القمة العربية بالجزائر…نقعٌ وغبارٌ وجَعْجَعَةٌ ولا أثر للطحين

قرر نظام العسكر الجزائري، تحت ضغط أعضاء جامعة الدول العربية وانسجاما مع تقاليد وأعراف هذه الأخيرة، دعوة المغرب اسوة بباقي الدول العربية لحضور القمة المحتمل انعقادها في 1 و2 نونبر المقبل بكوريا الشرقية.

وبغض النظر عن مستوى المبعوث الذي كُلف بإبلاغ الدعوة للمغرب-وزير العدل وحافظ أختام نظام العسكر- وقبول او عدم قبول الدعوة، وكذا مسار رحلة المبعوث بالطائرة: هل سيأتي مباشرة من الجزائر رغم أن نظامها أغلق الأجواء مع المغرب، أم سيأتي عن طريق تونس او يستأجر طائرة أجنبية، ونفس السؤال يطرح بشأن كيفية  انتقال الوفد المغربي، إن قُبلت دعوة المشاركة…(بغض النظر عن هذه الحيثيات)، فإن الأهم اليوم هو معرفة الرهانات والأسئلة المطروحة على أجندة القمة إن هي عقدت أساسا،  وماذا ينتظر “العرب” منها، بعد ان صار همّ نظام العسكر حلمهم الوحيد والأوحد هو عقد القمة لا غير…

لا بد من الإشارة بدءا بأن قرار انعقاد القمة العربية بالجزائر، لم يأت بسبب وزن الجزائر أو تأثيرها أو قوة دبلوماسيتها كما يحاول أبواق الكابرانات إيهام الرأي العام بذلك-الجزائري أساسا لان كل العالم يعرف طبيعة وطينة الطغمة العسكرية المتحكمة في البلاد- لأن تكليف كوريا الشرقية بإيواء القمة يرجع أساسا وبشكل حصري إلى مسألة تتعلق بالأبجدية العربية لا غير، إذ ان هذه الأخيرة وكما يعلم الجميع تبدأ بالحروف أ، ب، ت، ث، ج..إلخ.

وبما أن آخر قمة كانت قد عقدت بتونس سنة 2019، فإن القمة التالية لها يجب أن تنعقد بدولة تبدأ بالحرف الذي يتبع حرف “التاء” ومادامت ليس هناك دولة يبدأ اسمها بحرف “الثاء” فإن الجزائر التي تبدأ بالحرف الموالي، أي “جيم”،(وبعدها سيأتي دور جمهورية جيبوتي لأن اسم الجزائر به حرف “الزاي” بعد “الجيم” وهو أسبق أبجديا على حرف “الياء” بعد “الجيم” في اسم دولة جيبوتي)، هي التي ستستضيف حصرا القمة، وهو ما تقرر لولا أن جائحة كوفيد-19 حالت دون انعقادها سنتيْ 2020 و 2021، ليتقرر تأجيلها بعد ذلك عن موعدها القار(شهر مارس) لأسباب ترتبط أساسا بنظام العسكر الجزائري ومخططاته ورهاناته الخبيثة.

انعقاد هذه القمة ليس انتصارا للجزائر ولا دليلا على العودة القوية لدبلوماسيتها كما تحاول الطغمة العسكرية  أن تسوق لذلك. نظام العسكر وعندما اقتنع ان الدول العربية لا تأبه بهذه القمة حاول الرفع من منسوب الشعارات الفارغة المدغدغة لعواطف الجماهير العربية من خلال الادعاء بان القمة ستكون مناسبة لنصرة القضية الفلسطينية ومصالحة الفصائل الفلسطينية، وعودة سوريا إلى حضنها العربي ومحاولة رأب الصدع العربي وجمع شمل العرب، إلى غير ذلك من الشعارات التي تهدف إلى تلميع صورة الكابرانات والتودد للجزائريين، الذين انتفضوا منذ فبراير 2019 من خلال حراك شعبي عارم مصرّ على اقتلاع جذور الشرّ التي عصفت بالبلاد وبددت ثرواتها في قضايا لا علاقة لها بمصالح الشعب وأوضاعه، كما هو الشأن لدعم الطغمة العسكرية وإيواء وتسليح ميليشيات البوليساريو الإنفصالية بهدف تمزيق أوصال المغرب، والمس بوحدته الترابية، فضلا عن الاستمرار في تنفيذ مخططات المستعمر البغيضة ورعاية التنظيمات الإرهابية بالمنطقة وفي الساحل جنوب الصحراء وفتح الأبواب والنوافذ لمرتزقة فاغنر وعناصر حزب الله ومخابرات نظام الملالي ليعيثوا فسادا في الفضاء المغاربي والساحلي…

  إلا أن مواقف الدول العربية الحازمة وقفت دون أحلام الكابرانات، وهو ما جعلهم يتراجعون عن إقحام سوريا في جدول أعمال القمة ويقبلون باستدعاء المغرب وإرسال مبعوث لتسليم الدعوة للمملكة قصد حضور القمة، وهم مستعدون أكثر من أي وقت مضى للرضوخ والتنازل عن شعاراتهم الجوفاء في سبيل هدف واحد وأوحد: مجردّ عقد القمة بالجزائر…

إلا أن عقد القمة ليس مؤكدا، على الأقل اليوم، لأن ما يجري في الواقع وكل المؤشرات الموضوعية يناقض الشعارات والتصريحات وكل الأخبار التي يتم التطبيل له عبر الأبواق الدعائية لنظام العسكر، ويكفي الإشارة هنا إلى توريط ديكتاتور تونس الصغير قيس سعيد في حادث استقبال زعيم الانفصاليين إبراهيم غالي خلال قمة تيكاد-8، وكذا دعم نظام العسكر الجزائري لإثيوبيا في ملف سد النهضة، ضدا على مصر، من خلال حضور الرئيسة الإثيوبية في احتفالات تخليد الذكرى 60 لتسليم  فرنسا مقاليد تسيير شؤون مقاطعتها في شمال إفريقيا للكابرانات، واستقبال رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، يومي 28 و29 غشت المنصرم، وهو ما زاد في تعكير صفو العلاقات بين الجزائر والقاهرة، ومما زاد الطين بلة إقدام ممثل العسكر الدبلوماسي رمطان لعمامرة على تسليم دعوة حضور القمة العربية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ابو مازن، قبل تسليمها للرئيس المصري محمد السيسي، وذلك خلال قمة القاهرة لوزراء خارجية الدول العربية، وهو غباء سياسي وسقطة دبلوماسية تكشف مدى جهل نظام الكابرانات بأصول البروتوكول ومبادئه وتقاليده كما هو متعارف عليها دوليا…

ولا يمكن الحديث عن انعقاد قمة عربية في الجزائر، دون ذكر عداء هذه الأخيرة للمغرب ومواصلة نظام العسكر لسياسته المرضية ومخططاته الخبيثة الماسة بوحدة المغرب الترابية عبر رعاية وإيواء وتسليح جماعة انفصالية تستهدف الأراضي المغربية انطلاقا من الجزائر، وتدعو إلى اقتراف عمليات إرهابية داخل الأراضي المغربية، وهو ما يتنافى ولا يستقيم مع الشعارات التي ترفعها الطغمة العسكرية وتجعلها عنوانا لـ”قمتها” المحتملة من خلال الدعوة إلى “توحيد الصف العربي” و”التعاون العربي” و”لمّ الشمل العربي” وما إلى ذلك من فقاعات إعلامية ومزاعم وادعاءات لا تستند إلى الواقع وتدحضها مواقف وسلوكيات الكابرانات اليومية …

كيف لطغمة عسكرية، أن تدعي السعي للتقارب والتضامن العربيين، وهي التي ما فتئت تسعى إلى تقسيم المغرب ولا تترك فرصة تمر دون ان تؤكد نواياها العدائية وعقيدتها المرضية التي تجعل من المملكة عدوها الوهمي المستدام.

سؤال انعقاد او عدم انعقاد القمة العربية بالجزائر لم يعد مثار اهتمام المتتبعين والمختصين منذ مدة، إذ ما يهم اليوم هو الرهانات المعقودة عليها، وكيف يمكن لقمة ان تنجح في ظل عداء مرضي مستمر للدولة المستضيفة تجاه جارها الذي لم يسجل التاريخ ان كان يوما مصدر خطر لها، بل إن “استقلالها” وأساس وجودها  كان بفضل المغاربة الذين ضحوا بالغالي والنفيس من اجل الثورة الجزائرية وكانوا سندا لإخوانهم وعضدا لهم في الأزمات وحاربوا إلى جانبه؛ وكل من يقرأ التاريخ سيقف على هذه الحقائق بعيدا عن محاولات التزوير والتحريف التي يقوم بها نظام العسكر ويحاول تغليط الشعب الجزائري الذي لن يبقى لا محالة مغفلا إلى الأبد…

ما يقوم به نظام العسكر الجزائري يذكرنا بالمثل العربي الشهير الذي يقول : “أسمَعُ جعجعةً ولا أَرى طِحناً”. وفي هذا الإطار قيل إنه “حين لا نجد الطحن نبحث عن الجعجعة وعندما لا يَجدُ صاحب الطاحونـة قمحاً لطحنـه، وعندمـا يملُّ العمال، أو يرغبون فـي الإحساس بأنهم يُنجزون رغـم عـدم وجـود القمح، أو عندما يتقاعسون ويتكاسلون عن حمل أكياس القمـح ووضعها في الطاحونة، أو عندما يرغبون بإقناع الناس بأهميتهم وعظمة إنجازاتهم، فإنهم يتركـون رحاها تدور لتجعجع.. وتجعجع .. دون أن تطحن، فتبعثُ في نفوسهم، وربما في نفوس من حولهم، إحساساً بأن عملية الإنتاج والإنجاز مستمرة، وأن الطحين النافع بين أيديهم، فالجعجعة بالنسبة إليهم تعني الطحن.”

ذاك هو شأن كابرانات فرنسا الذين يجعجعون دون طحن، لإيهام الرأي العام بأهميتهم وبضرورتهم الوجودية لاستمرار “دولة المليون ونصف المليون شهيد”، او “5 مليون و630 ألف شهيد” ! كما جاء على لسان تبون العسكر ذات نباح…

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar