وكالة الطاقة الذرية تعلن العثور على اليورانيوم المفقود في ليبيا

لا يزال اختفاء عدد من براميل اليورانيوم من أحد المواقع الليبية، يثير أسئلة عن حقيقة الأسباب التي تقف وراء إثارة الملف النووي الليبي في هذا التوقيت، فيما يعبّر مراقبون ليبيون عن قلقهم إزاء تحول ليبيا إلى ساحة تصفية حسابات بين أقطاب دولية.

وبعد السجال الحاد بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر بشأن حقيقة اختفاء كمية من اليورانيوم الخام تقدر بنحو 2.5 طن، عادت الوكالة الدولية وأعلنت العثور على الكمية المفقودة، وفقاً لتقرير نشرته وكالة “رويترز” ليل أمس الجمعة.

وكانت الوكالة الدولية قد أعلنت في 15 مارس الجاري، فقدان عشرة براميل تحمل نحو 2.5 طن من اليورانيوم الطبيعي، من موقع في ليبيا، وأنها ستجري تحقيقات إضافية لـ”تبيان ظروف اختفاء هذه المادة النووية، ومكان وجودها حالياً”.

وفي اليوم التالي لإعلان الوكالة الدولية، أصدرت قيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر بياناً، أعلنت فيه عثورها على كمية اليورانيوم المفقودة في منطقة لا تبعد إلا حوالى خمسة كيلومترات عن المستودع، في اتجاه الحدود التشادية.

وفيما أرفقت قيادة حفتر بيانها بفيديو يظهر شخصاً يقوم بعدّ 18 برميلاً من الكمية المفقودة، قالت إنها أبلغت الوكالة “بعدم إعلان فقدان الكمية، باعتبارها موجودة، وأنّ من استولى عليها يجهل طبيعتها، ولا يعرف خطورتها، وتركها بعد أن أدرك أنه لا جدوى منها”. وأكدت الوكالة الدولية ليل أمس أن “أغلب خام اليورانيوم الطبيعي المركز البالغ وزنه 2.5 طن تقريباً الذي أُعلن فقدانه في الآونة الأخيرة من أحد المواقع في ليبيا، عُثر عليه في الموقع نفسه”، بحسب وكالة “رويترز” التي اطلعت على البيان.

وأوضحت الوكالة الدولية للطاقة أن ذلك جاء بعد أن أجرت تفتيشاً يوم الثلاثاء، واكتشفت أن “كمية ضئيلة نسبياً من خام اليورانيوم المركز ما زالت مفقودة”، في متابعة لبيان قيادة حفتر التي أعلنت عن براميل خام اليورانيوم المركز بالقرب من المخزن الذي أُخذت منه في جنوب ليبيا.

وأفادت الوكالة الدولية بأنه خلال التفتيش، “لاحظ مفتشو الوكالة أن البراميل التي لم تكن موجودة في الموقع المعلَن في وقت التفتيش السابق قد أُعيدت، وتُركت على مقربة من هذا الموقع”، وتابعت: “أكد مفتشو الوكالة أن هذه البراميل تحتوي على خام اليورانيوم الطبيعي المركز، وشهدوا إعادة نقلها إلى الموقع المعلن عنه لتخزينها”.

وفيما لم تعلن الوكالة وقيادة حفتر عن مواقع تخزين مادة اليورانيوم في جنوب البلاد، كشفت مصادر أمنية ليبية عن المواقع التي زارها مفتشو الوكالة الدولية يوم الثلاثاء الماضي، وتوافقت معلومات المصادر على أنها ثلاثة مواقع تقع في محيط مدينة سبها جنوبيّ البلاد، موقع في مخازن التسليح في جبل بن عريف، وموقع في ورش الصيانة داخل قاعدة تمهنت، وموقع في مقر الكتيبة العاشرة مشاة التابعة لحفتر، وكل هذه المواقع تحت سيطرة مليشيات حفتر.

وإثر إعلان نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي عام 2002 تخليه عن برنامجه النووي، أعلن في عام 2009 تخلصه نهائياً من كامل كميات اليورانيوم المخصب بمساعدة خبراء وكالة الطاقة الذرية، مبدياً رغبته في البدء بالتخلص من كميات اليورانيوم الطبيعي.

وفيما لم تشر بيانات نظام القذافي عن كامل كميات اليورانيوم المخصب التي جرى التخلص منها، وكميات اليورانيوم الطبيعي التي لا تزال في المستودعات، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا طارق متري، كشف خلال إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن في نوفمبر 2012 عن عزم مفتشي وكالة الطاقة زيارة مخازن بالجنوب الليبي تحتوي على حوالى 6400 طن من اليورانيوم الطبيعي “المخزن في قاعدة بالقرب من سبها”، مشيراً إلى أن خبراء المنظمة ساعدوا ليبيا في تدمير تسعة أطنان مترية من اليورانيوم المخصب.

لكن مسألة تأمين كميات اليورانيوم الطبيعي باتت قضية مقلقة في ظل الأوضاع الأمنية التي عاشتها البلاد بعد عام 2011. ففي أكتوبر 2013، كشفت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية عن وجود مستودع بمدينة سبها يحتوي على 6.5 آلاف برميل لا تخضع لأي حماية، وأعقبه تحذير من مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة في الشهر نفسه من ترك هذه الكمية دون حماية، وهو ما نفته الحكومة الليبية المؤقتة آنذاك، على لسان وزير الخارجية محمد عبد العزيز.

وأكد عبد العزيز، في تصريحات صحافية، أن الكمية التي أشارت إليها “ذا تايمز” ومندوب روسيا “تم تأمينها بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وأنه “لن يتم المساس بمخزون ليبيا من اليورانيوم الطبيعي”، مشيراً إلى نية بلاده استخدام هذا اليورانيوم “في التنمية الصناعية والزراعية وفي إنتاج الطاقة النظيفة في ليبيا”.

خطر إشعاع نووي؟

ولا يعبّر أستاذ هندسة الطاقة، الخبير السابق في مركز البحوث النووية في طرابلس، عثمان أبو شرافة، عن ارتياحه إزاء بيانات قيادة حفتر ووكالة الطاقة الذرية، معتبراً في حديث إلى “العربي الجديد” أنها “منقوصة ومرتبكة، وتعكس وجود شيء غير معلن”، لافتاً إلى أن “كلا الجانبين لم يوضح حقيقة الكمية المفقودة، فبينما قالت وكالة الطاقة الدولية أن المفقود عشرة براميل، أظهر فيديو قيادة حفتر 18 برميلاً، ثم عادت الوكالة أمس للقول إنه تم التأكد من العثور على الكمية المفقودة، يعني البراميل العشرة”، وتساءل: “ماذا عن البراميل الثمانية الأخرى، وكيف يمكن فهم وجود كمية ضئيلة لا تزال مفقودة في وجود ثمانية براميل زيادة على العشرة التي عثرت عليها الوكالة بعد فقدانها؟”، مؤكداً أن هذا التضارب في العدد يثير القلق وعدم صدقية الطرفين.

ورغم تأكيد وكالة الطاقة الدولية أن الكمية المفقودة أقل من الكمية اللازمة لصنع قنبلة نووية، إلا أنها حذرت من أن يمثل فقدان تلك الكمية “خطراً إشعاعياً، فضلاً عن المخاوف التي تهدد الأمن النووي”، وهو ما يؤكده أبو شرافة، قائلاً في حديثه لـ”العربي الجديد”: “إذا كانت الكمية المفقودة تمثل خطر الاشعاع، فالسؤال لا يزال قائماً عن كامل الكميات الأخرى التي لا تُعرف ظروف تخزينها وحجمها”.

وأشار إلى أن “فقدان الكمية المعلنة دليل على عدم خضوع هذا المستودع وغيره من المستودعات للرقابة الكافية التي تكفل الأمان من الاشعاع، ما يزيد من مسؤولية الوكالة الدولية والدول الأعضاء فيها”، مطالباً بأن تُعامل هذه الكميات في المستودعات معاملة النفايات الخطيرة، باعتبارها بقايا لمشروع نووي مرّ على التخلي عنه قرابة العقدين.

ومن جانبه، يعتبر أستاذ العلوم السياسية، خليفة الحداد، أن الحديث عن خطر الاشعاع “آخر ما تفكر فيه الدول التي تقف وراء مثل هذه المنظمات الدولية التي تدّعي عملها من أجل الحدّ من تفشي مخاطر المواد الكيميائية، وهي الدول نفسها التي تمتلك القنابل النووية، والسؤال الحقيقي بالنسبة إلى هذه الدول هو: مَن الذي كان وراء اختفاء هذه الكميات ويريد استخدامها في برامجه النووية؟”، مضيفاً: “لا أعتقد أن الوكالة الدولية تقع في خطأ مثل عدد البراميل، وبيانها الأخير عن العثور على الكمية المفقودة يتضمن اتهاماً لحفتر بالتورط في عملية تهريب هذه الكمية، ثم التراجع عن خطوته عندما أعلن العثور على 18 برميلاً”.

ويعتقد الحداد بصحة التوقعات الخاصة بوقوف أطراف دولية وراء إثارة ملف اليورانيوم، ويقول لـ”العربي الجديد”: “أكثر ما يلفت الانتباه أن يكون فقدان الكمية في جنوب البلاد، الذي أصبح مرتعاً لمرتزقة “فاغنر” الذين يشكلون عامل القلق والتوجس الأول لدى واشنطن وعواصم أوروبا، ولا ننسى أن حفتر، الذي بدا واضحاً أنه متورط في اختفاء الكمية المفقودة قبل رجوعها، هو من فتح المجال لـ”فاغنر” في المنطقة”.

ويرجح الحداد التصعيد في قضية اليورانيوم لحدّ الاتهامات العلنية لموسكو بالتورط في محاولة نقل هذه الكمية للاستفادة منها، وبالتالي فالأمر لن يكون أكثر من مبرر لمواجهة قد تصل إلى حدّ الإنزال العسكري على الأرض، في ظل خسارة أميركية-أوروبية في الساحة الأوكرانية، تستدعي نقل المعركة إلى فضاء جديد، وليبيا من بين تلك الفضاءات المرجحة.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar