دفعة “لاكوست” أو حراس المعبد.. القصة الكاملة لكابرانات فرنسا

عرفت منطقة شمال إفريقيا منتصف القرن التاسع عشر، العديد من الأحداث المحورية التي كان لها دور أساسي في تشكيل الخريطة السياسية والتحالفات الجيواستراتيجية المستقبلية للدول المقبلة على الخروج من حقبة الاستعمار، وعلى رأسها الجزائر والمغرب، إذ أن ما تعيشه العلاقات الملتهبة بين الجارين اليوم ليس سوى تصفية لتركة الاستعمار الفرنسي الذي غادرت جيوشه المحتلة المنطقة، إلا انه ظل جاثما من خلف الستار على نفوس شعوب المنطقة من خلال حراس المعبد الفرنسي بالجزائر أو ما يصطلح عليهم بضباط فرنسا.

  فبعد اشتداد الدعم المغربي الكبير الذي قدمه الملك الراحل محمد الخامس للثورة الجزائرية، أيقنت فرنسا آنذاك أن خروجها من الجزائر بات مسألة وقت، ولكي لا تفقد زمام التحكم في هذا البلد الحديث النشأة الغني بالنفط والغاز والمترامي الأطراف، الذي رسم حدوده الحالية المقص الفرنسي عبر الاقتطاع من أراضي الجوار مساحات جغرافية واسعة. وبعد فشل مشروع الرئيس الفرنسي شارل ديغول في ترويض المقاومة المسلحة المدعومة من قبل المغرب الذي أسماه “سلام الشجعان”، عمدت باريس إلى وضع إستراتيجية ثلاثية الأبعاد، للإبقاء على التبعية الجزائرية والهيمنة على مصادرها الطاقية  وجعلها حارس المعبد الفرنسي بإفريقيا  وحامي مصالحها بالقارة الإفريقية حتى بعد مغادرة آخر جندي فرنسي.

قامت الخطة الفرنسية ساعتها على جعل الحدود بين الجزائر وجيرانها مناطق متفجرة قابلة للاشتعال متى احتاجت فرنسا ذلك، خصوصا على مستوى الشريط الحدودي الفاصل بين المغرب والجزائر، بالنظر إلى المخاوف الفرنسية الكبرى من استرجاع المغرب لمكانته الجيواستراتيجية بالمنطقة بعد خروجه من الاستعمار.

وبمساعدة بومدين، الذي نزل بالمظلة على الثورة الجزائرية، بعد أن كان طالبا في مصر، وصار قائدا للمنطقة الغربية عام 1957، وزعيما لمجموعة وجدة، نجح كابرانات الجيش الفرنسي في التسلل إلى القلب الجزائري لتنفيذ المخطط الخبيث الذي رسم في قصر الاليزيه، حيث قام  بتعين بعض أولئك الضباط، مستشارين له، وبخاصة عندما صار رئيسا للأركان مطلع سنة 1960.

نجح هؤلاء المرتزقة الفرنسيون في التغلغل داخل مفاصل الدولة، وبعد قيام الحكومة المؤقتة باتوا يشكلون إلى جانب السياسيين والمثقفين والإعلاميين المتفرنسين والمتغلغلين في المرافق الحكومية الحيوية، ما بات يعرف في الجزائر باسم “حزب فرنسا”، أو “حراس المعبد” .

هؤلاء العناصر المتسللة تم تلقيبها آنذاك بالجنود الهاربين من دفعة لاكوست” بفرنسا، والتي تعني المتعلقة بهروب جماعي لمجموعة من الضباط الجزائريين، الذين كانوا في الجيش الفرنسي بألمانيا، والتحقوا بجيش التحرير، وذلك لأجل التغلغل في صفوفه، وبالتالي، تولي قيادة الجزائر، بعد الاستقلال، بعد فشل الرئيس الفرنسي ديغول  في إجهاض الثورة عن طريق استخدام القوة العسكرية المفرطة، وسياسة الأرض المحروقة، وأيضا فشل مشروعه في ترويضها.

وتمكن هؤلاء المرتزقة بعد تقرير مصير الجزائر  سنة 1962، وبعد أن تكتلوا خلف العقيد بومدين وزير الدفاع، ثم رئيس الجمهورية لاحقا، والذي، بدوره، قربهم إليه، وفضلهم على ضباط جيش التحرير، ومن خلال التساند والعمل المنسق والمنظم، واستغلال التناقضات الموجودة بين قادة الثورة، تمكنوا من اختراق الجيش الجزائري والسيطرة عليه وجعله سوطا بيد فرنسا الاستعمارية ضد الجزائر والمغرب وشمال إفريقيا.

وظل ضباط فرنسا منذ سيطرتهم على نظام الحكم في الجزائر، يعملون على تسهيل نهب المستعمر القديم للثروات الطاقية بالبلاد كما لعبوا دورا خبيثا في افتعال الأزمات الحدودية والنزاعات المسلحة مع المغرب، بدءا من حرب الرمال سنة 1963 مرورا بدعم مرتزقة البوليساريو، والى حدود الساعة ما تزال فرنسا توظفهم لابتزاز المغرب ومحاولة ابتزازه وعرقلة تطوره وتهديده بالحرب.

وفي هذا الإطار اندرجت زيارة رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة إلى فرنسا، بعد أن تمت المناداة عليه من قبل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتوقيع صفقات ضخمة للتسليح، وتسليمه خوذة الحرس الجمهوري لفرنسا في رسالة إلى الرباط بأن فرنسا ستستعمل حراس معبدها في الجزائر لتهديد المغرب وابتزازه على ضوء التصعيد المغربي الفرنسي المتصاعد مؤخرا، وهو ما يؤكد أن ضباط فرنسا “الكابرانات” هم بالدرجة الأولى حرس جمهوري فرنسي تابع لقصر الاليزيه منذ تأسيس الجزائر.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar