ربيعنا العاقر

 

 

بقلم بديعة الراضي

الكلام الذي سمعته من أحد بسطاء وطني وهو يردد على مسامعي أن الدستور الجديد الذي صوتنا عليه بنعم لن يغير من وضعنا الاجتماعي شيئا، وأن كل الفاسدين والمفسدين سيظلون في مكامنهم يمارسون هوايتهم في التزييف والتزوير والنهب، لم يكن كلاما عابرا، بل إن قناعة الرجل وهو يكرر الجمل نفسها أمامي شدت انتباهي، لتكرر العبارات في ذهني مرات وأنا أتساءل من جديد هل بإمكان هؤلاء المشتغلين في الظلام أن ينتصروا علينا مرة أخرى أمام كل هذه المكاسب التي أحرزناها والمتوجة بدستور في مستوى تطلعات المغرب الحداثي الديمقراطي الذي نريد..


هل يستطيع هؤلاء في غفلة منا أن يعلنوا الظلام بطرق ملتوية تستغل الأنفاق المظلمة والممرات الضيقة، وتستغل بؤس فقرائنا وجهل الكثير من أحيائنا وهوامشنا التي أثثها الزمن بالكثير من الثقوب المنهكة بعملية الترقيع المتكرر…


تساؤل اعتبرته مشروعا وأنا أرصد كل تلك الحركات التي تبدو لك أنها عفوية أمام حراك اجتماعي وسياسي عم الكثير من الساحات العربية، لكنه تساؤل أعدته مرة أخرى إلى منطلقه الذي ليس إلا ذلك الرجل البسيط المنتمي إلى جهة يتخبط أهاليها في الكثير من المشاكل اليومية النابعة من مستوى العيش المتدني جدا حد الاعتقاد أنك لست في المغرب، بل في أي دولة فقيرة في جنوب الصحراء…


أعدت التساؤل مرة أخرى، ماذا لو استطاعت خفافيش الظلام أن تبني جدارا بينها وبين من نسعى اليوم إلى إضاءة أنفاقهم بإرادة حقيقية في التغيير، وماذا لو استغلت الخفافيش قدرتها على الوصول إلى أبنائنا في هذا الظرف الوجيز الذي نحارب فيه على جميع الواجهات من أجل مغرب المستقبل، مغرب الأمل لا الإحباط.


لا أريد أن أصدق أنه ليس هناك شيئا مستبعداً، ولكن حراكنا الذي توج بدستور 2011، والذي عقلنّاه من أجل الانخراط الإيجابي ضد كل منزلقات موجهة بخلفيات نعرفها جيداً، بدا لي مطوقا بأساليب قمعية شرسة تمارس العنف الفكري والتعبيري على صفحات حيطاننا الإلكترونية متهمة – بشتى التعبيرات القدحية المتوحشة – رموز حركتنا الإيجابيين ب"بلطجية المخزن" و "بياعي الماتش" وكأن "نعم" التي دافعنا عنها هي نعم ضد المغرب وضد الوطن والمواطن، أساليب ركبت من أجلها كل الصور والحروف، وهي نفسها التي تريد أن تصور الديمقراطيين من أبنائنا "خونة" ليمارسوا في هذا المنحى كل أنواع الترهيب والافتراء وإصدار أحكام جاهزة يلبسونها حقائق مزيفة.


وسؤال أعدت تركيبه في ذهني، وأنا أتابع موجات الغضب في ساحات عربية والتي تحولت من ثورات حلمنا جميعا بنجاحها الربيعي إلى ثورات تفتقد بوصلة التغيير، نحو هاوية تبدو في الأفق أنها لن تؤدي إلاّ إلى خريف يسقط اخضرار أشجارها، ولأنه خريف قاس فهو يقتلع جذورها، ويوظف كل أدوات التدمير غير الطبيعية المستوردة من دول الجوار الكبرى، من أجل أن يكون الحجر والشجر والبشر في مهب الريح.


وسؤال أعدته وأنا أرصد كل تل النعرات التي تفتعل قضايا للتظاهر والتي يحركها – طبعا – من يوجهون إشاراتهم إلى المتتبعين لحركاتهم وسكناتهم، منفدين برنامجهم الذي أصبح يوميا أمام استسهال الأمور واستغلال الحراك العام العربي، من أجل إحراز المزيد من الدعم الذي يوزع بأسمائهم وأسماء أقاربهم في بنوك عالمية أمام مرأى ومسمع المعنيين بالحفاظ على استقرارنا، وكل ذلك باسم دعم المجتمع المدني، الذي ليس فيه من المدنية إلاّ ياءه التي ليست ثقيلة على لساننا، كما أنها ممراً آمنا لكل هؤلاء الذين بنوا "دولة المجتمع المدني" داخل الدولة الرسمية، باسم الشعب الذي لا يمثلونه إلى في رسائلهم الإلكترونية.


أمام كل هذه المنزلقات الخطيرة، أليس من الأجدى اليوم أن نفتح ملفات الدين يريدون تدمير حلمنا، باسم القانون، وتحصن قلعتنا الديمقراطية لكي لا نفتح الباب على مصراعيه للأيادي السوداء كي تخط مصيرنا ضد إرادتنا في التغيير وبناء مغرب الاستقرار باسم الحرية والكرامة الانضباط للتعاقد القانوني والأخلاقي الذي يجمعنا.

 

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar