المغرب والبرتغال.. إرادة سياسية على أعلى مستوى من أجل إرساء شراكة “رابح رابح”

شهدت العلاقات بين المغرب والبرتغال خلال سنة 2022 دينامية ملحوظة على مستوى التعاون الثنائي، وذلك بفضل الإرادة السياسية على أعلى مستوى، والرامية إلى إرساء شراكة استراتيجية رابح-رابح.

ويعبر المغرب والبرتغال عن إرادة مشتركة للارتقاء بالعلاقات الثنائية الزاخرة تاريخيا والمتميزة بالاحترام المتبادل، إلى مستويات أرفع، بما يتيح تعزيز الحوار السياسي المستمر الذي يجمعهما، وتكثيف التبادلات، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون من أجل شراكة استراتيجية متعددة الأوجه تعكس متانة العلاقات بين المغرب والبرتغال قصد رفع التحديات الإقليمية.

وقد وجد المغرب الذي يعتبر الجار الأطلسي الأقرب للبرتغال، اقتناعا منه بالأهمية البالغة للنهوض بالتعاون الثنائي، في هذا البلد الإيبيري حليفا مهما يمتلك إرادة حقيقية للتثمين الفعلي لهذا التقارب.

إرادة لطالما عبر عنها مسؤولو البلدين في أكثر من مناسبة، حيث أشاد وزير الدولة والشؤون الخارجية البرتغالي، السيد أوغوستو سانتوس سيلفا، خلال مباحثات عبر تقنية التناظر المرئي، أجراها مع السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، في يناير الماضي، بالدور الحاسم الذي يضطلع به المغرب، كفاعل في استقرار المنطقة، وقاطرة للنمو من أجل التنمية بإفريقيا.

كما أشاد المسؤولان بالعلاقات الثنائية الممتازة وبطابعها الديناميكي والطلائعي، مشددين على الحاجة إلى تعزيزها من أجل الرقي بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وقد تعززت العلاقات الثنائية الوثيقة هذه السنة بفضل تبادل الزيارات بين الجانبين على أعلى مستوى، مما مكن من إعطاء دفعة قوية للتعاون متعدد الأوجه.

وقد تم تدشين هذا التبادل المثمر بتوقيع المغرب والبرتغال، في يناير الماضي، اتفاقية تتعلق بتشغيل وإقامة العمال المغاربة في البرتغال، تندرج ضمن دينامية تحديث آليات الشراكة بين البلدين.

وتهدف هذه الاتفاقية، التي جرى التوقيع عليها بالأحرف الأولى عقب مباحثات جمعت بين بوريطة وسانتوس سيلفا، عبر تقنية التناظر المرئي، إلى الاستجابة على نحو فعال للطلب المتنامي للعمال المغاربة من أجل الاستفادة من فرص العمل المتاحة على مستوى النسيج الاقتصادي البرتغالي.

وفي هذا الإطار، اتفق وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، وكاتب الدولة البرتغالي للتشغيل، ميغيل فونتيس، في إعلان مشترك صدر في أعقاب محادثاتهما على هامش الاجتماع الوزاري الخامس للاتحاد من أجل المتوسط حول التوظيف والعمل، الذي انعقد في شهر ماي بمراكش، على إحداث مجموعة عمل متعددة القطاعات، ستلتئم بانتظام حتى تتم المصادقة على اتفاقية الحركية.

وللتنزيل العملي لهذه الاتفاقية، قام السيد السكوري بزيارة للبرتغال في شهر شتنبر أجرى خلالها سلسلة من المباحثات مع عدد من المسؤولين البرتغاليين على رأسهم وزيرة العمل والتضامن والحماية الاجتماعية البرتغالية، السيدة آنا مانديز غودينو، ووزير الإدارة الداخلية البرتغالي، خوسيه لويس كارنيرو، ورئيس اتحاد مقاولات البرتغال، أنطونيو سارايفا، والعديد من المسؤولين البرتغاليين، تمحورت حول الإجراءات العملية الكفيلة بتنفيذ الاتفاقية الموقعة بين البلدين في يناير 2022، وذلك في مجال تشغيل اليد العاملة المغربية بالبرتغال.

وجرى الاتفاق خلال هذه المباحثات على إطلاق برنامج تجريبي يهم 400 عاملا مغربيا سيتم استقدامهم للعمل في البرتغال، فيما ستقتصر مجالات عمل المغاربة، في مرحلة أولى، على القطاع الفلاحي على أن تشمل قطاعات أخرى في المستقبل.

وعلى مستوى المبادلات التجارية، تعتبر قطاعات السيارات والنسيج والبيئة وعصرنة الإدارة، على الخصوص، ميادين واعدة يمكن أن تتيح فرص الاستثمار المشترك والتعاون الوثيق من أجل تكامل الاقتصادين المغربي والبرتغالي.

وفي هذا الصدد، أكد وزير الخارجية البرتغالي أوغوستو سانتوس سيلفا، على أن البلدين مدعوان “للاستفادة من تكاملهما”.

وأكد سانتوس سيلفا، في حديث للإذاعة العمومية البرتغالية “ريناسينسا”، على هامش مشاركته في قمة الاتحاد الأوروبي-الاتحاد الإفريقي المنعقدة في بروكسيل في فبراير الماضي، “لقد قمنا بتسريع وتيرة المبادلات الاقتصادية بشكل كبير. المغرب يعد الآن أحد أكبر خمسة زبناء للبرتغال خارج الاتحاد الأوروبي”، مضيفا “لدينا أيضا تكامل يتعين أن نستفيد منه”.

وفي هذا الحوار، سلط الوزير البرتغالي الضوء، أيضا، على إمكانات التعاون بين بلاده والمغرب في ما يتعلق بالتحول الطاقي، مؤكدا “لدينا إمكانية للتعاون مع المغرب ونحن نستفيد منها”.

وتجسدت إرادة البلدين في الاستفادة من الإمكانات التي يتيحها قربهما الجغرافي وإعطاء دينامية لاقتصادهما بغية تطوير الالتقائية في المجال الاقتصادي، من خلال مشاركة مغربية وازنة في القمة العالمية للبلاستيك (Plastics Summit – Global Event 2022).

وفي هذا الإطار، نظمت الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والاتحاد العام لمقاولات المغرب، بتعاون مع سفارة المغرب بالبرتغال، جناحا خاصا بالوفد المغربي الذي يمثل أبرز الفاعلين والعموميين والخواص في قطاع صناعة البلاستيك بالمملكة.

كما اكتست العلاقات بين البلدين خلال هذه السنة حيوية جديدة في المجال الثقافي، كما يعكس ذلك افتتاح الحمامات الإسلامية وقصر باريتو بمدينة لولي البرتغالية في ماي الماضي، وذلك بحضور عدد من الشخصيات البرتغالية والمغربية.

وتنقسم معلمة الحمامات الإسلامية، وهي الأولى من نوعها التي يتم توثيقها أثريا في البرتغال، إلى عدة فضاءات متميزة، تبلغ مساحتها حوالي 120 مترا مربعا.

وبهذه المناسبة، أكدت شهادات، لاسيما لوزير الخارجية والثقافة البرتغالي وعمدة لولي، على أهمية الحفاظ على الذاكرة المشتركة من خلال الحفاظ على المعالم التاريخية التي تشهد على عمق العلاقات التي ربطت بين البلدين على مدى قرون. كما رحب المسؤولون البرتغاليون بعلاقات التعاون والجوار والصداقة الممتازة التي تجمع بلدهم بالمغرب.

وفي إطار الأنشطة الرامية إلى الترويج للصناعة التقليدية المغربية بالسوق الأوروبية، شاركت دار الصانع في المعرض الدولي للصناعة التقليدية بلشبونة، في شهر يونيو الماضي، من خلال فضاء للعرض مساحته 270 متر مربع، يضم 17 عارضا مغربيا يزاولون حرفا تقليدية مختلفة.

كما بصم المغرب على مشاركة متميزة في الاحتفالات باليوم العالمي للفرنكوفونية 2022، وذلك بمشاركة سفارة المغرب التي بادرت إلى تنظيم سلسلة من الأنشطة لهذا الحدث، الذي يعد فرصة لإبراز التعددية اللغوية والتنوع التاريخي والثقافي للمملكة.

وبفضاء قصر الدوقات بمدينة إيفورا البرتغالية، كان الجمهور البرتغالي، شهر شتنبر، على موعد مع سهرة مغربية بامتياز مزجت بين الأنغام الشجية لطرب الملحون والموسيقى الأندلسية الأصيلة، وذلك بحضور ثلة من الشخصيات المنتمية لعوالم السياسة والثقافة والدبلوماسية.

وأحيى هذه الأمسية الموسيقية التي نظمت في إطار فعاليات معرض “حب الأحمر والأخضر، مراكش فتحت عيني على الألوان”، كل من جوق محمد العثماني للموسيقى الأندلسية، والفنانة المغربية سناء مرحاتي.

كما تم الاحتفاء، في الفترة ذاتها، بتنوع وغنى المطبخ المغربي خلال أسبوع المغرب الذي نظمه نادي “جونسي كوا” البرتغالي وفندق المامونية، بتعاون مع سفارة المملكة بالبرتغال.

وبالنظر إلى أهمية التعاون اللاممركز في مواكبة التقارب بين الشعوب وتعزيز التعاون والشراكة بين المدن المغربية ونظيرتها البرتغالية، تم التوقيع، خلال شهر نونبر، على اتفاقية توأمة بين بلدية كاشكايش التابعة لمنطقة لشبونة (البرتغال) وجماعة الصويرة، وذلك بهدف تعزيز التبادل الثقافي والسوسيو-اقتصادي والرياضي.

ولاشك أن الدينامية الحالية التي تشهدها العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية بين المغرب والبرتغال مدعوة إلى استثمار جميع فرص التعاون بين البلدين، حتى تكون هذه الشراكة الاستراتيجية نموذجا للتنمية المشتركة وإطارا متينا للاستثمار والإنتاج والتصدير، منفتحا على محيطه الإقليمي والدولي.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar