عندما تتحالف تونس مع الشيطان ضد الديمقراطية والشرعية الدولية

كنا مازلنا نعيش على صدى كلمات ذكرى خطاب الذكرى 69 لثورة الملك والشعب أن الصحراء المغربية هي المنظار الذي يرى به المغرب العالم… حتى فوجئنا باستقبال رئيس دولة تونس العربية الشقيقة، التي تجمعنا معها العديد من القواسم المشتركة، لزعيم الانفصاليين ابراهيم غالي على هامش انعقاد منتدى إفريقيا واليابان المعروف بتيكاد 8، وهو تصرف غير مقبول جعل المغرب يستدعي سفيره للتشاور ويمهل سفير تونس بعض الوقت لمغادرة المغرب… ثم شهدنا لغة البلاغات والبلاغات المضادة، لكن تونس تمسكت بشعرة معاوية وأعلنت عدم اعترافها بالبوليساريو وأن موقفها الحيادي ثابت.

ولأنه ليس في السياسة صديق دائم ولكن مصلحة دائمة، فإن هذا يدفعنا للتساؤل حول مبررات تونس لهذا التصرف الجارح للشعور المغربي، ولطعنة صديق من الخلف… هل المقابل كبير إلى درجة نكران جميل المغرب سنة 2014 وتجول جلالة الملك محمد السادس بدون حراسة في شوارع تونس معلنا عنها كوجهة سياحية آمنة؟ وهل الرئاسة التونسية مجبرة على تنفيذ تعليمات جنرالات قصر المرادية وتحديد من يستقبل الرئيس قيس السعييد ومتى وأين؟

كل التحاليل مالت إلى أن الجزائر جعلت من تونس حديقة بيتها الخلفية، مستغلة بذلك وضعية تونس المشرفة على حافة الإفلاس، لكن هل الحصول على المال والطاقة هو السبب الوحيد الذي يدفع تونس للتحالف حتى مع الشيطان وتبرير هذه التبعية المذلة للجزائر؟

نعتقد أن أحداث التاريخ شاهدة على استقلال تونس وبناء الدولة التونسية منذ مدة طويلة حين كانت الجزائر وقتها مجرد إيالة عثمانية أو مستعمرة فرنسية؛ فتاريخ تونس هو تاريخ العلم والعلماء، جامعة الزيتونة وابن خلدون… هو تاريخ حضاري وتاريخي وإنساني تفتقر إليه الجزائر. كما أن التاريخ يشهد أن الجزائر في عهد النظام العسكري/السياسي منذ 1962 اقتطعت صحراء تونس أمام سكوت الحبيب بورقيبة، وعندما تكلم مع بومدين علق حينها بورقيبة: “قلنا كليمة بتنا في الظليمة”، بمعنى أن الجزائر كانت دائما تضغط على تونس بكل الوسائل وبكل لغات التهديد، ومن ضمنها القوة العسكرية والطاقة والغاز…

فبحث الجزائر الدائم عن لعب دور إقليمي هو حلم يراودها ويستنزف مدخرات الشعب الجزائري من عائدات الطاقة. لذلك ومنذ مجيء عبد المجيد تبون في دجنبر 2019، فقد حاولت العودة من خلال الملف الليبي وملف سد النهضة بين مصر ودول أفريقية، كما حاولت أن يكون لها دور في ملف جنوب الصحراء الساحل وأزمة مالي وغيرها…

لكن هذا لا يعني إجبار تونس أن تكون ظل الجزائر، فهل يمكنها العيش بدون الجزائر؟ صحيح أن تونس تعيش أوضاعا مالية صعبة وقدمت طلب قرض لدى البنك الدولي بقيمة 4 مليارات دولار، كما طلبت مساعدات من دول خليجية لإنقاذها من الإفلاس. لكن، لماذا لم يقلب الرئيس قيس عناصر المعادلة بتوظيف ظروف الحرب في أوكرانيا وأزمة الغاز؟ وهل تعلم تونس أنها رئة الجزائر وأنه بدون تونس تختنق الجزائر؟ فماذا سيكون عليه الأمر لو أعلنت تونس مثلا إخضاع أنبوب الغاز نحو إيطاليا لأعمال الصيانة كما تفعل روسيا مع أنبوب ستيرم نورد 1؟

إن توقف عمل أنبوب تونس ليوم واحد يكلف الجزائر مليارات الدولارات، ويكلف إيطاليا وأوروبا الكلفة نفسها، وعندها سيهرول جنرالات الجزائر ومعهم إيطاليا والاتحاد الأوروبي محملين بالأموال والمساعدات فوق طابق من ذهب لتونس؛ لأن أنبوب تونس هي القناة الجزائرية المتبقية التي تنقل الغاز نحو أوروبا بعد إغلاق أنبوب المغرب وقطع العلاقات الاقتصادية مع إسبانيا ومشاكل في أنبوب ألميريا. كما أن تونس أقوى من الجزائر باستقبالها حوالي مئات الآلاف من المرضى سنويا في مستشفياتها، ويعيش على حدودها مئات الآلاف الجزائريين… وهي نقط قوة تونس لا ضعفها. فهل انصياع تونس هو عنوان ضعف القيادة التونسية أم هناك ملفات ضاغطة أخرى؟

دعونا نتأمل ماذا وقع في سنة 2019؛ ففي الجانب التونسي توفي الرئيس الباجي قائد السبسي يوم 25 يوليوز 2019 بعد حادث تسمم، ونجح قيس السعيد في الانتخابات الرئاسية في أكتوبر 2019 مستفيدا من تفجير فضيحة تبييض الأموال ضد نبيل القروي، امبراطور الإعلام التونسي المرشح الأوفر حظا للرئاسة آنداك والحكم عليه في 8 يوليوز 2019.

أما في الجانب الجزائري، فقد اندلعت احتجاجات الحراك الشعبي في فبراير 2019 ضد العهدة الخامسة لعبد العزيز لبوتفليقة، ومات رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح بشكل مفاجئ في 23 دجنبر 2019، وكان قد استقال الرئيس بوتفليقة في أبريل 2019، وفي 19 دجنبر 2019 سيُعلن عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية الجزائرية.

كل هذا حدث في سنة 2019، مما جعلها مرحلة فاصلة في تاريخ الدوليتين. أكثر من هذا، فمكر التاريخ يقول كلمته في مناسبات عدة؛ أولها أن الرئيس التونسي قيس السعييد ورث تراكم ثورة الياسمين لسنة 2011 كما ورث فترة مخاض وتعايش بين تيار الإسلام السياسي والتيار الليبيرالي، لكنه سيقوم بثورة مضادة في 25 يوليوز 2021 بمنح نفسه سلطات واسعة وإقالته للحكومة وحله للبرلمان وطرح دستور بديل عن دستور 2014 وسط جدل قانوني ودستوري غير مسبوق، وأخضع له المجلس الأعلى للقضاء وغير من قانون الانتخابات…

كل هذا بدون سند شعبي أو سياسي أو عسكري تونسي. لكن يكفي أن نعلم أن رمتان لعمامرة، وزير الخارجية الجزائري، زاره على عجل يوم 27 يوليوز، وبعدها صدر تصريح لقصر المرادية يمجد علاقات البلدين في عهد الرئيسين تبون وقيس، وكانت رسالة قوية إلى كل معارضي الثورة المضادة للرئيس قيس السعيد من نقابات وأحزاب ونخب وشعب غاضب، بميلاد تحالف بين قوة عسكرية وطاقية جزائرية وأخرى وريثة لتراكم ثورة الياسمين؛ إذ كان قيس سعيد في حاجة إلى مساندة خارجية أمام المواطنين والشركاء الغربيين… كما كان رئيس الجزائر يعيش عزلة بعد توتر العلاقات مع المغرب وفرنسا.

ثانيها، أن الرئيس تبون بدوره بنى فترة حكمه على أنقاض احتجاجات الحراك الشعبي وما عرفته من احتقان اجتماعي واعتقالات جماعية ولا استقرار سياسي، في المقابل قام نظام المرادية بإطلاق سراح بعض معتقلي الحراك وتقديم بعض الإعانات كعربون على الاستجابة لبعض مطالب الحراك الشعبي.

وفي دجنبر من سنة 2021، سيعلن عن قرض جزائري لتونس بقيمة 300 مليون دولار، مع تحديد ثلاثة محاور لتضامن الجزائر مع تونس، هي الأزمة الاقتصادية وكوفيد-19 والأزمة السياسية، مع التذكير بإعلان المسؤول عن البنك الجزائري في فبراير 2020 بضخ 150 مليون دولار في البنك المركزي التونسي وتسهيلات في أداء فاتورة الطاقة والغاز، في مقابل انهيار العملة التونسية وتأزم قطاع السياحة.

التماهي بين النظامين لن يقتصر على قيامهما على أنقاض ثورات اجتماعية وسياسية؛ حيث قام قيس سعيد على أنقاض تورة الياسمين، في حين عبد المجيد تبون على أنقاض الحراك الشعبي، بل حتى في الأسلوب؛ حيث فرض قيس سعيد دستوره على الشعب التونسي يتضمن ردة حقوقية على مكتسبات دستور 2014؛ إذ أصبحت الحكومة مسؤولة أمام الرئيس وليس البرلمان، وهذا الأخير لا يراقب عمل الرئيس أو الحكومة، وهو دستور وسع صلاحيات الرئيس وقلص صلاحيات البرلمان. كما فرض تبون دستور 2020 على الشعب الجزائري، ويكفي العودة إلى المادتين 91 و92 منه للوقوف على تركيز كل السلط وتجميعها في يد الرئيس تبون.

بل إن خطورة هذا التحالف تكمن أيضا في تدبيره لملف الجهاديين والمجموعات الإرهابية؛ فاذا كان الجميع يعلم أن النظام العسكري الجزائري أجهض تجربة ديمقراطية وأشعل حربا أهلية خلفت أكثر من 250 ألف قتيل في ما يعرف بالعشرية السوداء في تسعينات القرن الماضي؛ حيث التحلق الفارون من جهنم العسكر إلى الجنوب بجماعة “القاعدة في بلاد المغرب” وعلاقتهم بجماعة “بوكو حرام”، فإن هاجس هجرة المتشددين من تيار الإسلام السياسي والجهاديين التونسيين جنوبًا، بعد حل البرلمان وأغلبيته من حزب النهضة الإسلامي، وكذا الجهاديين في كل من سوريا وليبيا؛ حيث يفوق عددهم 5000، فلا أحد يعرف مصيرهم، خاصة إذا عرفنا السياسة اللينة التي اتخذها معهم الرئيس قيس سعيد في أول الأمر، واستقباله لستة أطفال في يناير 2021 قتل آباؤهم في عمليات جهادية بليبيا سنة 2016، وهو الاستقبال الذي أثار جدلا سياسيًا وحقوقيًا وأمنيًا كبيرا، مع استحضار العمليات الإرهابية ضد الأجانب بتونس، خاصةً بمتحف البارود في مارس 2015 وسوسة في يونيو 2015.

إن معاناة دول جنوب الصحراء الساحل مع الإرهاب تعيق تنميتها وازدهارها، كما أنها أصبحت مكان صراع بالوكالة للعديد من الفاعلين الدوليين الكبار، وهو ما يدعونا لدق ناقوس الخطر من أجل الكف عن ملاحقة واستفزاز تيار الإسلام السياسي بتونس مخافة لجوئه إلى جنوب الصحراء وتكوين جماعات إرهابية بكل منطقة جنوب الصحراء الساحل شرقا وغربا.

إن كل هذه العوامل تجعل رئيس تونس داخل لعبة كبيرة يفقد معها استقلالية القرار السيادي التونسي أمام لاعب يتفوق عليه عسكريا ويفوقه دخلا من خلال انتعاش سوق الطاقة بمناسبة الحرب في أوكرانيا، لكنه يدعمه في ثورته المضادة وانقلابه على الديمقراطية ومكتسبات ثورة الياسمين. وفي المقابل، فإن الشعب التونسي هو الذي يحافظ على شعرة معاوية، لأنه لن ينسى صدى صوت جلالة الملك محمد السادس بمجلس الشعب التونسي سنة 2014 بقوله: “ولا أخفيكم سرا، أنني كلما حللت بتونس إلا ويخالجني مزيج من مشاعر التأثر والاعتزاز والأمل…”، أما نحن فإننا نؤكد لقيس سعيد أن الصحراء المغربية هي مقياس صِدْق الصداقات ونجاعة الشَرَاكات.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar