ماذا ينتظر الجماعة بعد وفاة عبد السلام ياسين؟



بقلم خليل العلوي

شيء واحد فقط لا يختلف عليه اثنان متتبعان بخصوص النتيجة الميدانية التي خلفها آخر شريط مرئي لعبد السلام ياسين، زعيم وشيخ جماعة العدل والإحسان، هو أنه أعاد خلط أوراق علاقة السلطة بالجماعة، وأيضا علاقة السفارة الأمريكية بأتباع ياسين، إضافة إلى أنه كرس ما أكدنا عليه مرارا وفي أكثر من مناسبة، من أن ياسين، هو الزعيم الأوحد وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الجماعة.

 

تصريحات ندية وأرسلان أضغاث أحلام

نبدأ بهذه الخلاصة، وتتعلق بمرجعية ياسين داخل الهيكل التنظيمي للجماعة، وأن تصريحات جميع أعضائها، بما في ذلك ما يسمى الناطق الرسمي للجماعة، فتح الله أرسلان، أو ندية ياسين، كريمة ياسين، أو أعضاء الدائرة السياسية، وغيرهم من الفاعلين في الجماعة، جميع تصريحات هؤلاء، لا تمثل إلا أنفسهم ولا تمثل بالضرورة الجماعة، لأن ما يمثل الجماعة، حسب مضمون الشريط الأخير، وكما تأكد المراقب من ذلك في العديد من المحطات، هو ما يصرح به عبد السلام ياسين، ولا أحد غيره.

 

وسوف نأخذ مثالا بسيطا في هذه الإشكالية التي تكشف تحكم الشيخ بمقاليد الجماعة، وهي أنه منذ أسبوعين فقط، دعت الدائرة السياسية للجماعة المسؤولين والرأي العام لفتح حوار وطني حول الأوضاع في المغرب، من أجل تفادي حالات الشد والجذب، أو تفادي حالات الاحتقان، وإيجاد مخارج لكثرة الفتن النائمة في هذا الوطن.

 

اختلفت ردود الفعل حول هذه الدعوة بين مرحب ومستبعد، ولكن ما جاء في شريط ياسين، يقلب الطاولة حول هذه الدعوات والنداءات، فما  صرح به مجددا الرجل الأول في العدل والإحسان: "ليس لنا مشكل مع شخص الملك محمد السادس، ولكن لنا مشكل مع مبدأ متخلف بميزان الدين والديمقراطية… نحن لا نعارض الملك بل نعارض المُلك العاض"، "الغربيون أرقى منا في الدنيا، لأنهم عرفوا كيف يديرون قضية الحكم.. لا يورثونه التوريث الذي ذمه النبي، ولكن وجدوا له حاجة اسمها الديمقراطية"، "كنشكر الإخوان والأخوات اللي صمدوا في الميدان رغم أسباب الهزيمة… صبروا وصابروا… إخوان وأخوات جماعة العدل والإحسان حمروا الوجه الحمد لله".

 

الشريط لا يتضمن أي دعوة لحوار وطني وإنما يتضمن دعوة للتشكيك في دور ومرجعية المؤسسة الملكية التي يجمع عليها المغاربة أجمعين اليوم، قبل وبعد الاستفتاء الأخير على الدستور، اللهم إن استثنينا مواقف أتباع العدل والإحسان، ومواقف ثلة قليلة من أتباع النهج الديمقراطي والطليعة، وهي قلة قليلة لا تحظى أدبياتها بشعبية أو اعتناق من لدن الرأي العام، ومن هنا نقرأ سعي الجماعة للسطو وتوظيف حراك 20 فبراير من أجل تصفية حسابات سياسية مع الدولة، وقد صدر مطلع الأسبوع الجاري، بيان ناري عن حركة 20 فبراير في فاس، يؤكد بالمعطيات والأسماء والوقائع، حيث نقرأ في البيان أن "التحاق جماعة العدل والإحسان بحركة 20 فبراير جاء متأخرا. بل بعد مدة ليست بالهينة من تاريخ أول خروج للحركة للشارع، في مسيرات 20 فبراير. وقد تريتت الجماعة في الالتحاق بالحركة حتى يتسنى لها معرفة مدى قدرة شباب الحركة على نقل النقاش من العالم الافتراضي إلى ارض الواقع، أولا. وثانيا لحربائية هاته القوى. فطبيعة هاته القوى أنها دائما ما تحاول أن تلعب على الكفة الرابحة. ثالثا هو إدراك العدل والإحسان أن الشكل التنظيمي للحركة يسهل عليها عملية اختراقها و توجيهها. وهذا نفسه ما قامت به مثيلاتها حزب النهضة في تونس والإخوان المسلمون في مصر".

 

فيلا كالقصر وسلطة مطلقة للشيخ

مباشرة بعد نشر الشريط، سارعت أقلام العدل والإحسان في التبشير بالرؤى الجديدة للشيخ، ولو أنها لم تملك الشجاعة الأخلاقية لتوقيع مقالاتها بصفة الانتماء للعدل والإحسان، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب إسماعيل العلوي، العضو في الجماعة الذي ينشر في موقع هسبرس، إلى جانب أعضاء الجماعة ينشرون في هذا الموقع ومواقع أخرى، حيث نشر مقالا تحت عنوان فيديو الشيخ ياسين: سبع رسائل إلى داخل الجماعة وخارجها، كله تبجيل وشبه تقديس للشيخ.

 

ومن الطريف في قراءة العضو في الجماعة أنه اعتبر الشريط "رسالة طمأنة إلى السياسيين بقبول الجماعة للديمقراطية وآلياتها السلمية كوسيلة للتداول على السلطة "، أما الأهم في هذا المقال وغيره، فجاء في بعض ردود القراء التي أعقبت المقال، وهي ردود تترجم نوعا ما رأي الرأي العام من مشروع الجماعة، ونذكر منها هذه الردود.

 

ــ كان من الممكن أن يكون لكلام السيد ياسين عن العمل الصالح والآخرة وهوس الدنيا …إلخ قيمة ما لو أن المغرب خرج لتوه من عصر الجاهلية وأهله حديثي العهد بالإسلام، أو لفت انتباهنا إلى أمر نحن عنه غافلون، معززا قولة بسند شرعي صريح ليس في متناول العامة. أما وأن المغرب دولة إسلامية منذ قرون، ومعظم مواطنيه مسلمون أبا عن جد، وأن ما قاله السيد ياسين بهذا الشأن يعرفه تلاميذ الابتدائي، معزَّزا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية… فإن الرسائل التي أرسلها المرشد، من هذه الناحية، لا تحمل العنوان الصحيح، ولا أهمية لها.

 

ــ لاحظوا بالفيديو المذكور ما لم تلاحظه حضرة الأستاذ، ألم تلاحظوا البحبوحة المحيطة بالشيخ الذي قلت أنّه يرى الدنيا هوسا في هوس؟ فيلا كالقصر وكرسي وثير كالعرش وحضور كلّهم خنوع وطأطأة، مما يوحي بسلطة مطلقة للشيخ عليهم ويتحدث عن الديمقراطية، وكيف يستسيغ الشيخ الزاهد في الدنيا هذا الترف في حين يعرف جيدا أن هناك الملايين من المسلمين لا يجدون ما يدرأ عنهم السغب؟ بل يتحدث عن التوريث وابنته تترصد الزعامة من بعده؟ وهذا، لعمري، قمّة التعارض.

 

هذا التعارض يغذي قراءة الفقيه عبد الباري الزمزمي، الذي يرى أن جماعة العدل والإحسان ليس لها مشروع يمكن أن يعول عليه ويعتمد عليه، أو يمكن تحليله أو مناقشته، هؤلاء أناس يرفضون النظام الملكي، ويعيشون على هامش المجتمع، لأن من يريد الإصلاح يجب أن يساهم في العمل على الأقل بما يستطيع، أما هؤلاء فليس لهم مساهمة لا في العمل الدعوي ولا في المشاركة السياسية، فمشروعهم ليس له معالم وليس له أسس يمكن تحليلها ومناقشتها. 

 

 

حيرة السفارة الأمريكية

ساهم الشريط أيضا في خلط أوراق السفارة الأمريكية، التي بعثت بمسؤولين منذ بضع أسابيع لملاقاة فتح الله أرسلان بمقر إقامته بحي الفتح بالرباط، وكانت ذريعة الناطق الرسمي وذريعة أقلام الجماعة في المواقع الإلكترونية، أن الجماعة جزء من المعارضة في المغرب، وأن أمريكا، راعية النظام العالمي، يهمها معرفة رأي المعارضات في الوطن العربي، خاصة بالنظر إلى السياق العربي الراهن والقائم عن إيقاع اندلاع ثورات وانتفاضات هنا أو هناك.

 

ولا شك أن المسؤولين في السفارة الأمريكية من المعنيين بمتابعة مواقف الجماعة من تطورات الساحة المغربية، سوف يصطدمون بهول التناقض القائم بين المواقف التي تصدر بين الفينة والأخرى عن الناطق الرسمي مثلا أو ندية ياسين أو بعض أعضاء الدائرة السياسية، وكل أعضاء ذلك الكوكتيل التنظيمي، وبين ما جاء في الشريط المرئي لعبد السلام ياسين.

 

هناك فرق كبير بين التوقف عند تناقضات مواقف الجماعة بخصوص حقيقة التعامل مع حركة 20 فبراير، ولقد لاحظ المتتبع، على غرار ما أشار إليه الزمزمي، أعضاء الجماعة يتحركون وفق أهوائهم، ووفقا لأغراضهم، غير ملتزمين بما يقتضيه "الموقف الإسلامي" الذي يؤسسون عليه مواقفهم، نظريا، ولقد لاحظنا كيف تحالفوا في حركة 20 فبراير، مع خصومهم بالأمس من القاعديين بعدما دارت بينهم معركة حامية في الجامعات في التسعينات، سقط إثرها جرحى، وكما نعلم فإن هؤلاء القاعديين لهم علاقة متوترة مع المرجعية الإسلامية، واضطر أتباع العدل والإحسان للتحالف معهم لأجل أغراضهم، لأنهم يعتبرون أنفسهم خصوما للنظام.

 

أما التناقض الأكبر الذي سيثير حفيظة المسؤولين في السفارة الأمريكية، وهو إصرار شيخ الجماعة على الدعوة لأطروحات الخلافة والمهدوية ومختلف أحلام الجماعة، وهي الأحلام التي لا يعبر عنها بالضرورة أعضاء الجماعة الذين يلتقون بالمسؤولين الأمريكيين، داخل وخارج المغرب، خاصة مع خرجات ورحلات نادية ياسين للخارج، ولكنها حاضرة بقوة ووضوح في أعمال وتصريحات ومواقف عبد السلام ياسين، الرجل الأول والأوحد في الجماعة.

 

ما بعد وفاة عبد السلام ياسين

لا بد من جديد، التوقف عند سؤال أشبه بالسؤال الحرام عند أتباع العدل والإحسان، وهو سؤال لا تتوقف عنده أيضا، أقلام الجماعة في المواقع الإلكترونية: ما هو مصير جماعة العدل والإحسان في مرحلة ما بعد عبد السلام ياسين، خاصة، برأي المراقبين، وأنه إلى حدود اللحظة، تحول كاريزما الشيخ ومرجعيته دون الخوض في الإجابة الواضحة على هذا التساؤل، وما إن كانت الجماعة ستقلد ما صدر عن حركة "التوحيد والإصلاح" بخصوص الانخراط في العمل السياسي، أو إبقاء الأوضاع كما هي statut quo أو احتمال تعرض الجماعة إلى انشقاقات بحكم غيبة المرشد العام، واحتمالات أخرى لا طاقة لأتباع الجماعة للخوض فيها اليوم، وقبلهم المرشد.

 

الكل يترقب التطورات التنظيمية الجوهرية التي من المفترض أن تعصف بالجماعة في هذه المرحلة الحرجة، حيث من المتوقع مثلا، ألا تستمر ندية ياسين في الإدلاء بتلك التصريحات المثيرة والمتناقضة مع مشروع الجماعة، والتي لم يجرؤ أغلب أعضاء الجماعة للرد عليها، فقط لأنها كريمة المرشد، ولكن الأمور سوف تختلف كثيرا في مرحلة ما بعد عبد السلام ياسين، وغيرها من التطورات المتوقعة، التي ستوضح للجميع، للرأي العام والسلطة والمراقبين داخل وخارج المغرب، الصورة الحقيقية والمستقبلية للجماعة.

 

وفي انتظار تلك الحقبة، بعد عمر طويل، تستمر إشارات وأوامر وتصريحات الشيخ، المعبرة بشكل وضاح وبدون لف أو دوران عن مشروع الجماعي الهلامي، مادامت صناعة القرار في الجماعة لا تخرج عن قادمة جديدة قديمة: كل ما يصدر عن الشيخ يتم تنفيذه على الفور من طرف القيادات والأتباع والقواعد، بدون أدنى مناقشة أو تحليل أو اعتراض، وكل من سولت له نفسه التشكيك في صحة ما يصدر عن الشيخ، يتعرض للاتهام والطرد والتشنيع، كما جرى فيما مضى مع محمد البشيري.

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar