مشاركة السيارات الخاصة.. خدمة بديلة لتيسير التنقل

في وقت يتعافى فيه سوق التنقل على غرار باقي القطاعات الاقتصادية، تستعيد خدمة مشاركة السيارات الخاصة مكانتها وتتسارع معها وتيرة اعتمادها كبديل للتنقل في المستقبل القريب.

ومع بلوغ عدد المغاربة المستخدمين للإنترنت عبر الهاتف المحمول 94,8 في المائة، يتحرك سوق مشاركة السيارات الخاصة، اعتمادا على العالم الرقمي، بخطى متسارعة نحو تحقيق تنقل متصل.

ونظرا إلى الإقبال المتزايد للمستخدمين، من المتوقع أن يساهم تشارك السيارات في تنقل حضري فعال ومستدام ورقمي وآمن، ويتموقع كبديل لامتلاك سيارة، إذ يقدم مزايا عدة على غرار الادخار والراحة والمرونة أثناء الاستخدام، كما يسمح بتقليل مستويات التلوث وازدحام الطرق ومشكلة نقص مواقف السيارات، مما ي حسن بدوره التنقل الحضري.

ومن شأن المبادرات الحكومية الرامية إلى تسريع التحول الرقمي، وتقليل انبعاثات الكربون، خاصة في المدن الكبرى التي تشهد ازدحاما طرقيا خانقا، إلى جانب الحرب الروسية-الأوكرانية التي أدت إلى فرض عقوبات اقتصادية على العديد من الدول والتي صاحبها ارتفاع أسعار السلع الأولية واضطراب سلاسل التوريد، أن تساهم جميعها في تعزيز سوق مشاركة السيارات.

مفاهيم جديدة ومبتكرة

في حوار خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أفاد نزار برداي، الشريك المؤسس للشركة الناشئة “وصلني معاك” (WsselniMaak) المتخصصة في تشارك السيارات ولشركة “وي ماتش ديجيتال” (WeMash Digital) التي تقدم خدمات الاتصال الرقمي، بأن “هذا السوق يتطور اليوم على نحو مطرد، حيث تتسع المفاهيم المبتكرة الرامية إلى إضفاء طابع ديمقراطي على النقل بالمغرب”.

وفي هذا الصدد، شدد على أهمية العمل على تنمية ثقافة مشاركة السيارات بالمغرب من أجل تطوير هذه السوق واستكشاف إمكاناتها الكامنة، والانتقال من مشاركة السيارات أثناء التنقل داخل المدينة إلى مشاركتها أثناء التنقل بين المدن، وذلك على الأقل للربط بين المدن الكبرى بالمغرب (مراكش والدار البيضاء والرباط وطنجة)، مشيرا إلى أن منصات تشارك السيارات تستقبل حاليا الكثير من الطلبات بهذا الخصوص، وأن “وصلني معاك” بدأت تنظر اليوم في فكرة تغيير محتمل لنمط عملها حتى تتمكن من توسيع نطاق الشريحة المستهدفة.

ومع ذلك، فإن مختلف الصعوبات التي واجهها قطاع السيارات خلال السنوات الأخيرة، والتي تنبع أساسا من تداعيات الأزمة الصحية وأزمة نقص الرقائق الإلكترونية، أدت إلى ضرورة استكشاف نماذج جديدة، بما فيها تسييل الخدمة الرقمية للزبون، واستخدام البيانات وتدبيرها، والامتثال لأهداف التنقل.

تشارك السيارات، نموذج مستدام؟

مستقبلا، سيتطلب التنقل استعمال السيارة كخدمة بيئية. هذا هو النموذج الجديد الذي يطمح إليه التنقل المستدام.

وقد كشفت الأزمة الصحية العالمية عن خلل بعض ممارساتنا، لا سيما علاقتنا مع البيئة. لذا فقد أضحت الانشغالات البيئية اليوم في صلب التصورات الخاصة بعلاقتنا بالنقل وارتباطه الوثيق بالبيئة. ويرى الفاعلون في قطاع تشارك السيارات في ذلك فرصة لتثمين القيم المجتمعية والبيئية للمنصات المخصصة لهذا الغرض.

وإذا ما تعززت هذه الفرصة برغبة قوية في الابتكار، فإن العديد من الحلول لتقليل الأثر البيئي لقطاع النقل موجودة ومتوفرة، تماما كما هو الحال مع هذه الشركات التي تزداد عددا لتلبية النداء العالمي لتحقيق تنمية مستدامة والتي تشجع على اعتماد مبدأ مشاركة السيارات أثناء التنقل في المدن للحد من الانبعاثات.

وفي هذا السياق، سلط نزار برداي الضوء على ضرورة تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص بغية مواصلة تطوير ودمقرطة خدمات تشارك السيارات، مبرزا أن الاستثمار العمومي يتيح للشركات العاملة في هذا القطاع فرصة تعزيز الابتكار وتكثيف التصاميم ونماذج الأعمال.

الإطار القانوني.. آن الأوان لإجراء تعديلات

على الرغم من المزايا العديدة التي يتيحها تشارك السيارات، إلا أنه يحمل في طياته بعض المخاطر التي تبعث على الخوف والقلق، وفي مقدمتها عدم وجود إطار قانوني، مما يشكل عقبة رئيسية أمام نمو السوق.

وترى إكرام، م درسة (24 سنة)، أن اعتماد تشارك السيارات يتيح مزايا عدة، أهمها تكلفته الأقل مقارنة مع ركوب سيارة أجرة، وتجنب عوامل الضغط المرتبطة بالتنقل أثناء فترات الذروة، فضلا عن كونه أكثر ملاءمة من المواصلات العمومية إذ تصل إلى وجهتك بالتحديد. وأوردت أنها “كفتاة، فإن مشاركة التنقل مع شخص غريب ينطوي على مخاطر عدة، وأن ضمان العودة في رحلة ذهاب وإياب يستدعي تدارس الأمر قبل الإقدام على طلب تشارك السيارات”.

وقد يحمل الأشخاص تصورا سلبيا حول مدى موثوقية هذه الوسيلة سواء على مستوى تقدير مدة الرحلة أو من حيث المخاوف المرتبطة بالأمن. وبصفة عامة، تتمثل إحدى أكبر العقبات أمام منصات تشارك السيارات في مدى مصداقية هذه البرامج.

ومع ذلك، فإن انطلاق امرأة أو رجل في رحلة مع غرباء، سواء لمدة زمنية قصيرة أو طويلة، ليس بالأمر الهين ويشكل عامل خطر على الراكب الذي لا يجلس خلف المقود، وعلى السائق الذي يسمح بانضمام شخص غريب إليه.

ويعتبر أخذ الجانب الاجتماعي في عين الاعتبار أثناء تشارك السيارات، إلى جانب تنظيم العلاقة التي تجمع بين السائق والراكب، أمرا ضروريا، شأنه شأن تنظيم إطار العمل أو ثراء العرض. ولن تشهد ممارسة اعتماد تشارك السيارات نموا في مجتمعنا إلا حينما يوضع إطار قانوني كفيل بالتغلب على الحواجز النفسية التي ينطوي عليها التنقل مع الغرباء.

وتتمثل أهم التحديات التي يجب أن يتطرق لها الإطار القانوني في تشجيع المنصات على تجسيد هذه الثقة من خلال إجراءات تحديد الهوية وتقييم سلوك كل طرف.

وفي هذا السياق، أكد السيد برداي أن وضع قوانين منظمة للقطاع أضحت اليوم ضرورة، خاصة وأن تشارك السيارات أصبح ممارسة فعلية “لا مفر منها، شئنا ذلك أم أبينا. لذا وجب البحث عن أرضية تفاهم مشتركة بين وسائل النقل التقليدية وهذا النوع من التطبيقات التي تملك اليوم عددا لا بأس به من الزبائن مقارنة مع إجمالي ساكنة المغرب”.

وأضاف أن “وضع القوانين سيسمح أيضا بتأطير هذا النشاط ووضع حد للصراعات القائمة بين سائقي سيارات الأجرة ومؤسسي التطبيقات الذكية لخدمات استئجار سيارة مع سائق، مما سيخلق نظاما للتنافس الشريف الكفيل بتحديد نقاط قوة كل واحد على حدة وتسليط الضوء على جودة الخدمة من أجل إرضاء المستهلك وطمأنته قبل كل شيء”.

وتبقى استدامة اعتماد تشارك السيارات رهينة بإحداث منصات وبلورة حلول رقمية مخصصة لهذه الممارسة، إلا أن الجانب القانوني والأمن بشكل عام، بما في ذلك الشعور بالاطمئنان أثناء الرحلة، تشكل العوامل التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتعزيز فعالية وكفاءة هذا النشاط.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar