعاقدين الذين يحملون تصاريح سرية للغاية، إذ اعتبرت خدماتهم غير ضرورية مع تراجع الهجمات على القوات الأميركية والدبلوماسيين وعمال الإغاثة في أفغانستان”.

ولأن “واشنطن كرّست الكثير من الموارد لمكافحة الإرهاب”، يعتقد الخبير أكوف أن أحد الأسباب التي جعلت روسيا والصين قادرتين على مفاجأة الولايات المتحدة مرارا في السنوات الأخيرة يرجع إلى ندرة ضباط الاستخبارات الإستراتيجيين، و”تحول وكالة المخابرات المركزية إلى منظمة تعتمد على سلاح الطائرات بدون طيار”.

وعن معركة الأفكار التي لم تنتصر فيها الولايات المتحدة مع تجدد التنظيمات وانتشارها بطرق مبتكرة، قال أكوف “لو أن الولايات المتحدة وحلفاءها خاضوا معركة أفكار بإخلاص أكبر، لربما كان من الممكن إحراز المزيد من التقدم في هذا الصدد”.
ويضيف أن “عديدا من مظالم الناس المعرضين لأنظمة المعتقدات الإرهابية لم تتم معالجتها، ولسوء الحظ، لن يتم هذا، وهي مظالم تتراوح من الدعم الأميركي المستمر للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط إلى الجهود التي تبذلها شركات النفط الأميركية لمحاولة السيطرة على مصادر الطاقة والأسواق الأجنبية”.

وفي معركة الأفكار أيضا، يقول أكوف إنه بدرجة أقل “هناك بعض الادعاءات الأساسية غير المتوافقة التي قدمها المتطرفون في ما يتعلق بالحياة الحديثة، التي لا يمكن معالجتها تحت أي ظرف، بما في ذلك معاملة المرأة ودور الدين في المجتمعات الحديثة. ورغم أن مثل هذه الاختلافات قد تمت المبالغة فيها بشكل كبير من قبل العديد من الأكاديميين والمعلقين الأميركيين، فإنها مهمة إلى حد ما”.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar