مستشفى سيدي سعيد بمكناس

مكناس العريقة…قطاع الصحة في حاجة لمن يعالجه والرياضة في أسفل سافلين(الحلقة الثامنة)

نشر في: آخر تحديث:

بمجرد ما تطأ قدمك مدينة مكناس، تشعر وأنك ترتمي في أحضان التاريخ  وعبق الحضارة المغربية الأصيلة، ويأخذك الحنين إلى ماضي عريق والى شعور بالمجد والعنفوان والقوة.. لكن هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة للبلاد في الفترة الممتدة مابين 1672-1727 م، بدأ نجمها في الأفول، وبعدما كان يتغنى بجمالها الشعراء و المؤرخون والعلماء ووصوفوها بالروض والجنان، ها هي اليوم تئن تحت وطأة التهميش وسوء التسيير والتدبير والعشوائية وزحف الاسمنت على كل ما هو أخضر..

في محاولة لتطويق مشاكل العاصمة الاسماعلية ولفت انتباه المسؤولين لما ألت إليه أوضاع مكناس البهية، نورد حلقات عنها من إعداد عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية..

الصحة : وضعية صعبة للغاية

ما يثير الغضب والسخط أكثر هي وضعية القطاع الصحي بالمدينة… لأنها وضعية كارثية بكل المقاييس. ما يثير الغضب أكثر، هو أن ثلاثة وزراء مكناسيين (من بينهم طبيبان يا حسراه) مروا بتتابع على رأس وزارة الصحة، ولا أحد منهم كلف نفسه عناء معالجة هذه الوضعية، ولو بسطل طلاء واحد لصباغة جدران مستشفياتها المتهالكة !!!؟؟؟

ويكفي إلقاء نظرة بسيطة على أي واحد من مستشفيات المدينة للاطلاع على مدى تردي حالتها : أتربة متراكمة من بقايا إصلاحات ترقيعية لم يكلف المقاول الذي استفاد منها نفسه عناء التخلص منها فتركها حيث وضعها في البداية، أعشاب ميتة استولت على المساحة التي خصصت في الأصل لتكون حديقة، وجو من البؤس يخيم على المحيط الخارجي لهذه المؤسسات، وجدران في حاجة إلى محسن يشفق عليها ويقوم بالدور الذي من المفروض أن تتولاه الوزارة الوصية، وأفرشة كان الأجدر بالمسؤولين عليها أن يحيلوها على التقاعد منذ سنوات.

فيما يخص الأدوية، فالكل يعرف أن ثمنها يستخرج، كما هو الحال في المدن الأخرى، من جيب المريض سواء توفر على التأمين أم لا. أما التأطير الطبي، فإنه يطرح مشكلة حقيقية سواء من حيث عدد الأطباء، أو التخصصات أو التجهيزات الطبية … لدرجة أن الكثير من العمليات الجراحية تحال على المركب الاستشفائي الجامعي بفاس، الذي كان مبرمجا في يوم من الأيام بمدينة مكناس… ومازال يمثل حلم سكان المدينة بكاملهم. ولكن، هيهات بين الحلم والحقيقة.

اليوم، وبعد سنوات من انتقال مشروع كلية الطب، بقدرة قادر، من مدينة مكناس إلى فاس، واندحار العاصمة الإسماعيلية من عاصمة جهة إلى قرية كبيرة لتنضم إلى الدواوير المكونة لجهة فاس/مكناس، أصبحت الوضعية كارثية. فبالإضافة إلى رحيل عدد كبير من المصالح الإدارية الحساسة إلى عاصمة الجهة (فاس)، أصبح المكناسيون مجبرين على التوجه نحو مدينة فاس لإجراء عمليات جراحية من المفروض أن تتوفر حتى المدن الصغيرة على التجهيزات والأطر الطبية الضرورية لإجرائها، وبالأحرى مدينة تاريخية في حجم مكناس.

الرياضة بجميع أصنافها: الدرك الأسفل من الجحيم

في المجال الرياضي، لا أحد يجهل التاريخ المجيد لهذه المدينة في العديد من الأصناف الرياضية. ويمثل “اندحار” النادي المكناسي لكرة القدم إلى قسم الهواة جرحا غائرا في ذاكرة كل المكناسيين وكل الغيورين على هذا الفريق. فمنذ سنين ولاعبو الفريق من شباب المدينة يصارعون بإمكانياتهم الخاصة من أجل تفادي النزول إلى ما هو أسفل من الدرك الأسفل، علما أن تدخل بعض الغيورين من الميسورين لدعم الفريق يبقى غير كاف نظرا لضخامة الميزانية المطلوبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وإذا كان التحاق هذا الفريق العريق بقسم الهواة كارثة حقيقية، وزلزالا سيظل يهز قلوب محبيه، فإن هذا النزول يجسد الانهيار الذي تعيشه العديد من القطاعات الحيوية بالمدينة منذ سنوات. ففي الوقت الذي تغرق فيه المدينة، لا أحد رفع صوته للتنديد بهذا المنكر. وسيظل هذا النزول وصمة عار في جبين كل من تخلوا عن الفريق، وفي مقدمتهم جامعة لقجع.

أين هي ذاكرة المهتمين من عطاءات فريق عريق حمل المشعل منذ سنوات الحماية، ولاعبين كبار من طينة الأخوين كلاوة، وحميدوش، وامبيري، والغويني، وطويرطو، والدايدي، وباديدي، وبيدان، وكاماتشو، وغيرهم كثير، منهم من قضى نحبه رحمهم الله، ومنهم من ينتظر أطال الله عمرهم…

كان الزمن جميلا حقا، عندما كان الفريق المكناسي خلال الأربعينات والخمسينات الفريق المغربي الوحيد القادر على هزم فريق الوداد البيضاوي بعقر داره. أما اليوم، فقد تنكر له الجميع حتى وصل إلى قسم الهواة، تاركين جمهوره الشغوف الرائع يتألم كمدا، علما أن الفرجة الوحيدة بالمدينة، خاصة لفائدة الشباب، هي الرياضة.

وإلى حدود التسعينات، كان أبطال المدينة يسيطرون سيطرة مطلقة على البطولة الوطنية والمغاربية في مجال السباحة، وكانت المدينة بمثابة مدرسة حقيقية لتكوين الأبطال في الكرة الطائرة، لدرجة أن كل فريق مغربي كان لا يمكنه أن يطمح للعب أدوار قيادية في البطولة إذا لم يعزز صفوفه بلاعبين من خريجي هذه المدرسة.كرة الطائرة وحدها ما زالت تصارع وحدها وسط هذا الانهيار الشامل لكل أنواع الرياضات.

وإلى حدود نهاية التسعينيات من القرن الماضي، كان لاعبو كرة اليد المكناسيون يصولون ويجولون في الساحة الوطنية، وكان الفريق الوطني لهذه اللعبة يعتمد بالأساس على عناصر الكوديم، حيث استطاع أن يحقق أرقى ما وصلت إليه هذه اللعبة، سواء على الصعيد الوطني، أو القاري، وحتى العالمي، وبقيادة مدرب … مكناسي.

أين هذه الذاكرة من السيطرة المطلقة للاعبات النادي المكناسي في كرة السلة، سواء على مستوى البطولة أو كأس العرش؟ نفس الشيء بالنسبة لكرة الطاولة، حيث كانت العناصر المكناسية تفعل ما تشاء على الساحة الوطنية، وكذا  ألعاب القوى، وحتى سباق الدراجات …

أين هي هذه الرياضات اليوم؟ كل ذلك اندثر وانقرض، وفات، ومات وأصبح مجرد ذكريات، يتذكره السكان بحسرة وألم بالغ. جميع أنواع الرياضات في مدينة مكناس تموت ببطء على إيقاع صمت رهيب من طرف الجهات الوصية على الصعيد الوطني.

حتى المرافق الرياضية القليلة بالمدينة لم تسلم من هذا التدهور، وهي عبارة عن أنقاض لتجهيزات يعود تاريخ بناء أغلبها إلى أكثر من نصف قرن: ملعب وحيد لكرة القدم ينتمي للعصر الطباشيري، في وقت تشيد فيه ملاعب عصرية وتجهيزات رياضية من الطراز الرفيع بمدن حديثة العهد بكرة القدم، كانت مجرد دواوير منسية عندما كان الفريق المكناسي يصول ويجول ويقارع الكبار؛ وقاعة مغطاة صغيرة ووحيدة تتسع لبضع عشرات من المتفرجين، إلى جانب مدار لألعاب القوى بدون تجهيزات تذكر تم بناؤهما في السبعينات، علما أن المدرسة المكناسية أعطت الكثير من الأبطال في هذا المجال، كما أن الجمهور المكناسي يعتبر من أكثر الجماهير المغربية عشقا لهذه الرياضات.

هذه الوضعية المؤلمة، بكل معنى الكلمة، هي التي دفعت بعض الغيورين إلى كتابة هذه العبارة/الصيحة على جدران المدينة : ” النادي المكناسي يموت …كفى من السكوت”  !!!  والحقيقة هي أن المدينة كلها تغرق وتموت، فرجاء، كفى من السكوت. إنه نداء استغاثة نتمنى أن يجد آذانا صاغية.

ويبقى الاستثناء الوحيد في هذا المستنقع الشامل من التهميش، هو قرار إنجاز المشروع الفلاحي “أكروبوليس” (Agropolis)  بضواحي المدينة، الذي يعلق عليه المكناسيون الكثير من الآمال في أن يكون بمثابة قاطرة تنموية بالمنطقة، رغم أنه فقد الكثير من الدينامية والجاذبية التي كانت تميزه في البداية.

عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية

اقرأ أيضاً: