ليبيا ..هيئة الأوقاف في طرابلس تثير ضجة واسعة بمهاجمتها للمذهب الإباضي

أثارت هيئة الأوقاف في طرابلس ضجة واسعة في ليبيا بمهاجمتها للمذهب الإباضي الذي يدين به معظم أمازيغ البلاد، وذهبت الهيئة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية حد تكفير أتباع المذهب واستباحة دمائهم، وهو ما شكل إحراجا كبيرا لرئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة.

حاول رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة تهدئة الأجواء وتجاوز حالة الاحتقان التي جدت بمناطق الأمازيغ نتيجة ما اعتبره أتباع المذهب الإباضي تعديا عليهم من قبل هيئة الأوقاف بطرابلس.

وفي رسالة موجهة لرئيس هيئة الأوقاف، قال الدبيبة إن ما ورد من خلال موقع الهيئة الرسمي أمر مثير للفتنة بين الليبيين، ومخالف لاختصاصات الهيئة، محذرا الأخيرة من تجاوز اختصاصاتها المحددة بقرار حكومة الوفاق الوطني عام 2019 بشأن تنظيم عملها.

ودعا الدبيبة إلى اتخاذ الإجراءات الرادعة والعاجلة في حق من صدرت عنه تلك التصرفات من الإدارات المعنية، مشيرا إلى أن الحكومة قد تضطر لاتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة في حال تكرار مثل هذه الأفعال.

وينتظر أن يناقش مجلس الدولة الموقف اليوم الأربعاء، حيث دعا أعضاءه لحضور الجلسة العامة التي سيعقدها بداية من الساعة الحادية عشرة صباحا، وستخصص لمناقشة البيان الصادر عن هيئة الأوقاف بخصوص المذهب الإباضي وآثاره، كما ستنظر في الوضع الأمني والسياسي للبلاد واللقاء الثلاثي لاستكمال لقاء جامعة الدول العربية.

وقال المجلس الأعلى للإباضية في ليبيا إنه “تابع ما نشرته هيئة الأوقاف والشئون الإسلامية عبر منصتها الرسمية، حول ما ادعت فيه بيانا لعقيدتها المنحرفة بعدم قبول شهادة أهل البدع والأهواء – بزعمها – أوردت فيه كلاما نسب لسحنون المالكي يقرر فيه هذا الرأي، وزجوا فيه أهل الحق من الإباضية مع أهل الأهواء زجا، ورموهم بتهم ترتج لهولها القلوب رجّا، كيف لا وفي مقالتهم تمهيد لاستباحة الدماء وزهق الأرواح، وإيقاظ للفتن التي تعصف بالأوطان”.

وأوضح المجلس أنه “لا يستغرب تمسح الهيئة العامة للأوقاف بالمذهب المالكي السائد في ليبيا، ففيه استرضاء لعوام الناس من جهة، ومن جهة أخرى فإن هؤلاء من أتباع التيار المدخلي، ما وُجدوا منذ نشأتهم إلا لضرب المسلمين وإشعال الفتن في ما بينهم بنبش التاريخ واستخراج الأقوال والفتاوى الشاذة وإلقائها بين المسلمين، لتزيد هوة خلافهم اتساعا، وتفرق أمتهم أشياعا، فتقوم الفتنة التي كانت نائمة، وتُشحذ الأسنة والألسنة، ويتطاير غبار المعركة بينهم تكفيرا وتبديعا وتفسيقا، وهنالك تعمى البصائر والأبصار إلا قليلا”.

وأردف المجلس “نظرا لما يمثله الفعل المرتكب من قبل القائمين على الهيئة من عمل إجرامي وفقا لما تقرره أحكام قانون العقوبات الليبي، فإنه يعلن جملة من القرارات أبرزها “تحميل المسؤولية القانونية التامة لكل من مجلس الدولة ومجلس الوزراء عن السلوك الإجرامي الصادر عن تابعيهم من القائمين على الهيئة العامة للأوقاف المغتصبة، وضرورة توليهما اتخاذ الإجراءات العاجلة لحل الهيئة، وإعادة بنائها على النحو الذي يكفل احترام الإعلان الدستوري وتمثيل الهيئة لكافة المذاهب الإسلامية الأصيلة في المجتمع الإسلامي الليبي”.

كما أعلن المجلس اعتزامه تحريك الدعاوى الجنائية أمام القضاء الليبي والدولي ضد مرتكبي تلك الأفعال الإجرامية، المتمثلة في الإساءة والتحريض والازدراء للمذهب الإباضي وأتباعه داخل الهيئة أو خارجها حفاظا على السلم الاجتماعي، ووأد للفتن والنعرات الطائفية، ومقاطعة الهيئة العامة للأوقاف ‘المغتصبة’، في المناطق ذات الوجود الإباضي، واستحداث هيئة مستقلة للأوقاف الإباضية تتبع رئاسة الوزراء بشكل مباشر”.

ووفق تقديرات نشرها المؤتمر الليبي للأمازيغية، في غياب إحصائيات رسمية مؤكدة، يتراوح عدد المسلمين الإباضيين في البلاد بين 300 و400 ألف. وينتمي أغلب أمازيغ ليبيا إلى المذهب الإباضي الشائع بين نظرائهم في المنطقة المغاربية، ويؤكد الباحثون أن كل إباضي في المنطقة أمازيغي ولكن ليس كل أمازيغي إباضيا.

وانتظمت خلال اليومين الماضيين وقفات احتجاجية في مختلف المدن الأمازيغية بمنطقة جبل نفوسة (الجبل الغربي)، كما صدرت بيانات رسمية عن فعاليات اجتماعية في مدنِ جادو وكاباو ونالوت ويفرن وتندميرا، أدانت ما اعتبرته تحريضا من “هيئة الأوقاف الإرهابية المدخلية في طرابلس” ضد أتباعِ المذهب الإباضي بالإفتاء “بقتلهم وعدم قبول شهادتهم” بشكل صريحِ وحرفي.

وقرر المحتجون، إقفال فروع هيئة الأوقاف في مدنِ جبل نفوسة، إضافة إلى توجه المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي بمذكرة تفصيليةِ عن هذا التحريض، كما سيتم استحداث هيئة أوقاف خاصة بالمدن الأمازيغية.

وهدد أهالي نالوت هيئة الأوقاف، قائلين في بيان مصور “بدأت بالحرب علينا والبادئ أظلم”، وأكدوا أنهم “مستعدون للتضحية بالنفس والنفيس من أجل حياة كريمة في ليبيا”، مطالبين بهيئة مستقلة تتولى شؤون الأوقاف بالمناطق الإباضية تابعة لرئاسة مجلس الوزراء مباشرة.

كما طالبوا مجلس الوزراء باتخاذ قرارات حاسمة لدعم الهيئات التي تمثل المذهب الإباضي في ليبيا الذي عانى من الإقصاء والتهميش طوال العقود الماضية، وفقا للبيان.

وتشير الأرقام إلى وجود حوالي سبعة ملايين مسلم من أتباع المذهب الإباضي منتشرين بصفة خاصة في سلطنة عمان التي يمثل الإباضيون ما يقارب 70 في المئة من مواطنيها، كما تنتشر الإباضية في جبل نفوسة وزوارة في ليبيا ووادي مزاب في الجزائر وجزيرة جربة في تونس وبعض المناطق في شمال أفريقيا وجزيرة زنجبار في تنزانيا.

وتعمّق الأزمة الجديدة التي فجرتها هيئة الأوقاف الأزمة بين حكومة الدبيبة والأمازيغ، لاسيما في مدينة زوارة الساحلية الواقعة في أقصى شمال غرب البلاد، خاصة بعد الخلافات حول معبر رأس جدير الحدودي مع تونس.

وساعد استمرار حالة الفوضى في ليبيا على تمكين التيارات السلفية من السيطرة على هيئتي الأوقاف في غرب البلاد وشرقها، وعلى بروز قوى تكفيرية تستغل المنابر الرسمية لتكفير التيارات المخالفة كالمذهب الإباضي والحركات الصوفية.

وفي يونيو من العام 2017، حرضت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بالحكومة المؤقتة بمدينة البيضاء (شرق) ضد عدد من التيارات الفكرية والدينية والسياسية التي تشكل المجتمع الليبي، مثل مريدي التيار الصوفي والنشطاء بالتيار المدني والكتّاب والمثقفين وغيرهم. كما أصدرت مؤخرا بيانا ضد اليهود في ليبيا حمل عنوان “العلمانيون وتمكينهم اليهود في ليبيا”.

واعتبرت هيئة الإباضية الليبيين “فرقة منحرفة ضالة وهم من الباطنة الخوارج ولديهم عقائد كفرية، كعقيدتهم بأن القرآن مخلوق وعقيدتهم في إنكار الرؤية، فلا يُصلّى خلفهم ولا كرامة”، ما أثار جدلا واسعا في البلاد.

وفي يناير 2021 أعلن عمداء بلديات المكون الأمازيغي ووجهاء وأعيان بلديات نالوت وكاباو والحرابة والرحيبات وجادو والقلعة ويفرن وزوارة ووازن عن تشكيل المجلس الأعلى لإباضية ليبيا، وأكدوا أنه سيكون الممثل الرسمي للإباضية أمام المؤسسات والأجهزة الرسمية وفي المحافل العلمية المحلية والدولية، داعين إلى الحفاظ على الثوابت الدينية والموروث العلمي والوقفي للمذهب الإباضي في البلاد.

كما أبرزوا أن المجلس الأعلى للإباضية في ليبيا سيتخصص في إدارة الشؤون السياسية والاجتماعية والفقهية من خلال أجنحة عدة تعمل على إيصال الصوت الإباضي بما يمثله من عناصر تمايز مذهبي إلى جانب التمايز العرقي للأمازيغ.

وفي مناسبات عدة، حصلت صدامات بين إباضية ليبيا وهيئات الأوقاف، نتيجة المواقف التي تصدر عن التيارات السلفية المسيطرة على مراكز القرار الوقفي سواء في طرابلس أو بنغازي.

وطالب متظاهرون من مدينة القلعة الأحد “بإغلاق مكتب الأوقاف بالمدينة والاستغناء عنه دفاعا عن النفس والدين، وغيرة على حرمات المسلمين حتى تستجيب الحكومة للمطالب”.

كما حثوا على “إلغاء هيئة الأوقاف واعتبارها عدما، على أن تسند أعمالها إلى البلديات”، و”إلزام السلطة الدينية مراعاة وجود الإباضية والمالكية واحترامهم، إلا إذا صدر اعتذار رسمي من الهيئة”، و”محاكمة المتصدرين لإثارة النزعات الطائفية بين الليبيين حفاظا على السلم الاجتماعي ووأدا للفتن ومشعليها”.

وشدّدوا على ضرورة “إصدار وثيقة للتعايش السلمي بين المذاهب الدينية والمدارس الفقهية، تنصّ على جملة من المبادئ والثوابت، مصدرها القرآن والسنة، لتكون مرجعا حاكما للتعايش وسدا منيعا لأيّ خلاف”، وقالوا إنهم يحمّلون المسؤولية للحكومة وكافة السلطات العليا بشأن كل ما يحدث من تصعيد إذا تم تجاهل المطالب، مؤكدين أن “على خطباء المساجد بالبلدية استنكار ما جاء بمنشور الأوقاف، وذلك في خطبة يوم الجمعة المقبل”.

واستنكر الائتلاف الوطني لأبناء ليبيا ما صدر عن هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية حول ما صرحت به عن المذهب الاباضي بعدم شرعيته وتكفيره وعدم التعامل به ومن هذه العبارات التي لا تمثل هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية في شيء، وقال في بيان “نعتبر هذه العبارات ما هي إلا إثارة للفتنة بين أبناء الشعب الليبي الذي تعايش سلميا طيلة قرون كتف بكتف في كنف الشريعة الإسلامية السمحاء إلى يومنا هذا”، داعيا إلى ضبط النفس ودرء الفتنة بين أبناء الشعب الليبي كافة وعدم استغلال الدين الإسلامي لمآرب سياسية خاصة لجهات معينة.

عن موقع جريدة “العرب” بتصرف

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar