الجزائر المختطفة

وفقا للتقارير السنوية لوزارة الطاقة الجزائرية، حققت هذه الأخيرة في ظرف ثمان سنوات (2000-2008) عائدات بلغت 350 مليار دولار من صادرات من النفط والغاز، أي بمعدل سنوي قارب 44 مليار دولار في السنة. وخلال سنة 2008 وحدها حققت الجزائر أكثر من 76 مليار دولار من العائدات الطاقية. يعني هذا، أن الجزائر حققت في سنة واحدة من صادرات المواد الطاقية، فقط، ما مجموعه ستة أضعاف مشروع مارشال. ومشروع مارشال هذا، هو خطة أعدها رئيس أركان القوات العسكرية الأمريكية لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، والذي استفادت منه 17 دولة أوروبية.

مشروع مارشال ب 13 مليار دولار استطاع أن يعيد الحياة لاقتصادات دول أوروبا الغربية المنهارة بفعل أكبر حرب مأساوية مدمرة شهدتها البشرية. لنتساءل عن الذي حققته ستة أضعاف مشروع مرشال في سنة واحدة للشعب الجزائري؟

لم تتحسن المؤشرات الاجتماعية في الجزائر بالقدر الكافي، ولا بشكل يكاد يوازي تفرة مداخيل الموارد الطاقية، خاصة بعد الوئام المدني لسنة 1999، وازدادت الأوضاع الاجتماعية والتنموية سوءا وترديا بعد منعرج انخفاض أسعار البترول والغاز في السوق الدولية منذ الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 2008.

بالرغم من محاولات النظام الجزائري التغطية على الوضع المأزوم والذي يزداد تفاقما، إلا أن مؤشرات ذلك كانت تتبدى بين الحين والآخر. فقد اتخذت بداية شكل احتقان سياسي في وسط النخبة الحاكمة، منذ محاولة التمديد لعبد العزيز بوتفليقة لعهدة رابعة، ثم بعد ذلك تجسدت في شكل حراك شعبي رافعا شعار “تنحاو كاع”، وأتت أزمة كورونا على كل ما تبقى من غطاء ساتر لبشاعة الفساد المستشري في السياسة والاقتصاد.

فحتى كلام مايكل روس، بخصوص البلدان النفطية، أنها تستطيع السيطرة على شعوبها أكثر من غيرها، حيث تنفق بسخاء لشراء الولاءات ولإخراس كل صوت يهدد النظام السياسي، لم ينطبق على الجزائر. لم تمتلك الطبقة الحاكمة، العسكرية أساسا (يشكل الجيش فاعلا سياسيا قويا في بنية النظام الجزائري وليس مجرد بنية للأمن والدفاع)، الرغبة في ضمان مستويات معيشية مقبولة للشعب الجزائري، فبالأحرى أن يماثل الرخاء الذي كفلته دول الخليج مثلا لمواطنيها.

منظومة احتكار اقتصادي يلعب فيها الجيش دورا مركزيا، لا يمكن أن تفضي إلا إلى مأسسة الفساد كنظام وكبنية تخترق مختلف الأنشطة الاقتصادية الخاصة والعامة في الجزائر. وبذلك صارت مثلا سوناطراك بقرة حلوب لجنرالات الجزائر. وقد سبق أن تولى كتاب “باريس والجزائر: قصة حب شغوفة” لكريستوف دوبوا مهمة الكشف عن النزر القليل من مظاهر الانتفاع الشخصي لقيادات الجيش الجزائري وحلفائهم من أحزاب السلطة مقابل تفويت صفقات مجحفة مضرة بالاقتصاد الجزائري ومكلفة اجتماعيا، كصفقات تهم بعض أنشطة سوناطراك أو صفقات التسلح.

تفيد آخر تقارير المراكز المتخصصة في رصد مجالات التسلح أن الجزائر تصدرت المرتبة الأولى إفريقيا في سباق التسلح، وأورد تصنيف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أن الجزائر تحتل المركز الـ17 مع هولندا ضمن 20 دولة الأكثر إنفاقا على الجيش والتسلح، متفوقة بذلك على مجموع النفقات العسكرية لإسرائيل. ومع ذلك فهذا الإسراف في الإنفاق لم ينعكس إيجابا على تموقع الجزائر ضمن المؤشر العالمي لقوة الجيوش.

ليست هناك حرب تهدد الجزائر لتبرر بها النفقات العسكرية هاته. ليست هناك حرب إلا تلك التي تخوضها الطبقة الحاكمة الجزائرية ضد شعبها. ما يهدد “الوئام الوطني” حقيقة هو الارتفاع المضطرد للبطالة، حيث تراجعت فرص الشغل ب 30% في سنة واحدة، انخفضت فرص العمل من 437 ألفا في 2019 إلى 300 ألف في 2020. الخطر المحدق بالجزائر هو تواضع متوسط الدخل الذي لم يعد يفي بالحاجيات الأساسية للبقاء، وكذا نضوب احتياطي الجزائر من العملة الصعبة وتفاقم عجز ميزانيتها العامة سنة بعد أخرى.

الذي حققته الطبقة الحاكمة للشعب الجزائري هو جعل الجزائر-التي تحتل مراكز متقدمة ضمن أكبر الدول المصدر للنفط والغاز- تتديل الترتيب العالمي في جودة التعليم وفي مؤشر إدراك الفساد والأمان العالمي ومؤشر التقدم الاجتماعي والتنمية البشرية ومؤشر التنافسية والحرية الاقتصادية.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar