مكناس العريقة… الأمل الوحيد : زيارة ملكية مفاجئة (الحلقة الحادية عشرة)

 بمجرد ما تطأ قدمك مدينة مكناس، تشعر وأنك ترتمي في أحضان التاريخ  وعبق الحضارة المغربية الأصيلة، ويأخذك الحنين إلى ماضي عريق والى شعور بالمجد والعنفوان والقوة.. لكن هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة للبلاد في الفترة الممتدة مابين 1672-1727 م، بدأ نجمها في الأفول، وبعدما كان يتغنى بجمالها الشعراء و المؤرخون والعلماء ووصفوها بالروض والجنان، ها هي اليوم تئن تحت وطأة التهميش وسوء التسيير والتدبير والعشوائية وزحف الاسمنت على كل ما هو أخضر..

في محاولة لتطويق مشاكل العاصمة الاسماعلية ولفت انتباه المسؤولين لما ألت إليه أوضاع مكناس البهية، نورد حلقات عنها من إعداد عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية..

الأمل الوحيد: زيارة ملكية مفاجئة

المؤسسة الأمنية وشركة النظافة من الأجهزة القليلة جدا المتواجدة يوميا على أرض الواقع بالمدينة، حيث يلمس الإنسان عن قرب المجهودات التي يبذلها رجال ونساء هاتين المؤسستين في عملهم اليومي، والتي يحس المواطن المكناسي بانعكاساتها الإيجابية سواء على المستوى الأمني أوفي مجال النظافة، بالليل كما بالنهار، وفي جحيم الصيف كما في صقيع الشتاء. فتحية لهم وبارك الله فيهم، باعتبارهم من شموع الأمل القليلة التي مازالت تضيء ليل التهميش الطويل الذي يغشى المدينة منذ سنوات.

أكيد أن هذا التشخيص لن يعجب البعض ممن سهروا أو ما زالوا يسهرون على تسيير شؤون المدينة. لذا، فعوض أن يستشيطوا غضبا، لا بأس أن يتحلوا بالحد الأدنى من روح الشجاعة والانفتاح والديمقراطية، ويبادروا إلى تكذيب هذه الحقائق بفتح حوار مع منتخبيهم لتقديم حصيلة ما جلبوه من مشاريع للمدينة التي أوصلتهم إلى تلك المناصب، علما أن بعضهم عشش في المجالس البلدية طيلة عشرات السنين، والبعض الآخر يملأ قاعات البرلمان صياحا وصراخا وتهريجا…، يثيرون كل مشاكل الدنيا، إلا المشاكل التي تتخبط فيها مدينتهم.

ليتفضل هؤلاء السادة الكرام، من منتخبين محليين، وممثلي المدينة في البرلمان، والوزراء المنتمين إليها، القدماء منهم والحاليين، بفتح نقاش صريح مع السكان، وليفصحوا عن حصيلة المشاريع التي جلبوها للمدينة، باعتبار أن إسماع صوت مدينتهم وجلب المشاريع لها تمثل إحدى مهامهم الأساسية، ما دام الدور الحقيقي للمنتخب هو الدفاع عن الدائرة الانتخابية التي يمثلها، والمنطقة التي ينتمي إليها. كم عدد المشاريع التي جلبوها؟ ما هي نوعيتها؟ الحقيقة هي أن أغلبيتهم الساحقة استمتعوا وبعضهم ما زال يستمتع بالامتيازات، ومقابل ذلك، لم يجلبوا لمدينتهم ولو ” ياجورة” واحدة.

أما السؤال الكبير الذي أصبح يطرح نفسه بإلحاح فهو: كم هي حصة مدينة مكناس من الاستثمارات العمومية خلال الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية ؟ شرعية هذا السؤال تنبع من مبدأ المساواة بين كافة المواطنين ومختلف ربوع المملكة  في إطار ما يسميه البعض بالعدالة المجالية، لأن الاستثمارات العمومية هي أولا وقبل كل شيء أموال الشعب المغربي بكل مكوناته، ومن حق كل المغاربة، أينما تواجدوا، الاستفادة منها على قدم المساواة، بما فيهم سكان مكناس ونواحيها.

غريب ما يحدث لهذه المدينة، ولا أحد يتكلم أو يدافع عنها، وكأن تاريخها العريق غير كاف ليشفع لها. فهذا الصمت هو الذي ساهم في تحويل هذا الإقصاء، مع مر السنين وتعود الساكنة عليه، من أمر مرفوض، إلى تصرف طبيعي وعادي، وكأنه أمر محتوم وطبيعي.

بالأمس القريب، كانت مدينة مكناس مشهورة باسم “باريس الصغيرة” نظرا لما كانت تتميز به من تناسق نسيجها العمراني، ونظافة شوارعها، وتنوع حدائقها الغناء. أما اليوم، فقد أصبحت مجرد قرية كبيرة فريسة للوبيات العقار، تئن تحت وطأة الخرسانة والإسمنت المسلح والعمارات والأحياء شبه الهامشية التي تنشر أوصالها كالأخطبوط لتبتلع الآلاف الهكتارات من أجود الأراضي الفلاحية بالمغرب… دون حسيب ولا رقيب.

الله وحده يعلم أين تختفي أجهزة المراقبة، إن وجدت فعلا في هذه المدينة. إذا كانت عين الرقيب تراقب المغرب بأكمله، فيبدو أن مدينة مكناس وحدها استطاعت الإفلات بأعجوبة من هذه الرقابة والمحاسبة، وإلا، فكيف يمكن تفسير السكوت عن كل هذه الاختلالات ؟

من فضلكم، ارحموا هذه المدينة لأنها عانت ما يكفي.

هذا الإحساس المشروع باليأس والإحباط لا يخفف من وطأة غضبه إلا أمل المكناسيين في زيارة ملكية مفاجئة، ووقوف جلالة الملك في عين المكان على ما آلت ما إليه أوضاع هذه المدينة من تدهور، لأنه لم يعد هناك أمل في المسؤولين الحاليين لإنصاف هذه المدينة.

عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابي

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar