فرنسا في عهد ماكرون.. انعدام الأمن الغذائي وانتشار الفقر

تعيش فرنسا مند مدة طويلة على وقع نمو مقلق ومتزايد لوضعية انعدام الأمن الغذائي، وهي الحالة التي يجد فيها الفرد صعوبة في الحصول على طعام صحي ومتنوع. وترتبط هذه الزيادة بشكل وثيق بارتفاع معدلات الفقر، وتشير المعطيات إلى تفاقم هذه الآفة أكثر خلال السنوات المقبلة.

ويضع ارتفاع تكاليف المعيشة في البلاد العديد من الفرنسيين في وضع صعب حيث يضطرون إلى تقليص ميزانيتهم على حساب تغذيتهم. ويحرم الكثيرون أنفسهم من تناول الوجبات الكافية كما يضطرون لتناول منتجات ذات تكلفة منخفضة وغير صحية في الغالب.

ووفقا لتقرير حديث من مركز الأبحاث لدراسة ومراقبة ظروف الحياة، تفاقمت حالة انعدام الأمن الغذائي خلال نهاية العام الماضي، وأصبحت تؤثر الآن على 16 في المائة من الفرنسيين الذين يقولون إنهم لا يتناولون طعاما كافيا.

وأثار التقرير ملاحظة مقلقة أخرى تكشف عن زيادة حالة انعدام الأمن الغذائي في فرنسا، حيث انخفضت نسبة الفرنسيين الذين يقولون إنهم “يستطيعون تناول جميع الأطعمة التي يرغبون بها” من 44 في المائة إلى 39 في المائة خلال نفس الفترة. ووفقا للدراسة، فإن هذا التطور يعزى بشكل خاص إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعلنون عدم كفاية كمية الطعام المتاحة لهم.

بالإضافة إلى ذلك، يقر نصف الفرنسيين فقط بأن لديهم طعاما كافيا، ولكن ليس دائما الأطعمة التي يرغبون في تناولها. ويشير التقرير إلى أن “التضخم الحاد، خاصة في المنتجات الغذائية، يفسر بشكل جزئي عودة انعدام الأمن الغذائي”.

وفي يناير 2023، بلغ معدل التضخم في فرنسا 6 بالمائة لجميع المنتجات والخدمات بشكل عام، و15 بالمائة للمنتجات الغذائية. وأمام هذا الارتفاع في الأسعار، قامت بعض الأسر بتخفيض نفقاتها الغذائية بشكل كبير، “مما يؤدي إلى دخولها في حالة انعدام الأمن الغذائي”، وفقا للتقرير ذاته.

وذكر المصدر أنه من المحتمل أن يكون التضخم في أسعار الطاقة قد لعب دورا مهما في تفاقم انعدام الأمن الغذائي. وبالنسبة لـ 24 في المائة من المستجوبين، تتسبب الصعوبات في الذهاب إلى التسوق لدخولهم في حالة من انعدام الأمن الغذائي. ويمكن أن تكون هذه الصعوبات ذات طابع جسدي (صعوبة التنقل، نقص في وسائل النقل العام)، أو مادي (ارتفاع أسعار وسائل النقل العام أو البنزين).

وأشار التقرير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي غالبا ما يعانون كذلك من عدة هشاشات أخرى، موضحا أن 7 في المائة منهم يعانون من ثلاث هشاشات (الصحة والسكن والعزلة).

ويلاحظ المصدر أيضا أن النساء تعانين من انعدام الأمن الغذائي بنسبة أكبر من الرجال، وأن 24 في المائة من الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما يعانون من انعدام الأمن الغذائي مقارنة بـ 7 في المائة من الفئة العمرية بين 60 و69 عاما.

في السياق ذاته، كشف استطلاع حديث أجرته مؤسسة (إيفوب) أن أكثر من 4 من بين كل 10 فرنسيين من بين الفئة الأكثر هشاشة يقولون إنهم قاموا بحذف وجبة واحدة لتتناسب مع ميزانيتهم.

ووفقا للدراسة، فإن ”من بين الـ 30 في المائة من الفرنسيين الذين يعانون من الهشاشة، أي الذين يكسبون الحد الأدنى للأجور أو أقل، أكد 53 في المائة منهم أنهم اضطروا إلى تقليل كمية الوجبات، بينما اضطر 42 في المائة منهم إلى التخلي عن وجبة سواء كانت الإفطار أو الغداء أو العشاء”.

والوضع يتفاقم كذلك بالنسبة للبنوك الغذائية، بما في ذلك الجمعية الفرنسية (Restos du Cœur)، التي تشهد وضعا مثيرا للقلق، في ظل التضخم المتسارع.

ووفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن الجمعية، فإن عدد الأشخاص الذين يتم استضافتهم في مطاعم الجمعية قد سجل رقما قياسيا بزيادة 22 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

في هذا الصدد، يقول رئيس الجمعية، باتريك دوريه، في تصريح نقلته الصحف الفرنسية، إن “التضخم والأزمة الطاقية يؤثران بشكل عنيف على أولئك الذين يوجدون في وضعية هشاشة وعلى الآخرين الذين سيصبحون كذلك”.

ووفقا للمتحدث ذاته: “تستقبل الجمعية عددا متزايدا من الأشخاص العاملين، ولكن زيادة الأسعار أدت إلى دفعهم نحو هشاشة لم يكونوا يعانون منها من قبل”.

وفي المجموع، قدمت البنوك الغذائية الفرنسية مساعدة لما يقدر بـ 2,4 مليون شخص في نهاية العام 2022، وهو ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص مقارنة بالعشر السنوات السابقة.

ومن الواضح أن تسارع انعدام الأمن الغذائي في فرنسا يمكن أن يكون له تأثير هام على الصحة العامة، مع احتمالية تبعات خطيرة على الصحة الجسدية والنفسية للأفراد. ويعاني الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي من احتمالية أكبر للإصابة بسوء التغذية والأمراض المزمنة، وهم أيضا أكثر تعرضا لزيادة مخاطر تطوير مشاكل نفسية مثل الاكتئاب والقلق.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar