مشهد النظام العسكري الجزائري.. بين الديكتاتورية والهلع النفسي

يتميز النظام العسكري الجزائري بركود النظام السياسي، وعدم حدوث تغيير، وسيطرة الجيش، وتدهور الاقتصاد، وتفشي مظاهر الفساد في الإنفاق مع واجهته الحكومية،، وهي أسباب مرضية ونفسية متراكمة، تعرف صراعا لأجنحة الحكم الضيقة، المتعارضة داخليا بين المؤسسة الأمنية والقيادات العسكرية والاستخباراتية، المتكونة من مجموعة من القادة العسكريين ومسؤولي الاستخبارات ونخبة رجال الأعمال والسياسيين الموالين للحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني جزب النظام العسكري الجزائري الفاعل الرئيسي، حيث يؤدي دوراً محورياً في إدارة الدولة والتحكم في التفاعلات السياسية

لأن السلطة السياسية في الجزائر تسير على ما يرسمه لها العسكريون منذ نشأة الجزائر سنة 62، وأن التدخل القوي للمؤسسة العسكرية في الشأن السياسي أسهم في تنامي التهديدات الإقليمية، وضبابية المستقبل السياسي للبلاد. نظرا لاستقواء المؤسسة العسكرية على مراكز القوى الأخرى التّي شكلّت النظام السياسي للبلاد لتتركّز عناصر القوة والسلطة في يدّ القيادة العسكرية القائمة. والحريصة على الاستمرار في أداء هذا الدور بعد أن أمسكت بزمام المبادرة السياسية

ساهم فيه المشهد السياسي الجزائري المعقد؛ إذ أن السلطة والمعارضة في قبضة جبهة التحرير منذ نشأتها كحزب وحيد، جعلت المعارضة الفعالة غائبة كلياً عن المشهد؛ إما بالإقصاء إلى السجون أو النفي أو البقاء على هامش الحياة. السياسية التي تدار من مراكز بن عكنون. وذلك بتشديد الخناق الامني وتزايد القمع الداخلي، وشراء السلم الاجتماعي ليعيش الجزائري:
– الحگرة، أي الإحساس بالإذلال والقمع ، وإنكار للكرامة.
– والحرگة،أي الفرار من الجزائر والهجرة بشكل غير قانوني، وحرق أوراق الهوية لجحيم النظام.

والهدف هو إرهاب الجزائريين، من خلال اللجنة التي يرأسها وزير الداخلية، والتي ليس لها اختصاص قضائي، تقوم بتصنيف أي شخص على أنه إرهابي حتى وإن لم تتم إدانته، لترهيب وتخويف أي جزائري يسعى للديمقراطية ولدولة مدنية، بعد الإفلاس السياسي والامني الذي يتخبط فيه النظام العسكري الجزائري.

ونظرا لكون الهدف السياسي عسكري للجزائر، فإن السياسة الدفاعية باعتبارها الكيفية التي تنفذ بها السياسة العامة للدولة في المجال العسكري.
والتي تجمع بين البعد العسكري والبعد السياسي، مثل: مفهوم العقيدة العسكرية، ومفهوم السياسة العسكرية، ومفهوم الأمن. ووفق عوامل تبنى عليها السياسة العسكرية، كالهدف المراد تحقيقه وفي هذه الحالة المس بالوحدة الترابية للمغرب عبر ميليشيات البوليساريو الإرهابية، والإمكانات المتيسرة كتسابق النظام العسكري للتسلح، وطبيعة الطرف المعادي، وهنا المغرب كعقدة نفسية هيستيرية لكازيرنات بن عكنون. تحولت إلى كابوس حقيقي يؤرق مضاجع هذا النظام الوظيفي،

وأصبح تصعيدهم بدون معنى، أوصلهم إلى حد لا يمكن التراجع عنه، بتوظيف إعلام قذر في صراعهم المرضي، وإحساس هذا النظام الوظيفي القذر بالفشل الذريع في مواجهة العمل الدبلوماسي المغربي، جاعلا من الوحدة الترابية للمغرب.الهدف المركزي لكل المبادرات والتحركات الدبلوماسية للموظفين الجزائريين.

وذلك باستخدام دبلوماسية الشيكات لكسب ود بعض الدول الفقيرة، كضخه مبلغ مليار دولار لصالح الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية لتمويل مشاريع التنمية في البلدان الأفريقية ، التي تم إنشاؤها في أبريل 2020 ، بقيادة بوجمعة دلمي، للتحرك في منازعة المغرب في وحدته الترابية بعد تورطه في ميليشيات البوليساريو كشأن داخلي، لتكون ذراعًا لفشله الدبلوماسي في إفريقيا. في الوقت الذي يجر فيه الجزائريين الشيطان من ذيله، بمعاناته مع أزمة توريد المواد الغذائية الأساسية.

هذه العقدة المرضية/الماروكوفوبيا التي بني عليها النظام العسكري الجزائري تتجلى من خلال التنسيق العام بين سياسته الخارجية وسياسته الدفاعية وتهيئة الرأي العام الجزائري لصراعه الكلاسيكي المزعوم بتوجيه اهتمام الجزائريين للعدو الخارجي لبسط سيطرته على الحكم ومفاصل اقتصاده الريعي. يعكس مدى التخبط الذي تعيشه الجزائر على أكثر من صعيد، لكون العقيدة الاستخباراتية، والأمنية، والعسكرية لحكام “قصر المرادية”، مؤسسة بالكامل على ما يسمونه المغرب (المروك) العدو الكلاسيكي

فعدم احتمالية حدوث تراجع في ميزانية المؤسسة العسكرية القائمة التّي تُباشر عملية تسلّحٍ هائلة ودعماً كميّا ونوعياً للقدرات الدفاعية للبلاد، تعرف البلادُ في المقابل مشكلاتٍ اجتماعية عميقة تكادُ تمسّ كافة القطاعات تستوجبُ تخصيص ميزانياتٍ ماليةٍ ضخمةٍ على غرار تلك المُخصّصة للتسلّح،، مما يجعل القدرة العسكرية للنظام العسكري الجزائري وكفاءتها بالمدى الذي يمكن أن تساند وتدعم به السياسة الخارجية هشة وبدون وزن بل مجرد انفعالات هيستيرية، وهو ما يجعل قرارها السياسي قراراً فاشلا. تتوقف للخلل والإضطراب الذي يعيشه الوضع الداخلي المتأزم في مختلف المجالات، خصوصا أمنيا وتنمويا.

وتُعتبر روسيا المُورّد الرئيسي للسلاح الجزائري إذ يُمثّل السلاح الروسي أكثر من 75% من سلاح الجيش الجزائري، كما تستحوذ الجزائر على ما نسبته 52% من سوق السلاح الروسي في أفريقيا، بينما تُعتبر الصين المستثمر الأول في البلاد متغلّبةً على فرنسا منذ سنة 2012  ومع كلاَ القوتين تحظى الجزائر بعلاقات حميمية عميقة منذ أيّام الاحتلال الفرنسي للبلاد. نظرا للبعد التاريخي والجغرافي والاقتصادي، الذي يربط بين الجانبين والذي تضبطه فرنسا حفاظا على مصالحها الأمنية والإستراتيجية. التي تدرك دور الجزائر في زعزعة استقرار شمال مالي والدول المجاورة من خلال موافقتها على ترسيخ روسيا في المنطقة ، وعلاقاتها المشكوك فيها المزعومة مع الأنظمة الانقلابية في مالي وبوركينا فاسو ، فضلاً عن علاقاتها المشبوهة مع الجماعات المسلحة في المنطقة

هذا إلى جانب تنفيذ الجزائر اجندة إيران في افريقيا عبر البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب. بعد التوغل الإيراني بالجزائر ودخول فرق من الحرس الثوري الإيراني لتندوف لتدريب ميليشيات البوليساريو الإرهابية الذراع العسكري لنظام كازيرنات بن عكنون، على كيفية استخدام الطائرات المسيرة بتنسيق مع مخابرات النظام الوظيفي بالجزائر

وتواجه الجزائر ضغوطا أميركية متصاعدة بشأن علاقتها مع روسيا، لاسيما مع تصاعد الاستقطاب الأميركي-الروسي في أفريقيا. خصوصا صفقة أسلحة روسية ضخمة لتعزيز القدرات العسكرية الجزائرية قدرت ب17 مليار دولار، وهو ما تنظر إليه الولايات المتحدة على أنها مساعدة مالية جزائرية لروسيا في حربها مع أوكرانيا؛ ووضع حد للمواقف الهلامية للنظام العسكري الجزائري؛ وهو ما انعكس بشكل واضح على الزيارة التي قام بها قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، الجنرال مايكل لانغلي

وأن استدراج الجزائر إلى الحلف الروسي يزيد من استياء الغرب، وخاصة الولايات المتحدة من مثل هذا التقارب المقلق، كإبراز روسيا ذلك التعاون العسكري بتنفيذ المناورة العسكرية الجزائرية الروسية المشتركة «درع الصحراء»، في منطقة بشار على الحدود المغربية إلى جانب طابعها الاستفزازي حيال المملكة، رسالة روسية إلى الغرب مفادها قدرة موسكو على التمدد والنفوذ في منطقة استراتيجية بالغة الحساسية بالنسبة لأوروبا وللولايات المتحدة

كما أصبحت الجزائر جسراً لوجستياً لعبور الإمدادات العسكرية الروسية جواً نحو مالي ودول إفريقية آخرى، لذلك فهي تشكل بؤرة تركيز أمريكي وأوربي لتفكيك ارتباطها مع موسكو.

ونظرا للعقلية العسكرية المضطربة نفسيا التي تدير الجزائر، قد يقود إلى تحرك فعلي لواشنطن بفرض عقوبات ضد الجزائر. وسبق أن طالب نواب في الكونغرس الأميركي بفرض عقوبات على الجزائر، وإدراجها ضمن كاتسا CAATSA أو “ما يُعرف بقانون أعداء أميركا”. ”. كما أعربت مجموعة من أعضاء الكونغرس، بزعامة ليزا ماكلين، في رسالة توجهوا بها إلى كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، عن “القلق بشأن التقارير التي تتحدث عن العلاقات المتنامية باستمرار بين روسيا والجزائر”.

وفي هذا الإطار جاءت الدعوة التي وجهتها فرنسا ل«سعيد شنقريحة» رئيس أركان الجيش الجزائري كشريك فاعل في رسم معالم التقارب بين الجانبين وتوحي بأنها زيارة بمهام أكثر من عسكرية،، ومن أجل معاينة ما قد يحتاجه الجيش الجزائري من العتاد المتخلى عنه فرنسيا، و الذي سيتم بيعه للجيش الجزائري؛ استثمرتها فرنسا لتجنيب هذا النظام العسكري الوظيفي للعقوبات الأمريكية ولتكون بديلا لصفقة الاسلحة مع روسيا.

كما فرضت على القيادة الجزائرية إنفاق 15 مليار دولار لشراءالعتاد القديم، و يتضمن هذا العتاد غواصات “سكوربيون” و مدرعات “لو كلارك” و طائرات خرجت من الخدمة من نوع “داسو ميراج 2000″، وطائرات “رافال” من الجيل الأول التجريبي بنسخة قابلة للتحديث، و مدافع سيزار و حوامات النقل التكتيكي من نوع “اوروكوبتر” (EUROCOPTER).

لتجد الجزائر نفسها عالقة بين محورين متضادين: روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة ثانية،

فرفع ميزانية التسلح لدى النظام العسكري الجزائري لا يجد له أيّ مبرّر سوى وجود مخاوفٍ جزائريةٍ من إمكانية تعرّضهم لحصار دولي، في أيّ وقتٍ نظراً لحجم المُشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التّي تعيشها الجزائر ، والعجز الديمقراطي للنظام، جعلت الجزائر نفسها غارقة في الأزمات على كلِّ الجهات، لكون مستقبل الدولة يرتكز على الشركة الوطنية للمحروقات (سوناطراك)، والقطاع المصرفي. والضحية هم السكان، الذين يعانون من الندرة وارتفاع الأسعار والتفقير غير المسبوق بسبب فشل النظام، نظرا لكون المنتجات الأساسية المدعمة (السميد، الخبز، السكر، الزيت، الحليب) لا تشكل سوى 1% من الناتج المحلي الإجمالي في 2022

كما تعرف نشاطاً غيرَ مسبوقٍ لجماعاتٍ انفصالية كالماك و جماعة الأزاواد الانفصالية وأقليّة الطوارق أيضاً التّي تريد إقامة دولةٍ لها تشملُ جزءاً من حدود الجزائر الجنوبية.

فالجزائر تعيش ما يوصفُ “المعضلة الأمنية”، وهو المصطلح الذّي ابتكره سنة 1950 الباحث الأمريكي جون هيرتز John Herz ، وهي حالةٌ مختلفةٌ تماماً عن سباقِ التسلّح، وتعني الحالة المستمرة من الشكّ واللايقين في المدركات الأمنية لصنّاع القرار في بلد ما تجاه بلد جار؛ كما هي حالة الجزائر الهيستيرية، في هذه الحالة فإنّ الإجراءات الأمنية والعسكرية التّي يُقدم عليها أحد البلدين (كمسألة شراء الأسلحة مثلاً) لأجل أسباب يعتبرها دفاعيةً، تُؤّوَلُ في الجهة الأخرى بأنّها إجراءاتٌ هجومية يسعى من خلالها ذلك الطرف إلى تهديد الأمن القومي له، وبالتالي تتطلّب إجراءاتٍ أمنية وعسكريةٍ مماثلةٍ، تلعب المدركات الأمنية لدى صانع القرار الدور الأهم، وهذا ما ينطبق تماماً على الحالة التّي تعيشها الجزائر

وتنفق الجزائر سنوياً مئات الملايين من الدولارات لتدريب وتجهيز وإيواء الميليشيات الإرهابية للبوليساريو، دراع النظام العسكري الجزائري في عدائه للمغرب وذلك بإشغال المغرب بقضيةٍ أخرى تُهدّد أمنه القومي، آملة أن تكتسب الجزائر أفضليةٍ جيوبوليتيكيةٍ، بالحصول على منفذٌ آخر على المحيط الأطلسي، باستعمال البوليساريو كبش فداء صراعها مع المغرب ليُقدّم لها خدماتٍ لوجستية في أفريقيا بل ومزايا اقتصادية كبيرة أيضاً.

هذه اللعبة الأمنية التي يمارسها هذا النظام على شعبه منذ عقود طويلة أضحت اليوم مختلفة نوعا. إنها مصبوغة حاليا بهذا التحوّل الدولي الذي يجري اليوم في ساحات عديدة؛ والذي ينبئ بإمكانية نشوء وإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد وفقا لقواعد وتحالفات مختلفة وجديدة.

جعلت حكام “نادي الصنوبر”، يحاولون فك العزلة التي يعيشها نظامهم العسكري المرفوض شعبيا، والمخنوق إقتصاديا والمُحتقن اجتماعيا وسياسيا، لوجوده في مفترق التيهان بسبب العقدة المغربية وضغط البوليساريو. الذي تحول من أداة إلى مشكلة نفسية لهذا النظام.

وجاء انعقاد مجلس الحرب في الجزائر بعد 30 عاما من الغياب لا يمثل إلاّ علامة ارتباك وتيه يغرق فيها النظام الجزائري الذي يترقب مصير تموقعه المستقبلي بين الولاء لروسيا والتبعية لفرنسا. للبحث عن البوصلة المفقودة بعد هذه التطورات الدولية التي بعثرت أوراق القيادة الجزائرية وأتلفت مستندات المناورة السياسية. في لحظة توتّر نفسية بليغة يعيشها هذا النظام العسكري القذر.

يتميّزُ النظام السياسي الجزائري بطبيعته العسكرية، فمنذ استقلال الجزائر إلى اليوم يتحكّمُ الجنرالات في القرارات الكبرى للجزائر من وراء الستار، وليس للمدنيين دورٌ مهمٌّ في ذلك، لذا فالعقلية العسكرية لصانع القرار الجزائري ساهمت بشكلٍ كبيرٍ في ارتفاع متتابعٍ لحجم الميزانية العسكرية للبلاد على حساب الميزانية المُخصّصة للقطاعات الأخرى،

جعلت الجزائر تعيش ظروفاً اجتماعية واقتصادية سيّئةً، يواجهها النظام العسكري الحاكم بقبضةً أمنيةً قويّةً حسب ما يرى صنّاع القرار، على غرار الإضرابات المستمرة التّي تُباشرها كافة القطاعات كقطاع التعليم، الصحة ونقابات العمّال وغيرها،

فما دام الفاعل العسكري لا يزال مهيمناً على القرار السياسي للجزائر، فإنّ “ظاهرة العسكرة” هذه سوف تستمر، ويستمرُ معها التسليح الضخم أيضاً، كما ستبقى بعضٌ من الشخصيات العسكرية أو المدنية المرتبطة بها مستفيدةً بشكلٍ كبيرٍ من الناحية الشخصية، من جرّاء مثل هذه الصفقات المهولة للسلاح.

بناءً على العقلية العسكرية لصانع القرار التّي تُشكّل المدركات الأمنية، وتحدّد العقيدة العسكرية للبلاد.، بالرغم َمن عدم وجود علاقة حتمية بين تخصيص الدولة لميزانيةٍ عسكريةٍ ضخمةٍ وبين درجة تخلّفها الحضاري أو مستوى ديمقراطيتها الهشّة والمتدهورة بها أو المستوى الاجتماعي والاقتصادي الهشّ التّي تعرفه الجزائر، فالأمر راجعٌ لعدم اهتمام النظام السياسي الجزائري بالقطاعات الأخرى، وبالجزائري كمواطن وليس من الأهالي المنكفئ؛ والمجبر على الإنعزال عن الحياة السياسية؛ كثروة بشرية من شأنه أن يطور مفهوم الامن القومي في أذهان صناع القرار ببن عكنون غير وزارة الدفاع.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar