بوعشرين يورط العدالة والتنمية في موقف يعلن موت مشروع الحكم الذاتي؟


محمد الفيلالي

 

كتب توفيق بوعشرين في افتتاحية جريدته "أخبار اليوم"، أول أمس الأربعاء 25 يناير 2017، بناها على مقال صادر في الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز. وما أثار الانتباه في الافتتاحية قوله إن " التسوية السياسية توقفت منذ سنوات وأن الأمم المتحدة تدير النزاع ولا تحله وأن مقترح الحكم الذاتي مات".

 

هذا الانزلاق اللفظي في افتتاحية مليئة بالتناقضات الذي يخلص إلى أن مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية مات،  ويسترسل بأن المغرب لم يفز بقلوب الصحراويين وحثهم على العودة إلى بلدهم، ينطوي على مغالطتين لا يمكن لكل متتبع، فأحرى لكل مغربي مؤمن بعدالة القضية الوطنية وبضرورة الدفاع عنها بنفس طويل وكيفما كان الثمن، أن ينجر إليهما. ذلك أن المغرب مازال متشبثا بمشروعه لحل النزاع المفتعل من طرف الجيران بحسابات إقليمية قديمة أكل عليها الدهر وشرب، ويواصل عمله الديبلوماسي والسياسي لإنجاحه عبر توسيع دائرة القناعة به دوليا، ما دام الأمر يتعلق في النهاية بتأكيد الوحدة الترابية للبلاد بالشرعية الدولية وإنهاء مناورات الخصوم وكذبهم.

 

 فالمغرب يعتبر مشروعه واحدا من نقط قوة موقفه وهو يعود إلى الاتحاد الإفريقي الآن  بعد أن ارتفع عدد البلدان الإفريقية المساندة له والتي عبرت عن موقفها بالمطالبة بوقف عضوية الجمهورية الوهمية في المنظمة القارية، ويحظى المشروع المغربي بدعم واضح من طرف قوى عظمى اعتبرته جديا وذي مصداقية في مجلس الأمن وفي مواقف منفردة ومن طرف عدد كبير من دول العالم التي وعت اللعبة الجزائرية وفهمت الدور الذي يلعبه الإنفصاليون في خدمة أجندة ترغب في إدامة نزاع لا أفق لحله إلا بالتفاوض المؤدي إلى تجاوز الطرح الانفصالي الذي فشل فشلا نهائيا، أما المغالطة الثانية فهي قوله بان المغرب لم يفز بقلوب الصحراويين لأن هذا القول ينطوي على اعتراف للانفصاليين بتمثيلية الصحراويين وهو ما يجافي الحقيقة لان اغلب المنحدرين من الأقاليم الجنوبية للملكة مندمجين في وطنهم ومقتنعين بانتمائهم المغربي والأقلية فقط هي التي تقيم في تندوف في وضعية احتجاز من طرف النظام الجزائري.

 

حكم بوعشرين على مشروع الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية بالموت وفي هذا التوقيت بالذات الذي يخوض فيه المغرب معركة استرجاع مكانته في قارته ومنظمتها وفي قلبها معركة الدفاع عن وحدة ترابه الوطني وإفشال المواقف المناهضة له التي تستعمل الاتحاد الإفريقي أداة ومنصة، يساءل حزب العدالة والتنمية الذي صارت "أخبار اليوم" لسانه وصارت افتتاحية بوعشرين ناقلة مواقفه وردود فعله من قضايا البلاد وتطوراتها السياسية، وهل  وصل إلى قناعة وموقف معارض للمشروع الذي يدخل، كما هو معروف، في إطار مخطط شامل للجهوية المتقدمة تم  التوافق عليه في إطار لجنة وطنية والذي يوجد في موقع  مركزي في خطة عمله الدبلوماسي إفريقيا ودوليا ويرتبط بما هو مصيري بالنسبة للبلاد وللشعب المغربي.

 

كما يساءل هذا الحكم الصادر عمن يعتبر في منظور الجميع اليوم الناطق الرسمي باسم العدالة والتنمية، رئيس الحزب والحكومة المغربية بنكيران كما يساءل العثماني، الذي كان وزيرا للخارجية في النسخة الأولى للحكومة المنتهية ولايتها، لأن القول بأن مشروع الحكم الذاتي مات هكذا بشكل قطعي فيه التقاء مطلق مع دعوات الخصوم الذين لم يدخروا جهدا من أجل قتله وفشلوا في مسعاهم بالأمس واليوم، وسيفشلون غدا لا محالة، ولا يمكن اعتبار موقف من قضية وطنية مصيرية بهذا الشكل المتشبه بمواقف الخصوم مجرد فلتة قلم جر إليها ميل إلى استعمال الشعبوية، وإن كانت الفلتات في النهاية تعبيرا عن اللاوعي، وإنما هو موقف بالغ  الخطورة حتى ولو تم تغليفه بكلام يناقض كل جزء منه  الجزء الآخر.

 

ذلك أن تبني مثل هذا الموقف الأرعن،على العموم، والآن على الخصوص، يقود إلى القطيعة ليس مع الدولة وحدها ومواقفها وتوجهها الديبلوماسي فيما يتعلق بالقضية الوطنية، بل مع المغرب كله والمغاربة جميعهم إلا قلة قليلة لا تحتسب ممن  يبيعون ويشترون في سوق المواقف لنيل منافع خاصة ومن المصابين بالعمى الإيديولوجي. حتى قطر ليس لها الموقف الذي عبر عنه بوعشرين.

 

 إن أسوأ ما يمكن أن يقع هو أن يستشهد  أعداء الوحدة الترابية بافتتاحية بوعشرين  للقول بأن جهة إسلامية في المغرب تعتبر مشروع الحكم الذاتي ميتا أو فاشلا. وهذه الجهة الإسلامية موجودة في الحكومة ومؤسسات الدولة المغربية وليست معارضة. سنكون في هذه الحالة أمام لعب بلا قواعد يمكن أن تترتب عليه إساءة كبرى. ويعرف بنكيران أن ثمن مثل هذا اللعب يكون باهظا أحيانا.

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar