المغرب بين إدارة التنافس الاستراتيجي الدولي وإدارة أزمة الثالوث الفرنسي الجزائري التونسي

على المستوى الخارجي تبدو السياسة الخارجية المغربية أنها تحاكي التنافس الاستراتيجي الذي يحظي فيه المغرب بدور الموصل المشروط، بتغيير قواعد التنافس التي تغيرت بفعل تغيير وظائف الدولة المغربية في سياق دولي أصبحت معه مصالح الدول الكبرى ترتكز على البنى الاقتصادية والأمنية الاستراتيجية، ذلك ان المغرب تخطى مفهوم الدولة التابعة كما تريدها بعض الدول، و ان تبقيها صغيرة الحجم و لا تتجاوز دائرة الصراعات الحدودية و التنموية، خصوصا فرنسا وبدون اي احترام لقواعد القانون الدولي تعتبر نفوذها غير قابل للمراجعة والتغيير، وان المغرب  لا يمكن ان يجادلها في حقوقه، وتبقي على الصراع والفتن والحروب كموارد اقتصادية و كوسيلة لحماية مصالحها الاستراتيجية، كما لا تسمح بالتطور والنماء، و ذلك من خلال لجوءها الى اتهام المغرب بشكل متكرر في محاولة لمحاصرته و الاعتراض على التطور و التقدم واتباعه سياسة حماية مصالحه وتنويع شركائه وتغيير الاتجاه الذي يرضي فرنسا دون غيرها، في التعاون والشراكات خصوصا مع الدول الأكثر اعتدالا و الأكثر ثقة و تعاونا من فرنسا التي صنعت و توظف العداء التاريخي بين الدول المغاربية، وذلك بهدف الحفاظ على المنطقة المغاربية كمنطقة نفوذ فرنسية، ولتفادي خطورة وحدة الشعوب المغاربية عليها، والتي تطالبها منذ الاستقلال  بوقف الإساءة إلى حقوقها و العدول عن ابتزازها و التدخل في شؤونها بدون قانون سواء باسم انتهاك حقوق الإنسان على مقياس سلم الاتحاد الاوروبي، وهي المنتهكة لهذه الحقوق و ترفض ان ترى عصر الانوار في افريقيا كما في اوربا.

فاستقبال افراد انفصاليين لا صلة لهم بالشعب المغربي الحر للتشويش على المغرب والبحث عن الإدانة الاوربية والاعتراض على ما تحقق من اصلاحات في  تحد سافر  لمشاعر  الشعب المغربي المقدر بحوالي 40 مليون نسمة، يمثل استهتارا و استهزاء بإرادة الشعب المغربي الذي يرفض المساس بالوحدة الترابية لوطنه، ومستعد للدفاع بشرف عن كل حبة رمل ضد فرنسا وغيرها.

فادعاء فرنسا ان المغرب استخدم برنامج بيغاسوس للتجسس عليها هو اعتراف منها بتفوق المغرب عليها رغم انها خامس دولة صناعية في العالم، رغم ان ذلك يبقى مجرد اتهامات واهية والهدف منها هو فقط النيل من سمعة المغرب والبحث عن ادانة البرلمان  الاوروبي الذي فشل في تقديم الأدلة على الادعاءات الفرنسية، ذلك ان الحقيقة التي يجب على الاتحاد الاوروبي ان يناقشها ويبحث فيها بطلب من المغرب هي فضح أولئك الأشخاص الذين تلقوا رشاوى و مبالغ مالية واغراءات وامتيازات سواء السياسيين العنصريين او المقاولين او سماسرة الفتن، وفتح تحقيق قضائي نزيه في ذلك وفضح سياسة فرنسا التي لا تحترم المواطنين المغاربة الصحراويين باستخدام بعض الخونة الذين يباعون في اسواق مصالح فرنسا بأبخس الاثمان وضدا في الباقي. كما تسيء لسمعة دول الاتحاد الاوروبي.

والسؤال الذي يوجه للبرلمان الأوربي اليوم، هو هل يمثل فرنسا او يتضامن معها في مخططاتها ؟ ام هو مؤسسة تمثل 27 دولة ويجب عليه ان يثمن الشراكات المغربية الالمانية والاسبانية وغيرهما ويفصل المقال عن المقام ؟

ان فرنسا منذ ان بنت اسطولها العسكري قامت بغزو الدول ونهبت ثرواتها بالقوة وكرست امبريالية ظالمة وعلى مستوى المنابر السياسية الدولية تدعي دفاعها عن حقوق الانسان وحماية حقوق الأقليات وتدافع عن حرية التعبير في فرنسا وتستخدم الاذن الصماء تجاه افريقيا، بل وتقمع التعبير الذي يطالبها بالحقوق او بالالتزام بقواعد القانون الدولي وتعمل على اثارة ملفات قضائية واهية لتضييق الخناق على ذوي الحقوق.

و الحقيقة ان ما يجري من وراء هذا التشنج الفرنسي تجاه مصالح المغرب يكمن في الصراع الاستراتيجي والتنافس الدولي حول الطاقة و المواقع الجيوسياسية في القارة الافريقية حيث يضيق الخناق على فرنسا يوما بعد يوم بسبب إهدارها لحقوق شعوب القارة ومحاصرتها للتنمية و للديمقراطية، وبسبب الشراكة المغربية الامريكية الاسرائيلية التي أثرت على مكانة فرنسا، مما دفعها الى الرفع من مستوى التوتر بين المغرب والجزائر اعتقادا منها ان هذه المغامرة ستكلل بالنجاح وستحسب لصالحها متناسية ان القرار الامريكي الذي  يعترف بمغربية اقوى من قرار الاتحاد الأوربي، وان المغرب يتابع وبدقة تحركاتها و ما يستتبعه من خطر على الشراكات الاستراتيجية التي ستزيد من تدهور قيمة فرنسا إفريقيا ودوليا.

ان التقارب العسكري الجزائري الفرنسي والتوجه نحو التصعيد بمباركة تيار فرنسي راديكالي شوفيني امبريالي و اقحام جناح قيس سعيد التونسي يدخل ضمن مؤامرة خارجية ضد المغرب سواء بتسخير مسألة حقوق الإنسان او تلفيق تهمة التجسس عبر برنامج بيغاسوس او بشن حملة إعلامية او استهداف رموز الدولة المغربية، كل ذلك يمثل خرقا لحقوق الإنسان نفسها و حقوق الشعب المغربي و لسيادة المغرب و يمثل حملة سياسية ضد مصالح المغرب الاستراتيجية.

 فعندما تستقبل فرنسا انفصاليين في البرلمان الأوربي وتحرم المغاربة من ذلك؟ الا يعتبر ذلك تناقضا واضحا في استخدامها لمناورات واصطياد عناصر لا تمثل الشعب المغربي ولا سكان الاقاليم الجنوبية للمملكة لاستخدامها اكباش للنيل من المغرب دون اي احترام لرأي الاغلبية ودون احترام لسيادة القانون، بل تتبع حملة ممنهجة ضد المغرب والتضييق عليه لارجاعه الى صفها و دون تقديم موقف واضح من قضية الصحراء المغربية.

ان فرنسا تتحمل مسؤوليتها في ضرب الاستقرار في المنطقة وتستغل الضعفاء وتتحالف مع الشيطان الشيعي ومعه التنظيمات الإرهابية والجماعات الانفصالية المسلحة، وتسخر أموالا كثيرة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية، وان هناك تقارير امريكية فاضحة لكل المخططات الفرنسية وما تقوم به من خلال دفع السلاح مقابل الغاز والاقتصاد، بينما الشعب الجزائري يبقى الخاسر في كل هذه العمليات الفرنسية.

والضحية هو النظام العسكري الجزائري الذي لا يعرف استقرارا في علاقاته الدولية لان الغاز وحده لا يحقق له التوازن الدولي، ولأنه غير ثابت على مواقف واضحة تكسبه الثقة الدولية، بل يتحرك وفق اهواء فرنسا او يتصرف بمنطق تصدير الازمة  والغاز من اجل البقاء، والبحث عن الزعامة في القارة الإفريقية بدون اسس سليمة بحكم انه مكبل بجبهة البوليساريو الانفصالية التي يستخدمها لتهريب الوحدة الإفريقية، و لتحريف كل علاقات التعاون عن مسارها، وهذا ما تفطنت له الدول الافريقية وتيقنوا بأنها لعبة فرنسية تعيق من خلالها الوحدة الإفريقية و أن نظام العسكر الجزائري ليس الا لاعبا محترفا في نادي فرنسا الامبريالية.

ففرنسا تريد أن تجعل من المغرب ضحية لخدمة مصالحها الاقتصادية و لحل أزمتها مع الديمقراطية، وتبرير مشاكلها التي تفاقمت على المستوى الأوربي والدولي والإفريقي، حيث انها حاولت تأسيس الجيش الأوربي ضدا في الولايات المتحدة الأمريكية لكن الذي حصل هو الزيادة في عدد الجنود الاميركيين في مختلف الدول الأوروبية في ظل الازمة الاوربية الراهنة. إضافة الى مشاكلها الاجتماعية التي لا يمكن حلها بإعادة تكريس الامبريالية في مستعمراتها من جديد.

– تدبير تداعيات الازمة الخارجية على المستوى الداخلي

ان تراكم الأزمات واغفال ادماج مطالب  المواطنين ضمن  القرارات يعمق التراجعات التنموي، ذلك انه كلما  تم نسيان وتهميش جزء مهم  في السياسات العمومية الوطنية والترابية دون الاخذ في  الحسبان  عوامل الأزمة الاجتماعية بشكل جيد … تتنامى  معه مشاكل الشباب المغربي التي أصبحت في تزايد مقلق .. ولم تعد الثقة رابط بين الناس ولا بين المواطن والادارة بصفة عامة وذلك مرده الى عدة موامل ومنها:

 *  أولا : انتخابات  بدون احترام الغايات

فكلما جاءت فترة الانتخابات الا وتجند الخبراء وقدموا قراءات حول الفائزين  آخذين بعين الاعتبار معطيات التنافس بينما المواطن ليس عاملا محددا للفوز ولا هو الغاية من إجراءها الا ذلك العدد من الاصوات الميت في الصناديق  بحكم سرية التصويت.

فالامر يرتبط بمشاريع تعني كل المواطنين،  بل تتطلب ان يكون المواطن مركز المصلحة او المشروع التنموي .. ذلك أن المواطن المعسور يبقى في نفس المكان دون اي اشراك .

* ثانيا :  خلق الصراعات التي تجهز على المكتسبات .

غالبا ما يتم التخطيط بشكل محكم لقواعد التنافس حول السلطة دون السماح  لأي  طرف المساس بقواعد التداول السلمي للسلطة، أو تدبير  المكائد باسم الدولة ضد المواطن والوطن  أو باستعمال مختلف الذرائع والخذع  للمطالبة بالامتياز  أو الحصول على وعد بتلقي امتياز  لاحق مع ضمانات. ومادام  جوهر الصراع هو المصلحة بالمفهوم الواسع الذي حول الانسان الى كتلة مادية دون اعتبار للقانون وللقيم، فان  العملية  تكرس فساد الأوضاع العامة حيث يبقى غالبية المتنافسين مدى الحياة دون تغيير  او ابعاد ماعدى اولئك الذين يتجاوزون حدود الاحترام للثوابت أو اثاروا مشكلة تسبب ازمة وطنية.

  * ثالثا : استمرار  التناقض بين الاستهلاك و الإنتاج

بالرغم من وجود امكانية الإقلاع الاقتصادي الا ان  المتحكمين في الإنتاج يحاربون التنوع والتنافس الذي يخدم المواطن  بالجودة  و يراعي قدرته الشرائية ،  بل  نجد المواد المتوفرة والجاهزة للاستهلاك والتي تهم جميع حاجيات المواطن  لا تراعي جيب  و صحة المواطن وغير خاضعة للمراقبة كما هو الشان في الدول الاوربية مما يتم معه تعليل الازمة بوجود الأزمة و تبقى بذلك  القدرة الشرائية غير مناسبة  مادام المواطنين المحسوبين على الطبقة الوسطى هم قلة ومع تباعد العلاقات الاسرية زادت محن المواطنين الذين ليس لهم دخل قار ولا هم مقمحون  في دورة الانتاج بأية علاقة، فيلقى الاستهلاك  متناقض مع عوامل الانتاج وأهدافه.

  * رابعا : تدبير أزمة الاستثمار في الشباب

بالنظر الى عدد السكان ونسبة الشباب في المغرب يمكن التساؤل اليوم عن السبب في التخلي عن الطاقة البشرية  والفئات العمرية الشابة و القادرة ، والتساؤل أيضا عن كفاءة و قدرات الحكومة على ايجاد الحلول المختلفة لحل معضلة الشباب العاطل .. والتفكير الجدي في مواجهة هذه الآفة والرفع من قيمة المواطن  المغربي الى المرتبة التي يمكن ان يحس بها اي مسؤول قام بزيارة الى  دولة متقدمة.

فنسبة الشباب الذين يرغبون في الهجرة اليوم  رقم مخيف ويضع كل المسؤولين بمن فيهم اعضاء الحكومة  والذين تفلسفوا في مشروع الجهوية المتقدمة وأهدروا  أموالا طائلة دون تحريك للعنصر البشري الترابي  بشكل فعال وكذلك الذين أفشلوا النموذج التنموي المغربي، امام تفاقم ازمة  التخلي  عن الايمان بالوطن وأزمة صناعة الاهمال والاهانة الناعمة التي لا يمكن إثباتها قانونيا الا بالتأويل الفلسفي والسياسي لنية الحكومة . وقد اصبح لزاما اليوم التوجه نحو الدولة الاجتماعية  القائمة على تجديد الفكر والارادة والنهوض بادوارها   الحقيقية  ولو بالتخلي عن ما يمكن التخلي عنه او ايجاد ما يمكن ايجاده من حلول استعجالية لمشكل غلاء الاسعار، والحسم في مواضيع عمر فيها الفساد والتوجه نحو اقتصاديات الثقافة والاقتصاد الاجتماعي والسياسات الاجتماعية دون تماطل.

 إن الأزمة التي يريدها الفاسدون المتفردون بالثروات والسلطة  ليست قدرا محتوما، وان مؤشرات الهجرة والأمراض النفسية  والبطالة والفقر والطلاق  والعزوف عن الزواج وعن المشاركة في الحياة العامة هي بسبب انعدام المسؤولية الجماعية عن الأدوار الاجتماعية للدولة مما يعمق الإحباط الذي يصيب كل شخص يعيش في وطن ويحمل جنسيته دون اهتمام مستحق.

ان الأزمتين الخارجية والداخلية مترابطتين، بحيث أن تفاقم إحداهما يؤثر سلبا على الاخرى، وان تدبير إحداهما يفرض التعاطي بشكل متوازن، مع متطلبات التحكم والتعايش مع الاخرى، وان كان لكل منهما آليات خاصة فإنهما متكاملتين.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar