سم فرنسيس

لم تمر أربع وعشرون ساعة على سحب المغرب للتصريح القنصلي لاستقبال الإمام حسن إكويوسن الذي وافق مجلس الدولة الفرنسية على قرار ترحيله حتى أصدر وزير الداخلية دارمانان قرارا مشمولا بالتنفيذ الفوري يقضي بإلغاء تقليص التأشيرات الفرنسية الممنوحة للتونسيين بذريعة أن السلطات التونسية امتثلت لطلب فرنسا بخصوص استلام رعاياها غير المرغوب فيهم على التراب الفرنسي.

وزير الداخلية الفرنسي يخوض منذ أشهر حملة تلميع لصورته استعدادا لرئاسيات 2027، لأخذ مكان ماكرون الفاقد لأغلبيته البرلمانية.

وهو يجد في موضوع ترحيل من يعتبرهم محرضين على الكراهية إلى بلدانهم قضيته الأولى. ومهما يكن من أمر فالإمام المعني بقرار الإبعاد مواطن فرنسي المولد والنشأة ورغم أن الحكومة الفرنسية رفضت طلب تجنيسه مرتين إلا أنه يظل فرنسيا بالولادة، ولذلك فهو منتوج فرنسي خالص ولا معنى لجعل المغرب يتحمل وزر الظروف التي دفعت بالإمام للتطرف.

لسنا هنا في موقف الدفاع عن الإمام الهارب إلى بلجيكا فنحن لا نعرف على ماذا بنت الدولة الفرنسية طبيعة التهم الموجهة إليه، لكن الجميع متفق، بما في ذلك طيف واسع من المثقفين والإعلاميين المستقلين، على أن فرنسا ماكرون ووزير داخليته الذي يعاني من عقدة الأب الجزائري لديها مشكل مع الإسلام كدين.

من يتابع هذه الهجمة ضد الإسلام في فرنسا يعتقد أن الأمر جديد، والحال أن فرنسا لديها ماض عريق في اضطهاد الأجانب بسبب معتقداتهم.

صنعت ذلك مع اليهود طيلة ألف سنة وطردتهم أربع مرات، حتى أن لديها قديسا اسمه سان لوي كان متخصصا في اضطهاد اليهود.

فرنسا عاشت صراع الكاثوليك ضد البروتيستانت ومذابح وتهجير الناس بسبب معتقداتهم إضافة إلى ثلاثة قرون من الحرب الأهلية، ومع ذلك يبدو أن الفرنسيين لم يستخلصوا الدروس من تاريخهم.

فرنسا لا تخجل اليوم من معاقبة مواطنيها من أصول أمازيغية أو عربية أو مسلمة حسب عرقهم إذا ما أدينوا بالإرهاب، فقد فرضت قانونا يعطيها حق سحب الجنسية الفرنسية عن هؤلاء المواطنين وإعادتهم إلى بلدان أجدادهم الأصلية، رغم أنهم ولدوا وترعرعوا فوق التراب الفرنسي، عِوَض الحكم عليهم بالمؤبد وتركهم في السجون الفرنسية، وهذا يكشف مدى تغلغل العقلية الاستعمارية في الدولة العميقة الفرنسية.

وبالنسبة للعلاقة المتشنجة لفرنسا الماكرونية مع المغرب فقد بدأت منذ سنوات، وتعقدت عندما رفض المغرب قبول استعادة المهاجرين والمبعدين المولودين فوق التراب الفرنسي، وأيضا أولئك الذين ليسوا مغاربة وتريد فرنسا أن تجعل المغرب يقبل باستقبالهم.

ثم زادت العلاقة تعقيدا عندما اتهمت وسائل إعلام فرنسية المغرب باستعمال بيغاسوس للتجسس على ماكرون ورجال دولة فرنسيين. والحال أن هذه ليست سوى ذرائع لإخفاء السبب الحقيقي للأزمة، ففرنسا تمتنع عن الاصطفاف مع الموقف الأمريكي حول الصحراء مثل ما فعلت إسبانيا وهولندا وألمانيا ودول أخرى، لأنها تريد أن تحتفظ بموقفها من ملف الصحراء للاستمرار في مسلسل الابتزاز للحصول على امتيازات اقتصادية في المغرب ليس آخرها مشروع القطار فائق السرعة الذي سيربط بين مراكش وأكادير والذي أبدت بشأنه الصين حماسا كبيرا.

وفي خطابه الأخير كان الملك أكثر من واضح عندما ألمح إلى أن العقيدة الدبلوماسية المغربية ستتغير مستقبلاً، بجعل قضية الصحراء أساس الاصطفافات، وإقامة الشراكات وتكوين الصداقات. بمعنى آخر على الدول التي تعتبر نفسها صديقة للمغرب أن تخرج من المنطقة الرمادية بشأن ملف الصحراء، وفرنسا واحدة من هذه الدول.

فرأينا بعد الخطاب ما رأيناه من حملة رقمية ساقطة استهدفت ملك البلاد في حياته الشخصية قادتها مواقع جزائرية كشفت خستها ودناءتها على أن الخطاب أوجعها أيما وجع.

وفي أعقاب زيارته للجزائر ألقى ماكرون وهو في مقهى تصريحا قال فيه أنه سيزور المغرب في أكتوبر، ضاربا عرض الحائط بالتقاليد البروتوكولية في مجال الإعلان عن الزيارات الرسمية والتي تتم عبر بلاغ رسمي بعد الاتفاق والتشاور مع الدولة المراد زيارتها. وكأنه يقول للمغرب هذا ما أعطتني إياه الجزائر فماذا ستعطونني أنتم؟

لقد وصلت فرنسا إلى مستوى منحط في تعاملها مع المغرب، ولذلك فالمغرب الرسمي مدعو لاتخاذ خطوات مماثلة في إطار المعاملة بالمثل، كفرض التأشيرة على الفرنسيين لدخول المغرب، والتخلي عن الفرنسية لصالح الإنجليزية.

لقد مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه فرنسا منتهى ما يحلم المغربي بالوصول إليه، أوروبا كلها اليوم على أبواب الفوضى، ففرنسا فيها رئيس بدون أغلبية برلمانية يريد أن يشغل الفرنسيين عن أزمتهم بقضايا مكافحة أئمة الكراهية، وألمانيا ترتعش من الخوف بسبب البرد القادم، أما بريطانيا فتعيش على ايقاع الاحتجاجات.

لقد كانت خطة بوتين هي استغلال الديمقراطية الغربية لإسقاط الحكومات المنتخبة وذلك بدفع المواطنين للنزول إلى الشوارع احتجاجا على حكومات بلدانهم، ويبدو أنه يسير بنجاح في طريق إنهاء فترة الرخاء التي عاشتها أوروبا.

ولذلك فالسعار الفرنسي تجاه المغرب لن يتوقف بل إنه سيزداد شراسة بفعل الأزمة الاقتصادية مما يفرض علينا الصبر والتحمل والقدرة على وضع مخططات لمقاومة الضغط على المستويين القريب والبعيد.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar