أزمة الكهرباء.. هل جنوب إفريقيا على حافة الهاوية؟

أمام أزمة الكهرباء المعلنة في جنوب إفريقيا ككارثة وطنية، في وقت تتزايد انقطاعات التيار الكهربائية المتكررة، يتساءل الشارع المحلي عن الإجراءات الاستثنائية لمواجهة الوضع.

وكان هذا التساؤل قد توجه به أحد أجنحة اللجنة التنفيذية الوطنية للمؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم في البلاد لمدة ثلاثة عقود) للرئيس سيريل رامافوزا مطلع فبراير الجاري، بهدف توظيف كافة الوسائل للتعامل مع أزمة طاقية وصلت إلى نقطة الانهيار، مع مطالبة المواطنين ورجال الاقتصاد بإجراءات عدة.

ولم تمر سنة 2022 وحدها دون معاناة الجنوب الإفريقيين من أكثر من 1900 ساعة من انقطاع التيار الكهربائي، وهي معاناة لم تتوقف، حيث أنه منذ مطلع السنة الجارية تواصلت تلك الانقطاعات بوتيرة يومية، مما كان له تأثير كارثي على الشركات كما المواطنين لتصبح الأزمة تهديدا واقعيا للاقتصاد الوطني والنسيج الاجتماعي للبلاد.

لذلك، لم يكن غريبا رؤية الشركة العمومية للكهرباء (إيسكوم) التي تزود البلاد بأكثر من 90 في المائة من كهرباء البلاد، وهي تتضرر بفعل تفاقم ديونها والتي بلغت هذا العام نحو 400 مليار راند (أكثر من 23 مليار دولار). ولكن، كيف وصلت جنوب إفريقيا وهي الدولة الأكثر تصنيعا في القارة، إلى هذا الوضع؟، وهل كان ضروريا حقا تصنيفه كارثة وطنية؟.

فبمجرد أن أعلن رئيس الدولة عن هذا التصنيف في خطابه عن حالة الأمة، أطلقت المعارضة العنان للنقد، وتواترت المخاوف بين الشركات والمجتمع المدني، خاصة في ظل الفساد المسجل في طلبات العروض ومشتريات البلاد في زمن الكارثة التي استمرت عامين بفعل جائحة (كوفيد ـ19).

كما أثيرت أسئلة حول مساهمة حالة الكارثة الوطنية في حل أزمة الطاقة في جنوب إفريقيا، اعتبارا لتوافر السبل التشريعية الحالية للتمويل في حالات الطوارئ والتخفيف من الضوابط القانونية التي تخضع لها الأسواق العمومية.

ونتيجة لذلك، شجبت أحزاب المعارضة الاحتكار الكبير للحزب الحاكم لتدبير أزمة مدمرة استمرت لفترة طويلة، بداعي أنه كان بالإمكان اللجوء إلى عدد من الإجراءات بفعالية لتجنب الوصول إلى الكارثة.

وفي هذا الصدد، أكد زعيم (التحالف الديمقراطي) الذي يعد أبرز أحزاب المعارضة جون ستيهويسن إن إعلان حالة كارثة وطنية ، تحت غطاء مواجهة أزمة انقطاعات التيار الكهربائي ، ستمكن الحزب الحاكم بنفس الطريقة من تجاوزات في عملية التموين، وتدفعه إلى سن قوانين مجحفة لا علاقة لها بأزمة الكهرباء. وقال إن ‘’حزب التحالف الديمقراطي لن يبقى مكتوف الأيدي ولن يسمح للحزب الحاكم بإساءة استخدام الكارثة الكهربائية التي أوجدها لمزيد من النهب والإساءة لشعب جنوب إفريقيا.

وأثار التعيين الوشيك، كذلك ، لوزير يشرف على الحلول لأزمة الكهرباء في البلاد، انتقادات واسعة، حيث شكك الكثير في هذا التعيين وجدواه والتساؤل عن دوافع “إضافة وزير آخر إلى المشكلة”، معربين عن الخشية من كونها طريقة أخرى من نهب الممتلكات العمومية.

ويرى عدد من السياسيين أن تعيين وزير جديد لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور أكثر ولن يحل بالتأكيد هذه المشكلة الشائكة التي استمرت لعقود من الزمن، حيث قال أحدهم مازحا ’’ يمكن أن ينتهي بنا الأمر مع وزير للحفر، ووزير للمراحيض.

بدوره، عبر مكتب الأعمال الريادية (بي إل إس أ) بأن الوضع في البلاد ’’ مقلقا في سياق انتهاك حقوق المواطنين الذي حدث أثناء حالة كارثة كوفيد ـ 19، مع فساد معمم في طلبات العروض المرتبطة بالوباء.

وفي رأي الرئيس المدير العام لمنظمة (أندوينغ تاكس أبوز) وأين دوفينهاش، فإن وزيرا جديدا لا يمكنه إلا أن يثير مزيدا من الارتباك، خاصة ’’وأن لدينا ثلاث وزارات متمثلة في دائرة المقاولات العمومية وزارة المعادن والطاقة ووزارة الكهرباء”.

إلا أن المحلل بيتر أتارد مونتالو كان واضحا أكثر عندما أكد بصراحة على ضرورة ’’مراقبة السلطات المركزية الجديدة والمسالك الجديدة للفساد عند إصدار قوانين حالة الكوارث’’.

وتأتي ردود الفعل هاته بينما الرئيس رامافوزا وأنصاره يعتبرون ان حالة الكارثة يجب أن تسمح قبل كل شيء للحكومة باتخاذ التدابير اللازمة لدعم الشركات سلسلة الإنتاج، والتخزين، وتموين الأغذية بالتقسيط، بما فيها نشر المولدات النشر، والألواح الشمسية ، والإمدادات غير المتقطعة للطاقة.

وفي وقت تبذل جهود لجعل حالة الكارثة في صالح (إيسكوم) وتمكنيها من الدعم اللازم، كان يتوقع أن تنتهي الميزانية من تفاصيل تخفيض ديون الشركة بنسبة 50 في المائة ودفع الحكومة إلى مواجهة مع كارتلات الفحم الذين يعيقون السير الطبيعي للمرفق العمومي للكهرباء.

وفي محاولة لتهدئة المخاوف بشأن إعلان حالة الكارثة، قالت وزيرة الحكامة التعاونية نكوسازانا دلاميني زوما إن هذا القرار سيساعد الحكومة على تنفيذ إجراءات الطوارئ لإنهاء أزمة الكهرباء، موضحة أن الأمر يتعلق بمحاولة حل بعض المشكلات التي يصعب حلها بالتشريعات الحالية.

وزكت الخبيرة الاقتصادية السياسية ليزا تومسون هذا الطرح بالتأكيد على أن حالة الكارثة ستحمي البلاد من الانهيار الاقتصادي الكامل، إذ ’’أننا قد نكون على الأقل محميين من كارثة اقتصادية شاملة في العام المقبل”.

ومع ذلك، فإن الإشكالية لا تزال قائمة، والنقاش يظل مفتوحا بين المؤيدين والمنتقدين لإقامة حالة كارثة وطنية لن تغير من الوضع في شيء، ما دامت جنوب إفريقيا ستستمر غارقة في الظلام بسبب الفوضى الإدارية لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي (الحاكم).

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar