حسابات بنكيران التي حولت الربح إلى خسارة مادية ومعنوية


محمد الفيلالي

 

مضت ثلاثة أشهر على تكليف بنكيران بتكوين حكومة جديدة، بعد انتخابات 7 أكتوبر 2016، ولحد الآن لم يستطع الرجل أن يتوافق مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان على تركيبة حكومية، لأنه تصرف منذ البداية تصرفا خاطئا مع كل الأطراف بالاعتماد على عدد المقاعد التي حصل عليهاـ ونسي أن ذلك العدد لا يوفر له الأغلبية، ولا يمكن لأي حزب في ظل المعطيات السياسية المغربية ونمط الاقتراع المعتمد الفوز بالأغلبية الآن وغدا، ونسي على الخصوص أن الانتقال الذي يعرفه المغرب، والذي سمح لحزبه بتحقيق ما حققه، يتطلب تغليب الميل إلى التفاوض والتوافق وليس الاستقواء والصدامية، وأن ما يصلح للحملة الانتخابية لا يصلح في المرحلة التالية لصدور نتائج الانتخابات في 2016.

 

ولأنه نسي  كل ذلك وغيره، مما لا يجب أن يغيب عن سياسي مسؤول يمارس السياسة في بلد تواجهه تحديات ذات طبيعة وطنية وأمنية وتنموية في محيط  صعب، فإنه ورط نفسه في مشاكل عويصة بدل السعي إلى إيجاد حلول تمكنه من تشكيل أغلبية حكومية، وأفرغ العدد الذي يستقوي به إلى حد أنه أصبح بلا دلالة تقريبا. وبذلك أدخل نفسه إلى قاعة الانتظار في بيته الشخصي وفرض على حزبه حالة من الشرود وعلى الحياة السياسية حالة من الغموض، مع ارتكاب أخطاء بدائية من قبيل التصريح ضد روسيا، إلى أن  جاء اتصال مستشاري الملك به لتتحرك البركة الراكدة وتنفتح أمامه إمكانية العودة من بعيد، ومن احتمال الفشل.

 

ومنذ إعادة إطلاق المشاورات تبين أن بنكيران لم يستطع استيعاب كل المعطيات المحيطة بتشكيل الحكومة والرهانات الأساسية للدولة وهي تبدل قصارى الجهد لكسب القارة الإفريقية إلى جانبه وتحييد السلوك العدائي الجزائري في هذا الوقت كأولوية، ولم يستوعب أن  تحالفاته وتركيب الحكومة أيضا يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المعطيات والرهانات، ولذلك ورط نفسه مرة أخرى في حسابات كان ضحيتها في النهاية حليفه شباط، وخصمه اللدود في السنوات الماضية، الذي وضع رجليه في باب الخروج من الحياة السياسية، والمأساوي جدا في تلك الحسابات هو أن محركها كان هو الحقد وليس أي شيء آخر، وهو ما يجعلها حسابات عمياء بمنطق الممارسة السياسية والمسؤولية العمومية. واليوم يتبين أن الرجل أضعف نفسه وحزبه وجعل عدد نوابه الكبير يفقد الحجم والأثر وأن الضربات الأخيرة التي يحاول توجيهها تشبه ضربات ملاكم يشعر بالعياء المطلق.

 

تشكيل الحكومة اليوم يبدو سالكا، بعد دخول حزب الاستقلال في أزمة وتخلي العدالة والتنمية عنه، لكن هذه الحكومةـ إذا تجاوز تشكيلها كافة المشاكل التي ما تزال قائمة، ستنطلق ضعيفة أيا كانت أغلبيتها وتكون التوازنات داخلها مختلة وسيجد بنكيران في وضع مختلف تماما عن وضعه السابق الذي لاءم طبعه، وسيواجه كذلك مشكلة حالة دولية وإقليمية ليست في صالحه ولا في صالح الإسلاميين الذين كانوا مطلوبين في السنوات الماضية وكان أردوغان يمثل بالنسبة لهم منارة ونموذجا. هذا القوس سد وأصبح التكيف مع الوضع الجديد حتميا وإلا وقع الانحراف كليا عن الطريق القويم.

 

كيف ستكون الحكومة المقبلة، لننتظر اليومين المقبلين وجواب أخنوش بعد العرض الذي تلقاه من بنكيران، اليوم الأربعاء 4 يناير الجاري، والذي يستبعد مشاركة الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري حسب بعض المصادر الإسلامية وينفتح على تحايل لإدخال حزب الاستقلال عبر أفراد غير ملونين مقابل وضع النواب الاستقلاليين في الجيب.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar