التأثير الرقمي على النظام القضائي في المغرب

الأستاذ ياسيــن كحلي
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

في العصر الرقمي الحديث، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية، مؤثرة بشكل كبير على مختلف جوانب المجتمع، بما في ذلك القضايا القانونية. في المغرب، تعد هذه الوسائل سلاحا ذا حدين، حيث تسهم من جهة في نشر الوعي والتفاعل المجتمعي، ومن جهة أخرى تشكل تحديا كبيرا للعدالة والنظام القضائي. إن تحليل تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القضايا القانونية يتطلب فحصا دقيقا لكيفية تشكيل هذه الوسائل للرأي العام، وتأثيرها على سمعة الأفراد والأسر، واستجابة النظام القضائي لهذه التحديات.
تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي في المغرب منصة رئيسية لتبادل المعلومات والأفكار، إلا أن هذه المعلومات غالبا ما تكون غير موثقة، مما يؤدي إلى انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة. هذا السياق يعزز من الانطباعات الخاطئة ويثير الفتن بين الناس، حيث يتحول الأفراد العاديون إلى قضاة ووكلاء نيابة العامة وباحثين قانونية افتراضيين. يقوم هؤلاء بتبني آراء قد تكون ناقصة أو مشوهة، مما يؤثر سلبا على القضايا القانونية قيد النظر فيها سواء كانت أحكام قضائية أو مسائل قانونية ـ مدونة الأسرة نموذجا ـ. إن هذه الظاهرة تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التحقق من صحة المعلومات قبل تداولها وفي حدود مضبوطة.
من ناحية أخرى، يشهد المغرب حالات متزايدة من تشويه السمعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يتم تداول معلومات وأحكام مسبقة حول المشتبه فيهم أو المتهمين، مما يؤثر بشكل كبير على حياتهم الشخصية والمهنية والمساس بقرينة البراءة كمرجعية دولية وحق دستوري. في الكثير من الأحيان، يتلقى المتهمون براءة من القضاء بعد محاكمة عادلة، لكن الضرر الذي لحق بسمعتهم يبقى قائما وهذا اشكال يفترض التفكير في معالجته تشريعيا. هذا الضرر يمتد ليشمل أسر المتهمين وأقاربهم، مما يخلق بيئة من الظلم الاجتماعي الذي يصعب إصلاحه حتى بعد تبرئة المتهمين. إن هذا الوضع يتطلب وضع إطار قانوني صارم لمحاسبة من ينشرون الأخبار الكاذبة ويشوهون سمعة الأفراد.
رغم هذه التحديات، يجمع العديد من الخبراء القانونيين على أن القضاة في المغرب لا يتأثرون بآراء الجمهور أو الضغوطات التي قد تفرضها وسائل التواصل الاجتماعي. القضاء المغربي يعرف بنزاهته واستقلاليته، حيث يركز القضاة على الأدلة والبراهين المقدمة في قاعة المحكمة بعيدا عن الضجيج الإعلامي. هذه النزاهة والاستقلالية الموسومة بروح الدستور المغربي تعد حجر الزاوية في الحفاظ على عدالة النظام القضائي وضمان حقوق المتهمين في ظروف تسهم في إقرار ضمانات المحاكمة المنصفة.
لمواجهة التحديات الناجمة عن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القضايا القانونية، يمكن اتخاذ عدة إجراءات فعالة :
• أولا : يجب تحديث التشريعات القانونية لتشمل عقوبات صارمة على نشر الأخبار الكاذبة والتشهير عبر هذه الوسائل. هذه التشريعات يجب أن تكون واضحة ومحددة لضمان تطبيقها بفعالية.
• ثانيا : من الضروري تنظيم حملات توعية لتثقيف المجتمع بشكل عام ومستعملي وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاص حول مخاطر الاعتماد على المعلومات غير الموثوقة التي تنتشر عبر الإنترنت. هذه الحملات يمكن أن تسهم في تعزيز الوعي بأهمية التحقق من صحة المعلومات قبل تداولها.
• ثالثا : يجب دعم وتعزيز دور وسائل الإعلام المهنية التي تلتزم بالمعايير الصحفية والأخلاقيات المهنية.
هذه الوسائل يمكن أن تسهم في تقديم معلومات موثوقة ودقيقة، مما يساعد في توجيه الرأي العام بشكل صحيح.
في الختام، يمكن القول إن تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على القضايا القانونية في المغرب يشكل تحديا حقيقيا للنظام القضائي. إلا أن بفضل نزاهة القضاة ووعي المجتمع، يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال تبني سياسات وإجراءات ناجعة وفعالة. من الضروري أن يعمل الجميع، من أفراد ومؤسسات، على تعزيز الثقة في النظام القضائي وضمان أن تكون المعلومات المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دقيقة وموثوقة، مما يساهم في تحقيق عدالة حقيقية وشاملة.

الأستاذ ياسيــن كحلي
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar