نظام التقاعد بفرنسا…هل تسير “الماكرونية” نحو التصدع؟

أثارت حكومة إيمانويل ماكرون غضب الفرنسيين بمشروع قانون نظام التقاعد الفرنسي، لكن قوة الحركة الاحتجاجية غيّرت المناخ السياسي في فرنسا برمته، كما أظهرت مدى عزلة حكومة إيمانويل ماكرون اجتماعياً، تبلور في السخط الاجتماعي تجاهها، وسمحت بالتحدي المستمر للأجندة الماكرونية، التي تستعمل مسألة السلطة والمواجهة السياسية الضرورية لجعل السخط الشعبي مسألته مجرد «وهم اجتماعي».

بعد قيام الحكومة الفرنسية بفرض إصلاح نظام المعاشات التقاعدية الذي لا يحظى بشعبية من خلال الجمعية الوطنية، أدى استخدام المادة 49.3 – التي تسمح بتمرير قانون دون تصويت برلماني – إلى تحويل الصراع على مشروع  قانون التقاعد إلى صراع أوسع على سلطات حكومة إيمانويل ماكرون، لأن المشكلة لم تعد مجرد «إصلاحات اجتماعية» للنظام التقاعدي، بل أصبحت سياسية بشكل بارز واتخذت نطاقاً اجتماعياً وطنيا، متحدية الأساليب غير الديمقراطية للحكومة الفرنسية، التي بلورت استياء اجتماعيا قادرا على فتح شرخ في النظام السياسي للجمهورية الفرنسية وأصبح ماكرون أكثر عزلة، بعد استخدامه المادة  49.3 لفرض الموافقة على مشروع القانون، دون تصويت في البرلمان وضد إرادة الأغلبية، بعد أن أظهرت الماكرونية عدم قدرتها على إقناع الرأي العام، مما يوضح أزمة ديمقراطية أعمق تعيشها الماكرونية، لضعف موقفها، فجعلت القمع الأداة الوحيدة المتاحة لها لإسكات السخط الشعبي.

لكن اللجوء إلى البند 49.3، المثير للجدل، والذي من المرجح أن يؤدي إلى تصويت بحجب الثقة عن حكومة ماكرون، بعد خسارة الأحزاب التي تدعم الرئيس إيمانويل ماكرون أغلبيتها في البرلمان، منذ الانتخابات النيابية في يونيو 2022، كأحد الأسباب في خطته لإجبار الفرنسيين على العمل لمدة عامين إضافيين قبل التقاعد، كإجراء دكتاتوري لفرض الموافقة على مشروع القانون بمجلس الشيوخ، لكنه مع ذلك يبقى معلقا، لكون الدستور ينص على أن نص مشروع القانون يمر عبر المجلسين وبالتالي تبقى الكلمة الأخيرة في يد مجلس الأمة.

بعد الإضرابات والاحتجاجات الشعبية التي بدأت في 7 مارس 2023، في قطاعات متنوعة مثل السكك الحديدية وجمع القمامة، أظهر الشعب الفرنسي معارضة كبيرة لمشروع القانون، على الرغم من أن ماكرون ورئيسة وزرائه بورن، كانا يأملان في أن تكون أصوات أعضاء حزب الجمهوريين المحافظين كافية لخلق أغلبية مخصصة لمشروع القانون، إلا أن نوابهم أثبتوا هشاشتهم في مواجهة الضغط الشعبي. حيث ذهبت شرطة مكافحة الشغب (CRS) للهجوم عدة مرات بالغازات والهراوات، كما عرفت الاحتجاجات اعتقالات غير قانونية وتعسفية، خاصة بحق الشباب، دون متابعة قضائية، واستخدام مسدسات LBD (“غير مميتة”) وقنابل يدوية، مما تسبب في إصابات خطيرة للغاية، في صور مروعة.

في هذا السياق، أصبحت الماكرونية تعيش كارثة  سياسية، بعد قانون التقاعد الجديد، كنتيجة لتداعيات فقدان فرنسا لمجالاتها الحيوية بعدة دول أفريقية، مستعمراتها السابقة، كإرهاصات على الوضع الداخلي الفرنسي.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar