الإرهاب.. أو العقلية التدميرية التي بيننا


أشخاص يُعشّشُ العنكبوتُ أدمغتهم، ويعتبرون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، ووحدهم سيدخلون الجنّة، وأن لهم الحقُّ لهم في أن يرفسُوا حقوق غيرهم.. هذه العقلية التدميرية تُحرّضُ على الشرّ.. فعلينا بتطوير أمنٍ معرفي لمراقبة وحماية الناس من التّسيُّب الذي يحصُل في الأنترنيت، من خلال عمليات قرصنة وتشهير وابتزاز..



 

1312625914Ahmed IFZARNE

بقلم أحمد إفزارن

 

أيةُ عبرة من العمليتيْن الإرهابيتيْن اللتيْن استهدفتا بلدَنا (مراكش 28 ابريل 2011 والدار البيضاء 16 ماي 2003)؟ 

 

لعل الدرس الأول الذي يتوجبُ علينا أن نستوعبه هو أن الإرهاب قد دخل بلدَنا.. وأنه يبحثُ له عن موقع دائم.. وهذا يعني أن التصدّي لا يجب أن يقتصر على الزجر، لا بُدّ من الوقاية..

 

الدرسُ الثاني يخصُّ الوقاية.. والوقايةُ تكمنُ في التغيير.. تغيير العقلية التدميرية التي تُعشّشُ هنا وهناك.. ومن أمثلتها كونُ أطفال يقطفون ورود حديقة، والناسُ يتفرّجون على حقّ عمومي يُنتزَع.. يجب أن تُعاد تربيةُ من يحتاجون إلى تربية على احترام الحق العام وحقوق الغير.. نفسُ المشاهد نجدُها في كثير من شوارعنا وأحيائنا، حيث يُقدمُ بعض الشباب على اقتلاع أسلاك الكهرباء والهاتف وغيرها.. العقليةُ التدميرية لا تنتهي بدون تربية جديدة على المواطَنَة..

 

الدرسُ الثالث يكمُنُ في التّعايُش.. إن فينا بعضَ من لا يستوعبون أن من حقّ كل شخص أن يختلف عن غيره.. الاختلافُ ليس ضرَرًا.. إنه مُفيد لنا جميعا من حيث أنه يُمكّنُنا من النظر إلى شيء واحد، أو فكرة واحدة، بعيون متنوعة، وعقول مختلفة.. فنحنُ البشر لسنا منتوجًا لآلة الفوطوكوبي.. ليس فينا من هو صورة طبق الأصل لجاره أو ضيفه أو حتى أخيه.. نحن مختلفون، وعلى سلوكنا أن يتصرف على أساس حقوق الاختلاف..

 

الدرسُ الرابع هو الأمن.. والأمنُ في ظاهرة الإرهاب لا يقتصرُ على الأجهزة الأمنية المعروفة.. إنه أمنٌ ذاتي (عقلي وروحي) يجب أن ينشأ مع الطفل في المدارس، لينتشر في الحياة الاجتماعية، بحيث يترعرعُ الناشئةُ على أساس أنّ حقوق الفرد تنتهي عندما تبدأُ حقوقُ الغير.. هذا الأمن لا يكتسي فقط طابعَ المراقبة، بل أيضا طابعَ التّوعية بكون التنمية والديمقراطية لا يمكنُ أن تتمّ بدون احترام الآخر.. إنّنا في عصر جديد تتحكمُ فيه الأنترنيت وترسمُ خرائط حياتنا.. وفي هذا الأنترنيت أفرادٌ طيّبون، عُقلاء، مؤمنون بضرورة التّعايُش بين الأفراد والمجتماعات والدول.. ولكن فيه أيضا أشخاص يُعشّشُ العنكبوتُ أدمغتهم، ويعتبرون أنهم وحدهم يملكون الحقيقة، ووحدهم سيدخلون الجنّة، وأن لهم الحقُّ لهم في أن يرفسُوا حقوق غيرهم.. هذه العقلية التدميرية تُحرّضُ على الشرّ.. فعلينا بتطوير أمنٍ معرفي لمراقبة وحماية الناس من التّسيُّب الذي يحصُل في الأنترنيت، من خلال عمليات قرصنة وتشهير وابتزاز.. إن عصابات تتمركزُ في الأنترنيت وتتصيّدُ أفرادا وأقطارا.. وفي هذا الأنترنيت بالذات يمكنُ البحثُ أيضا عن خلفيات تفجيرات الدار البيضاء ومراكش..

 

الدرسُ الخامس يكمُنُ في مفهوم الإرهاب.. ولعلهُ قد حان الوقت بالنسبة لبلدنا، للعمل في اتجاه اتفاق عالمي على تعريفات مُحدّدة لكلمة إرهاب، من خلال تحديد امتدادات وجذور وروافد هذا الإرهاب.. وهذا يستوجبُ أبحاثا ومؤتمرات مع مختصين، أمنيين وعُلماء وسياسيين وغيرِهم.. فالترهيبُ والتشهير والقرصنة ونشرُ الفيروسات الأنترنيتية في مواقع الأفراد والشركات والدول، هذه ليست مجردَ لُعبة، إنها حقائق خطيرة، وبالتالي رياضة ثقافية سلبية يجبُ البحثُ فيها لتطويق الفكر الإرهابي..

 

الدرسُ السادس هو أن الإرهاب ليس إيديولوجيا سياسية، ولا عقيدة دينية.. إنه خللٌ روحي.. خللٌ عقلي.. خللٌ نفساني.. خللٌ عصبي.. وهذا لا يعني أن من يمارسُ الإرهاب شخصٌ مريض.. إن الإرهاب إرهاب.. ولا مُبرّر للإرهاب.. فيجبُ البحثُ في أنظمة أمن علمية أكثر فاعلية لمعرفة كيف يمكن أن نتصرف في حالة حدوث حرب إلكترونية.. إننا لسنا بمعزل عن العالم.. والإرهابُ له أسلحةٌ أخرى وهذه إلكترنية.. فعلينا جميعا أن ننتبه لسلوكاتنا الإلكترونية.. كما يجبُ على مسؤولينا أن يعملوا على تطوير المناهج الدراسية العلمية، حتى تنشأ في بلدنا أجيال تعرفُ كيف يكمن أن تواجه أية مخاطر الأنترنيت محتملة..

 

الدرسُ السابع يتمثلُ في كون بلدنا يتميّزُ بالتضامُن الوطني.. وهذا مهمٌّ جدا لمواجهة أية تحرُّكات إرهابية عندنا أو في أي بلد آخر، لأنّ الإرهاب المعاصر يستفيدُ من علوم العصر، ويستغلُّ خُبراءَ شباب.. وإن ما يحدثُ في بلد ما يعني بقية بلدان العالم، لأن العالم في عصر الأنترنيت قد تقلّص وأصبح بالفعل قرية صغيرة..

 

هذه من الدروس والعِبَر التي يمكنُ البحثُ فيها لبناء خريطة وطنية للطريق السليمة الآمنة السالكة، على كل المستويات..

واللهُ تعالى يحفظُ بلدَنا وكُلّ بُلدان العالم، وكلَّ إنسان مُتعايش على هذا الكوكب الأزرق: كوكبِ الحياة..


 

أحمد إفزارن

[email protected]

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar