يا عباس مكانك الحقيقي في المحكمة وليس في الحكم


 

أنغير بوبكر*


كان على عباس الفاسي أن يغادر الحياة السياسية منذ حدثين بارزين تورط فيهما، احتراما لنفسه أولا واحتراما للشعب المغربي ثانيا، لكن غواية السلطة والتسلط لم تدع الرجل يرتاح ويستقيل من الحياة السياسية كما يفعل كبار الساسة في البلدان الديمقراطية، الذي لا يغامرون  في تسيير دواليب السياسة والدولة والحكم في ظروف صحية أو سياسية، أو بناء على أخطاء متكررة تلزم صاحبها الركون الى البيت والتأمل أكثر من فرض ذاته على واقع لا يستجيب لمتطلباته، كما اختار ذلك الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي الذي قام بنقد ذاتي لتجربته السياسية في ظل حكومة التناوب وغادر العمل السياسي ليفسح المجال للرعيل الجديد من أبناء الحزب لبناء تجربة سياسية متحررة من طقوس ومثبطات الماضي.

 

 كذلك فعل الأستاذ المناضل بن سعيد ايت أيدر والأستاذ إسماعيل العلوي  فهؤلاء جميعا من جيل الأستاذ عباس الفاسي، ومن معاصريه فلماذا لم يرحل بعد؟ هذا هو السؤال؟

 فالحدث البارز الأول هو تورط الوزير الأول الحالي ووزير التشغيل سابقا في فضيحة النجاة الإماراتية، ففضيحة كهذه أو اقل منها كافية لان تزج برئيس دولة ديمقراطية في السجن وتحكم عليه بأقسى وأقصاها  العقوبات، ولكن ما دمنا في المغرب  فإننا صراحة لم نستغرب أن يصبح الوزير المتورط في فضيحة النجاة، والتي لمن لا يعلمها أو نسيها تتعلق بعقود عمل وهمية وعد بها المعطلون المغاربة، للعمل في الخارج مقابل بطبيعة الحال خبرة وتحليلات طبية في مختبر واحد ووحيد خصص لاستنزاف دم المعطلين ماديا ومعنويا.

 

فهل يعقل أن يشارك المغاربة في العمل السياسي وأمثال عباس الفاسي تتم ترقيتهم.

إن فضيحة النجاة ستظل وصمة عار على جبين الدولة المغربية المعاصرة  وسيسجل التاريخ للأسف الشديد حالة اللاعقاب وخرق القانون الذي كان مصير الفضيحة .

 

الحدث الثاني هو تصريح عباس الفاسي في احد اجتماعات حزبه بأنه سيناضل من اجل أن لا يتم ترسيم اللغة الامازيغية، صحيح أن من حق الأستاذ المحامي عباس الفاسي أن يختار من المواقف السياسية ما يرضاه ويرتاح له،  وحتى كأمين عام لحزب سياسي عرف دائما وابدأ لعدائه للثقافة الأصيلة والأصلية للمغاربة  كعقدة انثربولوجية، وتاريخية معروفة في علم النفس المعرفي الذي يفسر المجهود الذي يقوم نه الدخيل من اجل تغيير معالم الأصل وأسهل الطرق وأوضحها تظهرا إنكار وجود الأصل وابتكار وصول جديدة أو على الأرجح خلط الأوراق  وبعثرها لكي يبدو الأمر بالهجانة المطلوبة، ذلك هو ما حصل مع عباس الفاسي الذي حاول هو وحزبه تارة تغيير المعالم الثقافية بالمغرب حيث تعريب المناطق والطوبونوميا  الامازيغية  وتارة بتغيير تاريخ المدن  والاحتفال بقرون وهمية، وأحيانا أخرى ربط المغرب بالمشرق، واصطناع معاداة وهمية بين الامازيغية والإسلام  أحيانا أخرى، لكن ما يحق لعباس الفاسي كسياسي متحزب أو كموقف شخصي  لا يحق له كوزير أول مفروض فيه  وعليه أن يمثل موقف الحكومة من القضايا الوطنية، فهل نضال عباس الفاسي ضد الامازيغية موقف حكومي أو موقف حزبي ؟؟

 

فالأخطاء السياسية المتتالية لعباس الفاسي، فرضت على المغرب جوا من الانتظارية المقيتة والتي لم يحرك ساكنها إلا حدثين بارزين نورا الحياة السياسية المغربية  وأخرجاها من الستاتيكية  الحدث الأول يتعلق بحركة 20 فبراير المجيدة التي استطاعت أن تدق الإسفين  الأخير في نعش حكومة الفاسي، حيث جعلت من مطالبها الأساسية رحيل الحكومة، لذلك تجاوب معها الشعب المغربي وأصبحت نموذج ينتظر منه المغاربة الشرفاء الشئ الكثير .

 

الحدث الثاني الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011، خطاب تاريخي عبر عن تفاوت التطور بين الوعي الملكي بضرورة تغيير الأوضاع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا  وبين التهافت المتهافت للحكومة الفاسية العاجزة عن تدبير الشأن السياسي الوطني  وتبين ذلك أساسا في طريقة التعامل مع قضية الصحراء بصفة عامة  وإحداث كديم اريك كنموذج، وكذلك في استمرار فضائح وتجاوزات الحقائب الوزارية التي يتولى الاستقلاليون تدبيرها :

 

ففضائح مدونة النقل التي أوقفت الاقتصاد الوطني وأثرت عليه سلبا، أدت الى انتشار الرشوة بدل تقليصها  ناهيك عن الرخص الريعية التي يوزعها السيد الوزير على أصدقائه وهو ما يبرر تهرب السيد غلاب من إطلاع الرأي العام الوطني على لائحة أصحاب الكريمات، أما وزارة الصحة فيكفي أن يقوم الإنسان بزيارة ميدانية لأحد المستشفيات بالمدن ليكتشف المذلة والمهانة التي يتعرض لها المواطن المغربي المحروم، فالرشوة ضاربة أطنابها وخوصصة الخدمات الصحية أجهز على كل آمال المغرب بتطبيب مجاني وأصبحت المستشفيات العمومية أماكن لاستقطاب الزبناء نحو العيادات الخاصة وأصبح الاستشفاء العمومي احتمال الوفاة فيه أكثر من احتمال النجاة، ناهيكم عن الصفقات الغامضة للأدوية وغياب الشفافية في اختيار المختبرات وكذا استمرار تسويق بعض الأدوية التي أثبتت التجارب في الدول الأوروبية خطورة استعمالها .

 

لهذه الأسباب والاعتبارات يبقى أن نقول لوزيرنا الأول: ارحل ارحل  ارحل.

 

 

*خريج المدرسة الوطنية للإدارة

باحث في شؤون التنمية والديمقراطية


 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar