إنها فرنسا الماكرة..

سيكون الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مخطئا، اذا ظن أن المغرب لن يرد على تحركاته المشبوهة في الجزائر والموجهة أساسا ضد المملكة، بل إن قواعد الرد تغيرت وستشمل فتح أظرفة باريس الحساسة، وتحريك المياه الراكدة في عدد من الملفات التي تظن الأجهزة الفرنسية أنها بعيدة عن أعيننا.
زيارة ماكرون تأتي في توقيت دقيق يمر منه الفضاء المغاربي ومعه منطقة الساحل والصحراء، بسبب التغيرات الجيوستراتيجية الجذرية التي تعيشها المنطقة في العقد الأخير، لأسباب متعلقة بإعادة بناء التحالفات الدولية، في ظل التحديات الأمنية التي تعيشها دول الساحل، زيادة على تنافس القوى العالمية على مصادر الطاقة القادمة من إفريقيا.
وإذا كانت فرنسا تعيش مأزقا كبيرا بالساحل على خلفية اتهامها من قبل مالي بالتجسس ودعم المسلحين، علاوة على الاحتجاجات المتصاعدة بالنيجر على استقبال القوات الفرنسية، فإن “بركانا” يكاد ينفجر بين الرباط وباريس، في ظل تأزم العلاقات السياسية بين البلدين، على خلفية الموقف الفرنسي الرمادي من قضية الصحراء المغربية.
لا يختلف إثنان حول أسباب زيارة ماكرون إلى الجزائر، فالجميع يعلم انه كلما ضاقت المساحات التي تتحرك داخلها فرنسا، إلا وتلجأ إلى حديقتها الخلفية في الجزائر لإعادة ترتيب أوراقها، لكن التحرك الفرنسي الجزائري هذه المرة، سيكون مختلفا عن سابقيه بسبب رياح التغيير التي هبت على المنطقة، بعد النجاح البارز الذي حققه المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية.
لطالما لعبت فرنسا الماكرة على الحبلين في سياق تعاملها مع المغرب، مستندة على عدد من العوامل التي لم تعد موجودة اليوم، فموقعة الكركرات وما تلاها من دعم عالمي كبير حصده المغرب لصالح وحدته الترابية، إضافة إلى نجاح المملكة في التحول إلى شريك أمني وطاقي موثوق به ومنصة إستراتيجية لسلاسل الإنتاج المتطورة، كل هذه المتغيرات الجديدة لعبت دورا مهما في إخراج المغرب من قمقم الابتزاز الذي دأبت فرنسا العميقة على ممارسته منذ استقلال المملكة.
تحاول فرنسا اليوم الإفلات من كماشة المغرب، والهروب إلى الأمام حتى لا تعترف بشكل واضح وصريح بأحقية المملكة على أقاليمها الجنوبية، فهي تعلم أن الإعتراف بمغربية الصحراء سيكون له تبعات وخيمة على “حراس المعبد الفرنسي” داخل قصر المرادية، الذين أسسوا الخطاب الوطني للجزائر على فكرة العداء للمغرب، وفرضوا تسلطهم على رقاب الشعب الجزائري بقوة السلاح ليحموا هذه الفكرة، وبانتهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ستنتفي مبررات فكرة العداء ولن يكون هنالك شماعة لبقاء الاوليغارشية العسكرية على رأس السلطة في الجزائر، وبالتالي ستخسر فرنسا أهم قواعدها الخلفية داخل إفريقيا.
عملت باريس خلال العقدين الأخيرين بكل ما أوتيت من قوة على ابتزاز المغرب وعرقلة تطوره في مختلف المجالات، وسخرت لوبياتها الاقتصادية والإعلامية ومجتمعها المدني وأجهزتها السرية لإبقاء المغرب عالقا داخل دوامة من المشاكل والأزمات التي لا تكاد تنتهي، حتى لا يأتي اليوم الذي تجد فيه فرنسا نفسها مجبرة على مواجهة الحقيقة التاريخية والتعامل مع المملكة وفقا لطبيعتها التي تتواجد عليها في شكل بلد كامل السيادة، تتوفر به جميع شروط ومقومات “الدولة الأمة” وهي الأمور التي تفتقدها حديقة فرنسا الخلفية شرق المغرب.
لقد جاء خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة حلول الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب، بمثابة جرس إنذار لفرنسا بأن ساعة الحقيقة قد دقت، وأن طريق الهروب من المسؤولية التاريخية قطعته مرآة الواقع، ولم يعد هناك مجال للمزيد من المواقف الرمادية بخصوص الوحدة الترابية للمغرب، فإما الاندماج في الدينامية العالمية بدعم الحقوق الشرعية للمملكة وحدودها “الحقّة” وإعادة بناء علاقات ثنائية قوية على أساس الاحترام المتبادل والشراكات الرابحة، وإما فإن خسائر فرنسا الاقتصادية والسياسية والنفسية ستكون فادحة، أكبر مما يتصوره أكثر المتشائمين داخل قصر الاليزيه.
تابع آخبار تليكسبريس على akhbar