العدالة والتنمية بين العثماني المثقف وبنكيران الأمي الفارغ

 

عزيز الدادسي

مرت 32 سنة على اللقاء الأول الذي جمع بين عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وسعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني، ورغم ذلك لم يفطن هذا الأخير لمقالب الأول، وعندما اجتمع الإثنين في اسطبل للبهائم بمديونة سنة 1981 لتأسيس الجماعة الإسلامية، أظهر بنكيران عزوفا عن رئاسة الحركة الجديدة، لكن العثماني الذي كان مؤهلا أكثر منه لم يكن يعرف أن بنكيران يشبه الثعلب الذي يظهر ويختفي، فما إن خرج خاوي الوفاض من الحركة الوليدة نتيجة سمعته السيئة حتى اقترح تأسيس جمعية بالرباط تسمى "جمعية الجماعة الإسلامية" وقدم أوراقها القانونية للسلطات بينما ظلت الجماعة الإسلامية سرية حتى سنة 1985 حيث سطا عليها جملة وتفصيلا.

 

فإبن سوس كان أبوه عالم دين وكان ينشط برنامجا إسلاميا في إذاعة أكادير الجهوية ظل محافظا على تلك الصبغة التي فيها شيء من الرزانة والمعقول، بينما بنكيران بدأها ب"التحراميات" عندما قدمه قريبه الكولونيل بنكيران لأحد رجالات البصري وهي العلاقة التي فتحت له أبواب القيادة إذ يفتخر على رفاقه بأنه على علاقة بالسلطة ويعرف جيمع المعلومات الكبرى والاستراتيجية وتمكن من دفع العثماني إلى الخلف.

 

وأولى المقالب التي قام بها بنكيران تجاه العثماني وربما ما زال العثماني لا يجد لها تفسيرا أو يجد لها بعض المبررات هو دفعه إلى الدعاية لكتاب زين العابدين سرور، وهو سلفي سوري يعيش في الكويت ويعتبر من أساتذة بنكيران حيث قضة ثلاث سنوات في المغرب متنقلا بين أتباع بنكيران، والكتاب كان بعنوان "عودة المجوس" وهو كتاب ملئ بالعقيدة السلفية، لكن المقلب يكمن في تبني الكتاب ضمن المناهج التربوية للجماعة وقد استوردت منه إحدى المكاتب آلاف النسخ وبعد تراجع صاحب المكتبة اختفت تلك العلب المليئة إلى أن ظهر الكتاب في مكتبة كان يملكها بنكيران وحقق من ورائه مالا طائلا، وهو أول مقلب تعرض له العثماني إذ كان من المدافعين عنه.

 

بعد هذه المرحلة أصبح للعثماني ظهور باهت باستثناء رئاسته لتحرير مجلة الفرقان، التي كان يديرها الشيخ السلفي محمد زحل، إلى أن جاء الاندماج في حزب الخطيب أو السطو عليه وكان ثمن الوحدة مع رابطة المستقبل الإسلامي هو ابتعاد بنكيران إلى الوراء فلم يجد بنكيران من يقدم سوى العثماني الذي تولى الأمانة العامة بالنيابة ثم أمينا عاما سنة 2002، وهو يتولى الأمانة العامة لم يكن يدري أن بنكيران يعد العدة للعودة بقوة وربما هذه المرة للانتقام من كل ذاك الماضي الذي ربطه بأحد ضباط الاستعلامات العامة مما جعله محل تندر من طرف القادمين إلى الحركة.

 

بين الرجلين مسافات ضوئية، بينما يصر بنكيران على سلوكات الشخص النزق والذي يطلق الكلام على عواهنه، يظهر سعد الدين العثماني بمظهر الرجل المتزن والرزين، ويذكرنا عبد الإله بنكيران بأيام الشباب فهو لم يتغير وهذا كان عهده منذ طفا على الساحة بدعم من قريبه الكولونيل بنيكران وإلى غاية اليوم.

 

ففي الوقت الذي كان سعد الدين العثماني أمينا عاما استطاع الحزب ربط جسور التواصل مع كافة مكونات المشهد السياسي ورغم حساسية الظرف فإن الرجل استطاع أن يسلك بالحزب مسلك النجاة، في حين لما تولى بنكيران الأمانة العامة خلق خصومات وتشنجات بينه وبين باقي الأحزاب السياسية بل أصر على إحداث الضجيج في كل المحطات مرة يتهم الأحزاب السياسية بأنها غير وطنية ومرة يلوح بتهمة أخرى وهكذا دواليك إلى أن أصبح الحزب مرفوضا وأصبح مثل "الجربة" لا يقترب منه أحد أبدا.

 

لقد قاد سعد الدين العثماني المرحلة برزانة وتروي وتؤدة، وكان الظرف صعبا والمغرب يعيش حالة اندهاش كبرى نتيجة الضربة الإرهابية ليوم 16 ماي سنة 2003، وكان لابد من مساءلة العدالة والتنمية عن المسؤوليات المعنوية وهذا طبيعي لأنه يعتبر محضنا رئيسيا للسلفيات، إلا أن مهارة العثماني خرجت بالحزب من دون خسائر وكان يجيب بهدوء على أسئلة المشهد السياسي.

 

وبمجرد أن تولى بنكيران الأمانة العامة حتى اشتغلت النيران هنا وهناك، وتبين أن الأمين العام الجديد الذي ليس سوى مهندس المجموعة برمتها رجل لا يملك من المهارات غير "الدخول والخروج في الكلام" حتى يحدث خلفه الضجة، بينما تكوينه بسيط، وهو الذي تخلى عن تدريس أبناء الشعب ليتفرغ لصناعة "شامبوان"، ووزع أيامه بين جمع المال وبين السياسة، لكن أهم ميزة تعرف على بنكيران هو أن رجل لا يقرأ لكن يلتقط بسرعة ما يقال ويصيغه على منواله الخاص بينما العثماني رجل مثقف ويصر على المتابعة اليومية لما يصدر ويقرأ بغزارة في أوقات الفراغ.

الفرق إذن واضح بين نفساني وباحث في العلوم الشرعية وبين رجل المعادلات والمقالب.

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar