الجزائر من عشرية سوداء دموية إلى “عشرية سوداء صامتة”

شهدت الجزائر عشرية سوداء مازالت تبعاتها مستمرة، راح ضحيتها ما لا يقل عن 250 ألف شخص، وأزيد من 30 ألف مفقود ما بين عام 1992 و2002، بعد إلغاء النظام العسكري الجزائري للانتخابات التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية، ب188 مقعدا، من 232، في حين جبهة التحرير الوطني، حزب النظام الحاكم لم يتحصل إلا على 16 مقعدا، مما يبين أن حزب الحكم الوحيد حزب مرفوض شعبيا، وان النظام الحاكم نظام وظيفي انقلابي في تداول الحكم بين أجنحته، هذه الهزيمة النكراء لم يتقبلها النظام العسكري الجزائري فقام بانقلاب على الشرعية الشعبية التي يفتقدها، وأدخل الجزائر في نزاع مسلح بين الجماعات الإسلامية والجيش الجزائري،

للبقاء في الحكم أكد العقيد إسماعيل العماري (رئيس جهاز المخابرات) في ماي 1992م،  أنه: “مستعد لقتل ملايين الجزائريين إذا تطلّب الأمر للمحافظة على النظام الذي يُهدده الإسلاميون”. حسب ضابط المخابرات الجزائري الأسبق محمد سمراوي في كتابه “الإسلاميون والعسكر، سنوات الدم في الجزائر”.

وما على الأهالي إلا أن تحتفظ ذاكرتهم سوى بالقتل والتفجيرات والإعتداءات الجنسية ويمنع اتهام المتورطين من النظام العسكري الجزائري، ففقدان الذاكرة الجماعي الذي يعرفه النظام، يخدم سياسته لجعل الجزائريين يعيشون عدم الاعتراف بإنسانية الآخر ولم يتخلصوا من الدافع الغريزي إلى النفور ممّن يخالفونهم الرأي.

 لبقائهم كأهالي وليس كمواطنين، لا يعون ولا يدركون حسب مالك بن نبي. ليصبح الأهالي في الجزائر مرتبطا بالتهور والإنفعال والعدوانية يعكس مكبوتاته اللاعقلانية وعقليته العاطفية التي لم تصل للواقعية والمرتبطة بالمزاج الراديكالي المؤطر له من النظام صانع التمثل عبر آلياته المحددة للعقل الجمعي، لفقدان الأهالي حرية اتخاذ القرار ، خصوصا وأن أجهزة الأمن والمخابرات متواجدة بثقلها لتحقيق المكاسب.واستغلال العنف لصالح النظام العسكري الحاكم، بإنشاء جماعات مسلحة مزيفة من ثكنات مديرية الاستخبارات الأمنية.، مختصة في “صناعة الإرهاب” في الجزائر بأيدي أذرعها المخابراتية والعسكرية، لمضاعفة العنف ضد المدنيين، والإساءة إلى سمعة جميع المعارضين.

وهكذا فحملة القمع والسلوكات القاسية والفظة التي ينهجها النظام العسكري الجزائري أدت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي الجزائري، وتقهقر شرعية الجيش، وتقويض مصداقية النظام الهشة أصلًا، وساهمت في جنوح عدد كبير من الأشخاص نحو التطرّف، ولا سيما في صفوف الشباب، وتسيير تناقضاته الداخلية المهترئة، وتشديد قبضته على هياكل الدولة من أجل استمرار سلسلة المنافع، جهاز الحكم، الأمر الذي زاد من فقدان الدولة الوطنية من أي مشروعية.

راسما الرقابة الذاتية في التعاطي مع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكب في مخافر الكازيرنات أو القمع التعسفي المنتهج أو الأوامر الإدارية التعسفية التي تمنع أي رأي خارج عن رأي الدولة-الثكنة، وحرمان الجزائريين من الوسائل التي تخوّلهم ممارسة النقد الذاتي عند التفكير في ماضيهم الأليم.

حيث يطبق مقولة كارل شميت : “لكي تحقق الأمة وجودها بالذات، فإنه يتعين عليها أن تحدد عدوها، وهنا تمثل الدولة الشكل الأكثر اكتمالاً للسياسي، ذلك أنها الكيان الوحيد القادر على تحديد العدو العمومي للأمة وتسميته.”

ففي بيان لوزارة الدفاع الجزائرية الصادر في 02 يناير 2023، عن الحصيلة العملياتية لجيش النظام العسكري الجزائري لسنة 2022، في مكافحة الإرهاب، يتبين أن هذه الأرقام لا علاقة لها بالأرقام التي كانت تعلنها أسبوعيا، لزرع الرعب والخوف لدى الشعب الجزائري، وأن جمعها سيكون فضيحة من كثرة هول أرقامها، فقامت بإصدار أرقام تضليلية، لاستمرار النظام العسكري الجزائري المتسلط في زرع رعب العشرية السوداء، أعلن فيه:

تحييد 39 إرهابيا: حيث تم القضاء على 20 إرهابيا واستسلام 5 إرهابيين وتوقيف 14 إرهابيا”، إلى جانب “توقيف 371 عنصر دعم للجماعات الإرهابية وكشف وتدمير: 64 مخبأ للإرهابيين و97 قنبلة تقليدية الصنع.

واسترجاع 623 قطعة سلاح: منها 16 رشاشا ثقيلا من مختلف العيارات و4 قاذفات صاروخية RPG-7، و2 قاذفات صاروخية RPG- 2،  و56 كلاشنيكوف و499 بندقية من مختلف الأصناف، و39 مسدسا آليا و7 أنظمة تفجير عن بعد”.

 كما تم استرجاع كمية كبيرة من الذخيرة: تتمثل في 605 قذائف من مختلف العيارات و161499  طلقات من مختلف العيارات و35 مخزنا وأشرطة ذخيرة و31 كلغ من المواد المتفجرة.

هذه الحصيلة السنوية، وخصوصا البيانات الاسبوعية التي دائما تتضمن القضاء على إرهابيين أو تسليم أنفسهم أو اعتقالهم أو مواحهات مسلحة معهم خصوصا على الحدود مع مالي والنيجر، (إلى جانب الاشتباك مع “حركة تحرير تمنراست وأدرار” بالجنوب الجزائري التي أعلنت في 20 مارس 2022، أنها نفذت عملية عسكرية في موقع للجيش الجزائري بالقرب من تمياوين، أسفر عن مقتل 11 جنديًا جزائريًا وعدة جرحى.)، وأحيانا إعلانها عن مقتل عسكريين جزائريين

يبين أن الجزائر تعيش انفلاتا أمنيا من جهة، وأن هول حصيلة البيانات الاسبوعية خصوصا وتضخيمها هي لزرع الرعب في الشعب الجزائري الذي يعيش مخاوف عودة دموية العشرية السوداء كمسألة واردة وغير مستبعدة من جهة، والتغطية على خروقات النظام العسكري الجزائري من خلال إدراج أي جزائري أو جمعية لا تخضع لدكتاتوريته بتوظيفه مرسوم تنفيذي رقم: 384-21، يحدد كيفية التسجيل في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية، الصادر في 13 أكتوبر 2021، ليبقى المجتمع الجزائري يتعرض للعنف السياسي بحرمانه من حرياته وحقوقه الإنسانية. إضافة إلى التفاوت الطبقي، والأوضاع الاقتصادية الصعبة والظالمة المفروضة عليه.

لأن تبعات العشرية السوداء بعنفها الإرهابي جعلت الجزائري يعيش صدمة الإصابة بالعنف الذي تعرض له، شكل له صدمات نفسية جماعية سببت ذعر جماعي شامل، جسدياً ونفسيا وذهنيا واجتماعيا واقتصاديا، جعلت النظام يستمر في توظيفها للتحكم في ضبط الوضع الداخلي المأساوي الذي يعاني التفاوت الطبقي، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الجزائري، وذلك بزرع الرعب والقمع والتخويف بسياسة الذعر الجماعي، أمام أي تحول داخل المجتمع، يهدد وجوده المتسلط. لتمكنه من الأدوات لحمايته وهو تحكمه في أدوات السلطة السياسية وحيازة السلاح. لصناعة الاستبداد في الجزائر، والتأسيس لشرعية النظام العسكري الإنقلابي في الجزائر.

وأن النظام العسكري الجزائري، يوظفها أمام أي جهة كانت من الشعب الجزائري تحاول سحب البساط من تحت قدميه، فإنه سيدخل البلاد في «عشرية سوداء جديدة، كمسألة واردة بالفعل وهي غير مستبعدة، ما يعني أنه لا بد من مواجهة الشعب الجزائري باللجوء إلى استخدام السلاح وإغراق البلاد في الفوضى القاتلة، خصوصا وأن عناصر الجيش وقوى الأمن لا يخضعون للمحاكمة في ارتكابهم للتجاوزات.

لإخفاء المعلومات عن الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها عناصر الجيش وقوى الأمن، ويُعزى سبب هذا التصرّف إلى خبرته خلال العشرية السوداء، التي كانت الجماعة الإسلامية المسلحة هي المتهمة، والآن أصبحت ما يسميها جماعات إرهابية كالماك ورشاد، أو العصابة النافذة، أو جهات تضعف معنويات الجيش.

 ومحو التمايزات بين درجات المسؤولية التي تتحمّلها مختلف الجهات، ونهج استراتيجية الغموض المعتمدة رسميًا لتشمل جميع قطاعات المجتمع الجزائري، ومن ضمنها القطاع التعليمي

لأنه نظام عسكري مدرب على الوحشية مهووس بالسلطة وامتيازاتها، ولم يبق للجزائري إلا هاجس مغادرة البلاد  والهروب من جحيم قمع واستبداد نظامه القذر، كحلم والتخلص من وطن محترق. لان هذا الحرس القديم في أعماقه يخشى من الشعب الجزائري أن يفقده الصورة التي روج لها بأنه يعيش مؤامرات خارجية وأخرى داخلية ليصنع توجها وحيدا في البلاد عبر نشر أخبار عدائية والتضليل بمواضيع تافهة في منابره الإعلامية البنعكنونية، للإساءة للمغرب الذي يعتبره عدوا كلاسيكيا بمناسبة ودون مناسبة، لإدخاله في دوامة الدفاع والتبرير، وإفتعال نقاشات يعرف جيدا أنها فارغة، ليكسب التعاطف الشعبي معها لفقدانه للشرعية الشعبية كسرقة التراث المغربي وكل ماهو مغربي لتأجيج الأدلجة داخليا لعدم الاكتراث بموجات التصفيات و الاختطافات والاعتقالات وتدهور الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي، ويصبح معظم الجزائريين ضحايا هذه مأساة السياسة المقيتة لهذا النظام البنعكنوني القذر.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar