عبد الجبار السحيمي…

 

 

هشام عابد – باحث في الفكر الإصلاحي

 

إسمحلي سيدي الفاضل وأنت في دار البقاء أن أرثيك ببعض من الكلمات إسهاما متواضعا مني وفاء لمرورك الكريم والمشرف برحاب هذا الوطن…

 

 

إسمحلي للقول بصيغة الغائب، وفي خضم ما نعيشه على مستوى الحاضر، مع الإشارة إلى أنك ستظل في ذاكرة المستقبل لوقت طويل…

 

رجل من حزب الاستقلال، لكن إشعاعه تعدى أسوار حزب الاستقلال… إنه رجل والرجال في الأحزاب قليل.

 

رجل كان يتكلم من نفس المستوى الذي يعيشه البسطاء والجماهير، فكان من الشعب إلى الشعب…


رجل جعل من "جريدة العلم" واحة ثقافية يتفيأ إليها كل طالب للمتعة الأدبية، والإبحار الثقافي الرصين…


رجل عرف كيف يفرق بين "التحزب الضيق" و"الهم الوطني" فكان بذلك "رجل دولة" وليس "رجل حزب"…


رجل جعل من الثقافي رهانا لتخليق وتدبير السياسي…


رجل جعل من الثقافي رهانا وقنطرة أساسية نحو الوعي الوطني ونحو المستقبل الأفضل…


رجل جعل من الثقافة مرافقا ومواكبا ومهذبا ومشذبا لجفاف ومكر وغياهب السياسي…


رجل كان همه وديدنه مقاربة ثقافية تسع الجميع يكون الفاصل فيها هو الإبداع والعطاء وليس خنادق الإيديولوجيا والحزبية الضيقة…


رجل كسر ما بين الإيديولوجي والفكري والإبداعي والإنساني من حدود وظوابط معقدة وتافهة…


رجل جعل من "العلم الثقافي" منبتا للأقلام الشابة والواعدة…


رجل كتب ضد المخزن في عز سطوة وجبروت حيتان الدولة وجنرالات القمع…


وأتذكر جيدا وأنا يافع كم استمتعت بقراءة مقالاتك "بخط اليد"، بشغف ولذة واستمتاع…


أتذكر أن"بخط اليد" كان عمودا سباقا لأن يكون من أوائل الأعمدة التي حضيت بالتميز والتفرد والخصوصية التي أثارت إليها انتباه القراء والمثقفين.. فكان من أوائل الأعمدة ذات النبرة المتميزة التي سبقت بإبداعها وبصمتها وعذوبتها وسلاستها الأعمدة الحديثة التي تلتها…


وأتذكر أن بخط اليد كان تجربة أصيلة، وبكلمات نابعة من أعمق أعماق الفؤاد، وكان بصمة تنحث صخر الواقع المغربي الأصم بسحر الكلمات المنسابة، المختارة، والصادقة…


هاهو إذن قلم جميل مبدع آخر يفارقنا في غمرة نقاشاتنا حول "وزارة! الإعلام"، والعشرات من الجرائد الإلكترونية المتناسلة بـ"خطوط تحرير" قليلا أو بـ "الجبهة" في غالب الأحيان، وحول "دفاتر التحملات"، وحول رجال كـ"فيصل العرايشي" و"سليم الشيخ" معينين قسرا لفرض "خط تحريري" خارج خط تحرير الشعب المغربي! كما ولتبدير مال عام الشعب على فن وبرامج وسيتكومات ومسلسلات وراقصات ومغنيات تافهات… لتخليد وضمان واستدامة أكبر قدر من الرداءة والتجهيل لعموم الشعب…


ها هو قلم مبدع رصين آخر يفارقنا في خضم السيبة والزحمة التي تعيشها الصحافة المرئية والمسموعة والورقية والرقمية… التي ما أحوجنا فيها لرجال إعلام وصحافة من طينتك يا عبد الجبار تسكنهم الوطنية والإبداع الأصيل…


دعني سيدي الفاضل أقول لك أنه يكفيك شرفا وتكريما، الشهادات المتواترة والمتزاحمة على صفحات الجرائد التي رغم "موتك" الجسدي ستظل تحييك وتستحضرك…


ووداعا عبد الجبار السحيمي، رحلت رجلا رأسمالك رصيدك الإنساني، ورصيدك الفكري والإبداعي، ومقالاتك الرصينة، ووقوفك إلى جانب البسطاء، ومواقفك النزيهة…


وداعا أيها الهادئ الذي ظللت بعيدا عن التنابز بالألقاب، والتصارع من أجل الكراسي والمناصب…


وداعا يا من رحل أجمل رحيل، حين أبنتك أقلام أغلبها من خارج أسوار الحزب وهي خير تأبين وأفضل اعتراف…


وداعا لرجل تعدت رحابة روحه وعمق تفكيره وولاءه للوطن أسوار العقل والمنطق الحزبي الضيق والمريض كما لدى الأغلبية…


ويكفيك تكريما المداد الذي أريق على صفحات محبتك وعلى هامش رحيلك أيها الكبير الذي كنت بتواضعك وإنسانيتك…


ويكفيك تكريما واعترافا ما تدفقت به أقلام ومشاعر تلاميذ وطلبة وكتاب وأساتذة احتضنتهم ودعمتهم وأرشدتهم في بداياتهم الأولى في عالم الكتابة والإبداع…


يكفيك ما تركت "بصمة" مميزة على صفيح الصحافة المغربية الساخن حين كان لك هدف، وخط تحرير واضح لمسارك، ومشروعا ثقافيا تؤمن به…


وعلى العموم؛ وأن تكون رجلا حزبيا وتحصد التقدير من جميع الأطياف والحساسيات في المجتمع المغربي فأنت عبد الجبار السحيمي حتما!


وبينما أعليت يا عبد الجبار سمعة الحزب إلى أسمى وضع، هناك من يمرغ اليوم وجه الحزب في الوحل بالفضائح والمسؤولية المرفوقة بالفساد وسوء التدبير… التاريخ يسجل.. والبقاء لله…

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar