كاتب مصري: حماس ترتكب أخطاء القاعدة وتحرف المقاومة عن مسارها

لا تقتصر فاتورة الهجوم المفاجئ لحماس على إسرائيل على البنية التحتية لقطاع غزة والمدنيين فقط، وإنما فوت الهجوم على الفلسطينيين فرصا لجني ثمار سياسية وحرف المقاومة عن مسارها.

لم تفشل حركة حماس الفلسطينية في الإدارة والحكم كما فشلت فروع جماعة الإخوان في الدول العربية، إنما أصابتها رعونة وعدم واقعية تعاني منهما كل الجماعات الجهادية خلال مباشرتها العمل القتالي، بصرف النظر عن مشروعيته وأهميته من عدمهما.

وتوفر لدى حماس ما لم يتوفر لغيرها من الكيانات الإسلامية لتحرز استدامة في المشهد والتحول إلى حركة جماهيرية مُلهمة نظرًا لعدالة القضية التي تدافع عنها والدعم السخي الذي تتلقاه من أطراف عديدة.

ولم تُحسن الحركة الفلسطينية الاستفادة من عوامل تميزها وغلبت عليها الانتماءات الأيديولوجية وحسابات المحاور الإقليمية لتصل أخيرًا إلى محطات قرّبتها من مساحات التدهور والتراجع التي يقبع فيها إسلاميون وجهاديون عديدون حول العالم.

واستدعت الأحداث الأخيرة التي جلبت حربًا لا تزال سيناريوهاتها ونتائجها مجهولة على جبهة قطاع غزة أو غيرها حزمة من المقارنات بين الحركة الفلسطينية ذات التوجهات الإسلامية وكيانات جهادية مثل تنظيم القاعدة.

ووجد كثيرون أن حركة حماس ذات الجذور الإخوانية كررت خطيئة تنظيم القاعدة المنتمي إلى السلفية الجهادية عندما شن هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في عمق الولايات المتحدة، وهو ما استفز واشنطن وأوجد لها مبررات لغزو أفغانستان بعدما رفضت طالبان تسليم مدبري الهجوم، وتمزيق أواصر التنظيم واستئصال رؤوسه وحرمانه من موطئ قدم إستراتيجي في أفغانستان في ظل إمارة إسلامية حاكمة.

سيناريو متكرر

بدا أن السيناريوهات تتكرر في ساحة جديدة، حيث ترك تأثير الهجمات المنسقة غير المسبوقة التي نفذتها عناصر النخبة بكتائب عزالدين القسام الجناح العسكري لحماس في السابع من أكتوبر الجاري على أهداف إسرائيلية نفس التأثير الذي تركته هجمات سبتمبر على الأميركيين.

وتتملك إسرائيل رغبة في إنهاء حكم حماس وسيطرتها على غزة، بجانب تصميمها على استئصال قادة الحركة ومحوهم من الوجود.

وليست هذه المرة مثل المرات السابقة، حيث اقتصر هدف إسرائيل الانتقامي في الماضي على معاقبة حماس وجعلها فقط تندم وتمتنع عن تكرار ضرباتها الخاطفة المحدودة لفترة طويلة.

والواضح أن تل أبيب انجرت هذه المرة إلى مواجهة حادة لا تعود فيها الأمور إلى مثل ما كانت عليه قبل هذه الحرب عندما اهتزت صورتها وجُرح كبرياؤها العسكري والأمني وتعرضت لخطر وجودي، ما يدفعها، وفقًا لتصريحات مسؤولين إسرائيليين، إلى عدم إيقاف هجومها المضاد قبل أن تتعرض حماس لضربات مُمِيتة.

وحصلت الحركة الفلسطينية بالفعل على ما سعى تنظيم القاعدة إلى الحصول عليه وقت أن شن هجماته الفارقة في تاريخ التنظيمات الجهادية العالمية على الولايات المتحدة قبل أكثر من عقدين، ولفتت العملية نظر العالم وصنعت الإبهار اللحظي بتنظيم متواضع الإمكانات والقدرات استطاع أن يخترق جهاز الاستخبارات الأميركي ويهين أقوى دولة في العالم في عقر دارها.

واقتنصت حماس هذه اللقطة وسُجل باسمها خداع مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي المتمرس والجيش الإسرائيلي المحترف، لكنها جنت في الأخير وضعها ضمن قائمة التنظيمات المفتقدة للعقلانية والرشد الباحثة عن صناعة حدث ضخم يُسجل باسمها من دون مراعاة لعواقبه ومآلاته.

ولا يعود نجاح القاعدة في تنفيذ مخططه، وهو ما ينطبق على عملية حماس الأخيرة “طوفان الأقصى”، إلى سعة الحيلة ومقدار ما اكتسبه تنظيم بدائي في مجال الاستخبارات والمعلومات، بل إلى اعتقاد الاستخبارات الأميركية أن قادة القاعدة يستحيل وصولهم في رعونتهم إلى توريط حليفتهم وحاضنتهم طالبان والتسبب في فقدان ساحة رحبة يشاركون في حكمها.

وبناءً على المنطق ذاته اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أن قادة حماس يتسمون بعقلانية تقيهم عدم التفكير في الإقدام على توريط غزة في تصعيد جديد، ناهيك عن تصعيد لا يقل الرد الثأري عليه عن إبادتها ثمنا للإهانة.

عقيدة متشابهة

تراخى الإسرائيليون لشعورهم بأن وضع حماس بات مختلفًا وفقًا لتفاهمات ضمنية يتعايش من منطلقها الطرفان ويستفيد كلاهما من الآخر (الأمن مقابل الاقتصاد)، حيث لم يتوقعوا أن تأتيهم ضربة من كيان يرسل إليهم قرابة العشرين ألف عامل كل يوم، من أصل 200 ألف عامل من فلسطيني الأراضي المحتلة، وهو ما يفيد الاقتصاد ويدر العوائد الضريبية للسلطة، علاوة على العديد من الامتيازات الأخرى.

وفي الوقت الذي ظنت فيه إسرائيل أن حماس لن تجرؤ على التسبب في نشوب حرب أخرى تدفع الفلسطينيين إلى الانقلاب عليها، وجدت الحركة أن مبدأ الحرب المستمرة سيكون مربحًا لها، وأن ما لا تحققه بالتهدئة قابل للتحقق باللعب بالنار.

وعوّلت حماس، وهي أحد أفرع التنظيم الدولي للإخوان، على تدخل المجتمع الدولي والقوى الإقليمية، كما جرى في أربع حروب سابقة، كلما أقدمت إسرائيل على سحقها.

ولم تضع حماس في حسابها مصير الفلسطينيين الذين تتركهم هدفًا للنيران الإسرائيلية من البر والجو والبحر، ولم تعدل من نهجها رغم تسببها مرارًا في جلب دمار البنية التحتية للمياه والكهرباء والصرف الصحي وتكرار مشاهد انتشال جثث الأطفال من تحت أنقاض المباني المهدمة ومشاهد نزوح وهروب العائلات التي فرت من منازلها.

ومع أن إسرائيل تسببت في ضرر هائل لغزة وسكانها ولعموم الفلسطينيين وقضيتهم ولحماس ذاتها، إلا أن الأخيرة ولافتقارها للتفكير الواقعي كحال كل الحركات الجهادية لم تتورع عن الفخر بما صنعته عندما نفذت هجومها الكبير باعتباره يومًا من أيامها ونصرها التاريخي، كاحتفاء القاعدة إلى اليوم بهجمات سبتمبر 2001 والجماعة الإسلامية المصرية بقتل الرئيس الراحل أنور السادات في أكتوبر 1981.

وتحصلت حماس على الإشادة بجرأة وبطولة منفذي عمليتها الكبرى التي باتت مسجلة بوصفها إنجازها التاريخي، ما جعلها أقرب على مستوى اتخاذ القرار والممارسة إلى الجهاديين التقليديين الذين لا يأبهون بما يسببونه من معاناة للشعوب ودمار للمناطق والدول التي يحكمونها أو يشاركون في حكمها.

ولم تستثمر حماس كعادة الجهاديين في إنشاء البنية التحتية والتعمير والتعليم أو بناء الملاجئ للمدنيين، في وقت بيّتت النية لتنفيذ خطط تجلب الثأر والهدم لكل ما تم بناؤه.

وعلاوة على أن الحركة التي أثارت الدهشة في بناء منظومة عسكرية جيدة في غضون سنوات قليلة تمضي قدمًا في مغامراتها العسكرية غير المحسوبة وهي تدرك أن عبء عملية إعادة الإعمار سوف تتحمله دول عربية ومنظمات دولية والسلطة الفلسطينية في رام الله التي تسببت هي في كراهية قطاع واسع من الفلسطينيين لها.

لا هدف سياسيا

تستخدم حماس القوة دون هدف سياسي ولا أفق لتسوية متوازنة، حيث ترى أن الحل يكمن في محو الكيان الإسرائيلي رغم استحالة تحقق ذلك، على غرار خطط القاعدة بشأن تدمير الولايات المتحدة والحضارة الغربية، ولذلك تتدخل أطراف أخرى لمداواة جراحات تبعات مغامراتها والدفاع عن الفلسطينيين وحقوقهم عبر طرح مبادرات وحلول واقعية مثل حل الدولتين.

ولم تتعلم الحركة الفلسطينية من دروس وتجارب فصائل السلفية الجهادية، فيما كان بمقدورها الاستفادة من خصوصية الساحة التي تنشط بها مكتسبة هوية مستقلة كحركة مقاومة مشروعة.

وأوصلت رعونة قادة الحركة وتهورهم إلى حد مقارنتها بداعش، والتسبب في منح إسرائيل الدعم الأميركي المالي والعسكري والضوء الأخضر لممارسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين والضرب بالقانون الإنساني وقوانين الحرب والمواثيق الدولية وتعاليم الأديان عرض الحائط.

ولم تتعلم حماس من تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل الطويل الذي خضع في حال النصر والهزيمة لموازين القوى، فلم تحارب إسرائيل في مرة من المرات وحدها، وكان معها دائمًا الغرب، والولايات المتحدة في المقدمة.

وأغفلت المقاومة التي تقودها حماس التوازن ولو نسبيًا مع الإمكانات ومع مقدرة الفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة على التحمل، كما أن مواصلة تقديم التضحيات بلا عوائد سياسية جعلها تستنزف الشعب بدلا من العدو.

وفوتت حماس فرصًا ثمينة لتطوير أدائها وتعظيم مكاسب الفلسطينيين على الأرض من خلال فعل مقاوم غير مرتبط بمحاور وأيديولوجيات يجمع عموم الفلسطينيين على منهج وهدف وطني موحد تحت مظلة وطنية.

وقضى ردها العسكري على تصعيد إسرائيل في القدس قبل نحو عامين على حراك شعبي وسياسي بدأ في النمو والانتظام ضد طرد الفلسطينيين من بيوتهم بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة.

وبدلًا من المساهمة في رعاية الحراك الشعبي ليتحول إلى انتفاضة كبرى بطول مساحة فلسطين المحتلة وعرضها تضع إسرائيل في مأزق حقيقي، ومن ربط الأقصى بالمقاومة في غزة والدفاع عن القدس وخلق قضية مشتركة لسكان المجتمع العربي، إلى جلب التعاطف معها والاستفادة من ملف القدس، تدخلت حماس في مايو 2021 بصواريخها لتحصر المسألة مجددًا في كونها مواجهة بين إسرائيل ومتمردين مسلحين مختبئن في غزة.

نتائج مختلفة

وجدت حماس نفسها في ذلك الوقت قادرة على تحدي إسرائيل في عملية “حارس الأسوار” أو كما سمتها حماس “سيف القدس” وانتزاع بعض التنازلات لصالحها، مقتنعة أن الجولة سوف تنتهي ويعود الهدوء، غانمة الامتيازات والتسهيلات الإضافية.

في عملية “طوفان الأقصى” أرادت حماس إذلال إسرائيل وإهانة كبريائها مستغلة ما تعانيه من أزمة داخلية قاسية، بجانب رغبتها في إحراج العرب على خلفية قرب إبرام اتفاق سلام بين إسرائيل والسعودية.

وحاولت حماس أن تُظهر بعد نصف قرن من الانتصار المصري في حرب أكتوبر 1973 أنها تقدر على فعل الشيء نفسه لتعزيز مكانتها في العالم العربي، وإثبات أنها وإيران قادرتان على إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل لإحراج القادة العرب الذين صنعوا السلام معها.

وفي حين ذهب الرئيس المصري أنور السادات إلى الحرب مع إسرائيل من أجل صنع السلام واسترداد الأرض، ترفض حماس التفاوض وفق إطار يعترف بوجود إسرائيل وفكرة حل الدولتين، وتبدو كمن ليست لديه أي مصلحة في صنع السلام.

وينتمي أداء حماس أيديولوجيا وحركيا وولائيا إلى نهج وفكر وتكتيكات التنظيمات الجهادية، خاصة القاعدة، ولا علاقة لها بتصورات ومناهج وأداء الدول، ما يجعلها تخوض صراعا صفريا لا ينتهي، حيث تسعى لتدمير إسرائيل، وفي أثناء سعي إسرائيل لقطع رأسها وشل قدراتها تلحق الضرر والدمار بغزة.

بقلم الكاتب المصري هشام النجار(عن موقع العرب)

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar