محمد بوداري لجريدة “العلم”: الوضع الدستوري والقانوني الجديد للامازيغية لا يوازي وضعها الواقعي

تلكسبريس- متابعة

 

قال الصحافي والباحث محمد بوداري إن الترجمة التي قام بها "ايركام" سنة 2013 لدستور المملكة "كارثية" بكل المقاييس، سواء على مستوى المصطلحات الموظفة أو أسلوب صياغة النصوص، موضحا أنه تجنب إثارة المسألة إعلاميا حتى لا تتحول إلى فضيحة رغم توفره على معطيات حول الأسباب والخلفيات التي كانت وراء تسرع المسؤولين وإقدامهم على تكليف بعض الطلبة الباحثين لـ"اقتراف" تلك الترجمة وما ميزها من ارتجالية وعبث، وهكذا أكد بوداري على ضرورة العمل على الفصل بين العمل الإداري، الضروري لتسيير المعهد، ومهام البحث والدراسات داخل هذه المؤسسة ووضع حد للواقع الذي يعيشه "ايركام" في غياب أحد أهم أجهزته، منذ 2013، بعد إنهاء مهام كل أعضاء المجلس الإداري للمعهد. تفاصيل أخرى عن إصداره لمعجم  أمازيغي في المصطلحات القانونية في هذا الحوار.

 

– صدر لك أخيرا معجم أمازيغي خاص بالمصطلحات القانونية، لماذا معجم قانوني في هذا الوقت بالذات؟

 

في البداية أود أن أشكركم على اهتمامكم بكل ما يتعلق باللغة والثقافة الامازيغيتين؛ بخصوص سؤالكم حول حيثيات وسياق هذا الانجاز، لا أخفيكم سرا إن قلت إن "أموال أزرفان" هو أولا  واجب تجاه الامازيغية وأتمنى أن أكون قد وفيت جزءا من الدين الذي بذمتي تجاه هذه اللغة العظيمة وثقافتها، وهذا العمل كما لا يخفى عليكم هو امتداد لنضالنا ومساهمتنا المتواضعة داخل "CMA" من أجل إعادة الاعتبار للامازيغية، والترافع لكي تتبوأ المكانة التي تستحقها في المغرب ومجتمعات تامازغا..هذا بالنسبة للجانب الذاتي إن شئنا القول، أما بخصوص المسوّغات الموضوعية التي كانت سببا في تنزيل هذا العمل فالأمر يتعلق بالأساس بالوضعية التي تعيشها الأمازيغية، التي يمكن وصفها بالمفارقة، فمن جهة هناك اعتراف دستوري بالتعدد اللغوي والهوياتي بالمغرب و"اعتبار الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مُـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء"، ومن جهة أخرى فإن هذا الوضع الدستوري والقانوني الجديد للامازيغية لا يوازي وضعها الواقعي في الإدارة والإعلام والتعليم ..إلخ، وهو وضع مرتبط بالأساس بالتأخر والمماطلة في إصدار القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، الذي نصت عليه الفقرة الرابعة من الفصل الخامس من الدستور. ولئن كان هذا التأخر يرجع بالأساس إلى حسابات سياسوية مرتبطة بالأساس بالأحزاب المكونة للتحالف الحكومي وضعف تلك المكونة للمعارضة وتهاونها وعدم اكتراث بعضها بالامازيغية.. فإن الأمر مرتبط  كذلك بشروط ترتبط بالذات الامازيغية سواء فيما يتعلق باللغة او الفاعلين في هذا المجال، إذ لا يكفي إصدار قانون تنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية حتى تتحقق بين عشية وضحاها وتتبدى في كل مجالات الحياة العامة.

 

إن إصدار هذا القانون كما أسلفت، يعد خطوة مهمة في مسار تفعيل الطابع الرسمي للامازيغية، وتحديد مراحل تفعيل هذا الطابع "وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها بصفتها لغة رسمية"، كما ينص على ذلك الدستور في الفقرة الرابعة من الفصل الخامس. إلا أن ذلك لا يكفي، وفي هذا الاطار يأتي إصدار هذا المعجم القانوني المزدوج، لأننا نعتبر أن مجال القضاء والقانون يعد، إلى جانب التعليم والاعلام، من "مجالات الحياة العامة ذات الأولوية" التي يجب إدماج الامازيغية فيها، كما جاء في النص الدستوري..وإذا كان هناك اهتمام بمختلف الجوانب المعرفية والثقافية من طرف الفاعلين الامازيغيين سواء كانوا مؤسسات رسمية او مجتمع مدني فإن الحقل الحقوقي ومجال القضاء لم يمنح ما يستحق من عناية خاصة في مجال اللغة القانونية، وهو ما حاولنا المساهمة في تداركه من خلال إنجاز هذا المعجم المتواضع..

 

– ما هي القيمة المضافة لهذا المعجم على الأمازيغية في المغرب؟

 

اعتقد أن هذا المعجم المتواضع يعد قيمة في حد ذاته، وليس مجرد "قيمة مضافة"، ليس في المغرب فقط ولكن في دول شمال افريقيا ولدى امازيغ "الدياسبورا" بالنظر إلى غياب معاجم مزدوجة قانونية متخصصة التي اشتغلت على اللغة القانونية بشكل اكاديمي، وكل الانتاجات السابقة كانت محاولة لتجميع وحفظ مصطلحات العرف الامازيغي أو ترجمة بعض المفردات القانونية دون الأخذ بعين الاعتبار لخصوصية اللغة القانونية، التي تتميز عن اللغة العادية بدقة مصطلحاتها التي تكون عادة متعددة المعاني وذات مصطلحية معقدة، وهي التي تعطي للنص القانوني خصوصيته والتي تترتب عنه آثار قانونية تُرتّب عليها حقوق أو واجبات أو عقوبات..وهو ما يساهم في تعقيد عملية الترجمة..

 

وفي غياب معجم قانوني مزدوج فإن هذا العمل سيكون لا محالة سندا لكل رجال القانون والمختصين والباحثين والطلبة وكل من يهتم بالشأن الامازيغي كما أن مؤسسات البحث الرسمية المختصة، وخاصة  "إيركام"، ستجد فيه مرجعا أساسيا إن هي قررت إنجاز معجم مختص في القانون، الذي يعتبر ضروريا في صيرورة رد الاعتبار للامازيغية وتبوئتها المكانة اللائقة بها..

 

– المعهد الملكي اشتغل على العديد من المعاجم، حسب تجربتك، ما نجاحات وإخفاقات إيركام في هذا المجال؟

 

لا أحد يمكن ان ينكر مساهمات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في مسار النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين، رغم اختلافنا منذ إنشائه حول طبيعته والمهام الاستشارية الموكولة إليه، إذ ان الموضوعية تقتضي الاعتراف بما حققه من إنجازات ساهمت في تحقيق تراكم في مجال الانتاجات والأبحاث الامازيغية وفي هذا الإطار تم انجاز العديد من الحوامل والمعاجم خاصة في مجال التعليم والاعلام، إلا ان المجال القانوني وخاصة في الجانب المتعلق بالدراسات اللغوية والمعجمية لم يحظ بما تستحق من اهتمام، وهذا طبيعي جدا بالنظر إلى غلبة الباحثين من ذوي التخصصات الأدبية واللسنية والتاريخية والانتروبولوجية والفلسفية والفنية.. وغياب أو قلة الباحثين المتخصصين في مجال العلوم القانونية، وهنا تجدر الإشارة إلى أننا نتحدث عن باحثين وليس موظفين إداريين، وقد انعكس ذلك بشكل جلي على عملية الترجمة التي قام بها المعهد سنة 2013 لدستور المملكة، وهي ترجمة "كارثية" بكل المقاييس، سواء على مستوى المصطلحات الموظفة أو أسلوب صياغة النصوص، وقد تمت الإشارة إلى ذلك في لقاءاتنا مع بعض الإخوة الباحثين داخل المعهد، وتجنبنا إثارة المسألة إعلاميا حتى لا تتحول إلى فضيحة رغم توفرنا على معطيات حول الأسباب والخلفيات التي كانت وراء تسرع المسؤولين وإقدامهم على تكليف بعض الطلبة الباحثين لـ"اقتراف" تلك الترجمة وما ميزها من ارتجالية وعبث ..وبهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى ضرورة العمل على الفصل بين العمل الإداري، الضروري لتسيير المعهد، ومهام البحث والدراسات داخل هذه المؤسسة ووضع حد للواقع الذي يعيشه "ايركام" في غياب أحد أهم أجهزتها، منذ 2013، بعد إنهاء مهام كل أعضاء المجلس الإداري للمعهد ..

 

– ما هي الصعوبات المادية واللغوية التي واجهتك في إعداد هذا المعجم؟

 

إن  أي بحث لا يخلو من صعوبات، وبالنسبة لهذا الانجاز فإن الصعوبات التي واجهتنا ترتبط بالأساس بطبيعة اللغة القانونية التي تتميز بالرصانة والدقة والوضوح، من جهة،  إذ أن المعجم القانوني وتركيبته يمنح اللغة القانونية خصوصيات، تجعل منها لغة تقنية مستقلة عن اللغة العادية من حيث النحو والبناء أو حتى المصطلح، كما يذهب إلى ذلك العديد من الفقهاء. ومن جهة أخرى، فإن هذه الصعوبة ترتبط باللغة الامازيغية وغياب معاجم ودراسات في مجال القانون وما يرتبط به بالنظر إلى التهميش الذي طالها لعدة قرون..

 

وبالنظر إلى طبيعة اللغة القانونية، فقد حاولنا قدر الإمكان تدقيق المفاهيم وعدم الخلط بين عدة مفاهيم ومصطلحات، والبحث الدؤوب عن المصطلح المناسب المكافئ وظيفيًا في الامازيغية لكل مدخل باللغة الفرنسية قبل اللجوء إلى إستراتيجية التكافؤ اللفظي أو المعجمي عند استحالة التكافؤ الوظيفي أو تقنية الشرح عند انعدام إمكانية استعمال تقنيتي التكافؤ الوظيفي أو التكافؤ اللفظي. والملاحظ أن الباحث حاول قدر الإمكان  تفادي تقنية وضع مصطلح جديد "néologisme"، وهي آخر تقنية لجأ إليها بعد استنفاذ جميع التقنيات المذكورة أعلاه..

 

وقد اعتمدنا في ذلك على عدة مراجع ذات الصلة بالموضوع سواء بالامازيغية أو العربية أو الفرنسية أو ثنائية اللغة بالإضافة إلى مراجع نظرية ترتبط باللسانيات وخاصة تلك المرتبطة باللغة القانونية وخصوصيتها..

 

أما بخصوص الجانب المتعلق بالصعوبات المادية، فلا بد من الإشارة إلى أن رحلة البحث عن الجهة التي ستتكلف بطبع ونشر المعجم كانت شاقة وتطلبت ما يناهز السنتين، حيث قررت تحويل البحث إلى كتاب- الذي كان في الأصل رسالة نلت بها شهادة الماستر  تخصص قانون الأعمال بكلية الحقوق اكدال بالرباط- وذلك بالاعتماد على إمكانياتي الخاصة وقمت بالاتصال ببعض الأصدقاء الذين لهم علاقة بمجال الطبع والنشر وقد نالت الفكرة استحسانهم واخص بالذكر الإخوة في "ازطا امازيغ" وفي "العالم الامازيغي"، وتم الاتفاق مع الإخوة في "ايديسيون امازيغ" على إخراج المعجم بالشكل الذي ترونه الآن..واشكرهم على الثقة التي وضعوها في خاصة اختي أمينة ابن الشيخ "تامايورت" وزوجها رشيد راحا، كما اشكر كل من ساهم في انجاز هذا العمل المتواضع واخص بالذكر صديقي الحبيب فؤاد الذي لم يبخل علي ببعض اللوحات الكاليغرافية التي اخترت منها تلك التي تزين غلاف الكتاب، كما اشكر جزيل الشكر الأستاذ احمد بوعود الذي تفضل بالتقديم للمعجم واقتطع لذلك جزءا من وقته القيم…كما أشكر صديقي عمر امزيان وكل الطاقم المشتغل بمطبعة شمس، الذين تكلفوا بالجانب التقني وإعداد العمل للطبع..

 

الاتفاق مع الإخوة في "ايديسيون امازيغ" بإخراج المعجم بالشكل الذي ترونه الآن..واشكرهم على الثقة التي وضعوها في خاصة اختي أمينة ابن الشيخ "تامايورت" وزوجها رشيد راحا، كما اشكر كل من ساهم في انجاز هذا العمل المتواضع واخص بالذكر صديقي الحبيب فؤاد الذي لم يبخل علي ببعض اللوحات الكاليغرافية التي اخترت منها تلك التي تزين غلاف الكتاب، كما اشكر جزيل الشكر الأستاذ احمد بوعود الذي تفضل بالتقديم للمعجم واقتطع لذلك جزءا من وقته القيم…كما أشكر صديقي عمر امزيان وكل الطاقم المشتغل بمطبعة امبريال الذين تكلفوا بالجانب التقني واعداد العمل للطبع..

 

بطاقة:

الصحافي والباحث محمد بوداري، من أبناء مدينة الريش، التي تلقى بها تعليمه الأولي والإعدادي قبل الانتقال إلى قصر السوق(الرشيدية حاليا) حيث حصل على الباكلوريا علوم تجريبية سنة 1984 بثانوية سجلماسة. بعد حصوله على دبلوم الدراسات الجامعية العامة شعبة البيولويجيا- الجيولوجيا، بكلية العلوم بمكناس، تابع دراسته بذات الكلية تخصص بيولوجيا قبل أن يلتحق بكلية العلوم-ظهر المهراز بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، لمتابعة تخصصه في مجال البيولوجيا النباتية. حاصل على إجازة في القانون الخاص باللغة الفرنسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-سلا، جامعة محمد الخامس- السوسي. حاصل على ماستر في العلوم القانونية بالفرنسية، تخصص قانون الأعمال بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال، جامعة محمد الخامس بالرباط.

 

حاصل على إجازة في سوسيولوجا الظواهر الحضرية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس-اكدال الرباط. حاليا صحافي بموقع تلكسبريس ورئيس تحرير موقع "lareleve.ma" باللغة الفرنسية.

 

 

أجرى الحوار عزيز اجهبلي( عن جريدة العلم – الاربعاء  13 ابريل 2016)

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar