صومعة حسان بالرباط.. قصة معلمة تاريخية “نصفها ذهب”

تنتصب “صومعة حسان” بالعاصمة المغربية الرباط، على رابية تطل على مدينة سلا وعلى نهر أبي رقراق الفاصل بين المدينتين الجارتين، وتعد هذه الصومعة التي أشهر مآثر الدولة الموحدية ورمزا من رموز الفن المعماري المغربي الأندلسي.

وشيدت هذه المعلمة في عهد السلطان يعقوب المنصور الموحدي وكانت الصومعة ضمن مشروع مسجد انطلقت أشغال بنائه عام 1197 وأراده السلطان أن يكون حينها من أكبر المساجد في عهده غير أنه لم يكتمل إلا بعد وفاته.

ويعتقد المؤرخون أن مسجد حسان وصومعته الشهيرة، بني على نمط مسجد الكتبية بمراكش، الذي تعد أول مسجد يقيمه الموحدون عام 1147، وعلى نمط الخيرالدة، أو المسجد الكبير الذي بناه السلطان الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور عام 1184 بإشبيلية.

وتقول مصادر تاريخية إن يعقوب المنصور أمر قبل وفاته باستقدام 700 أسير من معركة “الأرك” التي انتصر فيها على ملك قشتالة، ألفونسو الثامن عام 1195 لبناء المسجد، وقرر تشييده على مساحة تقارب 2500 متر مربع، أما علو الصومعة فتوقف عند 44 مترا بينما كان المفترض أن يصل 80 مترا.

وكغيرها من المآذن في عصرها، بنيت الصومعة وفق الطراز المعماري المغربي الأندلسي، وحرص مهندسها على تصميم ست غرف بداخلها يصلها سلم داخلي ملتو يؤدي إلى جزئها العلوي، واستخدم هذا السلم لنقل أدوات البناء من حجر وطين على ظهر الدواب إلى أعلى الصومعة.

 وعن تصميمها وجمال هندستها، كتب أبو عبد الله محمد بوجندار، في مقدمة (الفتح من تاريخ رباط الفتح)، “ومما يستحق أن يذكر أن في أحد جدرانها على يمين الصاعد نافذتين عظيمتين مقوستين بهندسة غريبة وإتقان وأمامها بيت مربع في جوف قطب المركز الذي تدور عليه جدران الصومعة، فإذا سامتهما الشمس ارتسم الضياء النافذ منهما في داخل البيت المذكور في كيفية عجيبة على شكل خطين منحرفين مشتبكي الوسط متفرقي الأطراف ولم يدر إلى الآن ما الفائدة المقصودة منها”.

اختلف المؤرخون في سبب اختيار السلطان الموحدي اسم “حسان”، وتباينت التفسيرات بينهم لتحديد هوية صاحب هذا الاسم، وفي هذا السياق يقول عبد المالك ناصري، أستاذ التاريخ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله، في مقال نشرته مجلة “زمان” المغربية، إن الغموض ما يزال يكتنف سبب اختيار مكان تشييده واسمه.

وجاء في المقال “نسبه البعض إلى القيم على البناء، بل ذهب البعض إلى أن حسان هذا هو مهندس أندلسي يعود إليه وضع تصميم المسجد والمئذنة (…) ويعقد البعض الآخر أن اسم حسان هو نسبة إلى قبيلة بني حسان +بني حسن+ العربية، التي كانت مستوطنة لجزء من سهل الغرب، كما تساءل البعض الآخر عن احتمال انتقال لفظ +الجامع الحسن+ إلى جامع حسان، لأن من عادة المغاربة وخاصة أهل الرباط وسلا، إطلاق اسم الجامع الحسن على بعض المساجد الضخمة”.

لم يكتب لمشروع مسجد “حسان العظيم” أن يكتمل، إذ عجلت وفاة السلطان المغربي عام 1199 بوقف بنائه، كما دمر زلزال عام 1755 ما بني من المسجد، وألحق أضرارا بجنباته، باستثناء صومعته الذي بقيت صامدة إلى اليوم.

وعن وضعه بعد وفاة السلطان الموحدي، يضيف أبو عبد الله محمد بوجندار “كان مسجد حسان من أعظم مساجد هذه البلاد المغربية وأكبرها وأبهجها وأفخرها وأمتنها بنيانا وأكثرها إتقانا وأفسحها مكانا، وهو وإن تلاشت صورته اليوم من العيان فلا زالت جملة أوصافها راسخة في الأذهان مسجلة تفاصيلها بمداد الإعجاب على صفحات التاريخ وبطون الأيام”.

عادت الحياة إلى الصومعة وإلى محيطها عام 1961، حين قرر الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، تشييد ضريح لوالده محمد الخامس (توفي عام 1961) لا يبعد إلا بأمتار قليلة عن صومعة حسان.

خلافا للمقولة الشائعة “نصف صومعة حسان ذهب”، لم يذكر المؤرخون اعتماد معدن الذهب في بناء أو تزيين صومعة حسان، بل المقصود بهذا المقولة الذي يرددها المغاربة في ألغازهم، تعرض نحو نصف الصومعة إلى الدمار والخراب بعد زلزال عام 1755.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar