فضيحة “فارم غيت”.. تضييق الخناق على رئيس جنوب فريقيا

يبدو أن الخناق يضيق أكثر فأكثر حول رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، المتهم بإخفاء سرقة ملايين الدولارات من العملة الصعبة من ضيعيته في فالا فالا. بالإضافة إلى فتح وسيط الجمهورية لتحقيق في التهم الجنائية الموجهة للرئيس رامافوزا من طرف الرئيس السابق لوكالة أمن الدولة آرثر فريزر عقب شكاية تقدم بها حزب سياسي ، أحدث البرلمان، تحت ضغط المعارضة، لجنة للانكباب على هذه القضية التي طفت على المشهد السياسي للبلاد.

 ووفقا لشكاية تقدم بها رئيس المخابرات الجنوب إفريقية السابق آرثر فريزر، اقتحم لصوص عقارا في ملكية رئيس الدولة في فبراير 2020 ، حيث سرقوا ملايين الدولارات نقدا.

 وتتهم الشكاية رامافوزا بإخفاء السرقة عن الشرطة والأموال عن مصلحة الضرائب، والترتيب لاختطاف اللصوص واستجوابهم، ثم رشوتهم للالتزام الصمت. وهكذا، سيتم اختبار أحكام البرلمان لأول مرة بشأن إقالة رئيس الجمهورية، حيث تشرع المؤسسة التشريعية في عملية لتحديد ما إذا كان هناك ما يبرر اقتراح عزل رامافوزا.

اعتمدت الأحكام الجديدة بشأن عزل الرئيس بموجب المادة 89 من الدستور في نونبر 2018 بعد أن قضت المحكمة الدستورية في عام 2017 بضرورة أن تضع الجمعية الوطنية إجراءات لإنفاذ هذه المادة من القانون الأعلى.

تنص مادة الدستور على أنه يجوز للجمعية الوطنية إقالة الرئيس بسبب انتهاك خطير للدستور أو القانون أو خطأ جسيم أو عدم قدرته على أداء واجباته. وشكلت هذه الاقتراحات في السابق موضوع نقاش في مجلس النواب ولم يتم التعامل معها بشكل مختلف عن اقتراح الرقابة المنصوص عليه في المادة 102 من الدستور.

 وتعليقا على هذه الاشكالية، يرى المحلل السياسي لوخونا منغيني أن الامر يتعلق بتطور مهم، لأنه بغض النظر عن التصويت النهائي، فإن الشيء الأهم هو إتاحة فرصة لمحاسبة الرئيس، مسجلا أن “هذا يمثل تطورا جديدا في إطار مساءلة المشرع في جنوب إفريقيا. إذ أصبح لدينا فجأة إطار عمل متين لتفعيل المادة 89 “. ويشير البعض إلى أن قضية “فارم غيت” تشكل اختبارا ذا دلالة للبرلمان في ما يتعلق بما إذا كان مستعدا للتدخل للتعامل مع القضايا التي يتورط فيها كبار مسؤولي الدولة، ولا سيما موقف نواب المؤتمر الوطني الإفريقي ، الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا.

 واعتبروا أن الملتمس قد تم اختباره فعلا ،إذ استوفى المعايير وأحيل على لجنة مستقلة، على عكس الماضي حيث تم التحايل على القرارات في بعض الأحيان لأن الاقتراح كان غير مرغوب فيه سياسيا ، لكنه يعد أيضا تغييرا مهما.

 وهكذا، ستجري اللجنة المستقلة تقييما أوليا للاقتراح في غضون 30 يوما من ترشيحه ويتعين عليها إشعار رئيس الجمعية الوطنية، نوسيفيوي مابيزا-نكاكولا، إذا توفر دليل كاف لإثبات أن رامافوزا قد ارتكب أحد الانتهاكات المحددة في اقتراح سحب الثقة وما إذا كان ينبغي على لجنة مكونة من عدة أحزاب مباشرة التحقيق. يعتقد محللون آخرون أنه نظرا لأن رامافوزا كان مترددا في الإبلاغ عن هذه المسألة ، فقد خلق شعورا لدى العموم بأنه وراء القضية أمور أخرى لا تظهر للعيان . كما يرون أن التحقيقات التي يجريها المدافع العام والمديرية المستقلة للتحقيقات الأمنية لن تترك مجالا يذكر للمناورة للبرلمان ، الذي سيتعين عليه بالتالي أن يأخذ عملها التحقيقي على محمل الجد.

وللضغط على الرئيس ومحاسبته على “جريمته المزعومة” ، ولما لا ، إجباره على الاستقالة ، نظمت عدة أحزاب سياسية معارضة ومنظمات غير حكومية جنوب إفريقية ، يوم الجمعة الماضي في بريتوريا ، اعتصاما للمطالبة بنشر استنتاجات التحقيق الذي أجرته مؤسسة وسيط الجمهورية بشأن التهم الجنائية الموجهة ضد رامافوزا.

وقال نائب رئيس حزب الحركة الديمقراطية المتحدة نكابايومزي كوانكوا إن “الهدف من الاعتصام هو زيادة الوعي العام بهذه القضية والضغط على وسيط الجمهورية بالنيابة لنشر التقرير فورا”. في سباق مع الزمن لـ “تصحيح الأمور” ، سيعود رئيس جنوب إفريقيا إلى البرلمان في نهاية شتنبر للرد على التهم الجنائية الموجهة إليه. وقال رئيس البرلمان نوسيفوي مابيزا-نكاكولا إن “الرئيس صرح بأن بمقدوره الرد على الأسئلة العالقة في 29 شتنبر ” بعد ضغط من أحزاب المعارضة لاستدعاء رئيس الدولة للإدلاء بشهادته.

وكان رامافوزا قد مثل أمام الجمعية الوطنية في أواخر غشت الماضي، لكن نواب المعارضة أعربوا عن إحباطهم من إقدام الرئيس على “الهروب الى الامام” ، واعتبروا أنه تعمد التهرب من الإجابة على أسئلتهم.

 في غشت الماضي، وافقت الجمعية الوطنية على طلب إجراء تحقيق بشأن مزاعم بأن رامافوزا انتهك قانون منع الجريمة المنظمة من خلال التستر على السرقة في ضيعته في مقاطعة ليمبوبو (شمال). واقترحت أحزاب المعارضة 17 ملفا على اللجنة البرلمانية المستقلة للتحقيق في القضية ، كما أعلنت قرارها تقديم اقتراح بسحب الثقة من البرلمان ضد الرئيس. انتكاسة أخرى لرامافوزا بعد قرار محكمة كيب الغربية العليا باعتبار تعليق عمل المدافع العام، بوسيسيوي مخويباني، باطلا .

 وفي منعطف تحول رئيسي، قضت المحكمة العليا بأنه كان من المعقول اعتبار أن تعليق مخويباني جاء نتيجة تحقيقه في عملية السطو على ضيعة الرئيس فالا فالا عام 2020. في الأسابيع التي سبقت تعليق عمله، طلبت من الرئيس رامافوزا الإجابة على 31 سؤالا تتعلق بالتستر على سرقة ملايين الدولارات من العملة الأجنبية من ضيعته الخاصة.

لكن على الرغم من ضغوط الشارع والمنظمات غير الحكومية وأحزاب المعارضة ، يبدو من الواضح أن الرئيس ليست له أي نية لمحاسبته على تهمه الجنائية. وكدليل على ذلك ، لم يرد بعد على البرلمان وبنك الاحتياط ، حيث اختار مكتب المدافع العام عدم نشر التقرير عن فضيحة “فارم غيت”.

باستثناء اقتراب المؤتمر الوطني الانتخابي لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي، المقرر عقده في دجنبر 2022 ، يمكن لهذه القضية أن تتخذ منعطفا آخر وقد يضطر رامافوزا إلى الاستقالة كما فعل سلفه جاكوب زوما في دجنبر 2017 ، لتورطه المزعوم في قضايا فساد.

ويرى العديد من المحللين، أن الغضب الحالي حول قضية “فارم غيت” له صلة بالمعارك بين فصائل الحزب الحاكم. ويدرك “خصوم” رامافوزا أنه إذا تم توجيه الاتهام إليه، فلن يتمكن بالتالي من الترشح لولاية ثانية كرئيس لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي في دجنبر المقبل. في انتظار طي الملف ، يبدو أن مواطني جنوب إفريقيا يعتريهم الاندهاش بالمواجهة القائمة بين المعارضة وسيريل رامافوزا بشأن هذه التهم الجنائية. إذ يطالبون رئيسهم بأن يعترف بالحقيقة الكاملة حول “فارم غيت”.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar