حصري..بصمات إيران واضحة في الاعتداء الإرهابي للبوليساريو على مدينة السمارة

بعد نجاحها خلال العقود الأخيرة في التسلل إلى دول الشرق الأوسط عن طريق مليشياتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، وتحويل هذه البلدان إلى قواعد عسكرية متقدمة للحرس الثوري الإيراني، أظهر الهجوم الإرهابي الذي شنه تنظيم البوليساريو على مدينة السمارة نهاية أكتوبر المنصرم، وجود بصمات إجرامية إيرانية واضحة المعالم، في هذا العمل الإجرامي الذي يمكن اعتباره بمثابة إعلان صريح للحرس الثوري الإيراني، ومليشيا حزب الله، عن تواجدهم الرسمي فوق التراب الجزائري.

377123092 376695998204583 8262151916207600783 n
النانة لبات الرشيد مستشارة زعيم البوليساريو في الضاحية الجنوبية للبنان في اجتماع بعلي فياض البرلماني عن حزب الله

وإذا كانت التقارير الاستخباراتية المغربية والأجنبية، وكذا الصحف العالمية المعروفة بقربها من الدوائر الأمنية والعسكرية، قد أجمعت كلها على وجود تعاون وثيق بين مسلحي البوليساريو وتنظيم حزب الله بدعم من إيران وبتنسيق جزائري، فقد جاء قصف مدينة السمارة ليؤكد صحة هذا التعاون وذلك بالنظر إلى العديد من التفاصيل التقنية المرتبطة بهذا العمل الإرهابي، التي تؤكد بما لا يدع أي مجال للشك ضلوع الأذرع الإيرانية إلى جانب البوليساريو في هذا الهجوم.

قد يتساءل البعض كيف للبوليساريو التي أعلنت عن تنصلها من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، بالرغم من الضغط الداخلي الذي تعيشه بفعل تصاعد الأصوات المنددة بانغلاق الأفق أمام تحقيق أي تقدم في أطروحة الانفصال، ظلت عاجزة على مدار ثلاث سنوات من تحقيق أي تقدم ميداني في حربها الأحادية الجانب المزعومة، وذلك بالنظر إلى تقادم ترسانتها العسكرية الموروثة عن الحقبة السوفيتية في مواجهة حزام ناري مغربي مجهز بأحدث التكنولوجيا الحربية، وكذا ضعف قوتها الصاروخية التي لا يتجاوز أقصى مداها العشرين كيلومترا، فما الذي تغير حتى تنجح قذائفها اليوم في الوصول إلى مدينة السمارة، وتخلف خسائر بشرية ومادية في صفوف المدنيين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أقرب نقطة في الحزام الأمني الدفاعي إلى مدينة السمارة تفوق ثلاثين كيلومترا، ومع العلم بأن البوليساريو بوجود طائرات مسيرة مغربية في سماء المنطقة العازلة، لا تستطيع الاقتراب من خط الدفاع المغربي إلى مسافة قريبة، وهو الأمر الذي يرسم لنا تصورا مبدئيا بوجود مسافة محتملة تفوق الأربعين كيلومترا تفصل بين اقرب نقطة قد تصل إليها البوليساريو لإطلاق صواريخها نحو مدينة السمارة، وهو ما يدل على تحول نوعي في قدراتها الصاروخية وحصولها على ذخائر أكثر تطورا.

377239207 317520334321587 8954288694503436117 n

ومن هذا المنطلق، وإذا كانت نقطة انطلاق الصواريخ تبعد مسافة تفوق 40 كيلومترا على الأقل من مركز القصف، وهو في الواقع مدى لا تستطيع البوليساريو تحقيقه بالاعتماد على صواريخ غراد 122 ملم التي زودتها بها الجزائر، والتي تعد أقوى منظومة صاروخية بحوزة البوليساريو، حيث ان سقف مداها لا يتجاوز 20 كيلومترا، فان السؤال الأهم هو ما هي نوعية السلاح الذي استعملته البوليساريو في تنفيذ القصف ؟ وبالعودة إلى المنطقة السكنية التي تعرضت للقصف بمدينة السمارة، تناقلت وسائل الإعلام الوطنية والدولية صورا ومقاطع فيديو تظهر الآثار التي خلفها القصف على المساكن المأهولة، وكذا شظايا القذائف المستعملة، وقد تبين أن صاروخا قد اخترق ثلاث مستويات من الخرسانة المسلحة لإحدى المساكن، ليستقر في نهاية المطاف بالأرضية، بعد أن خلف العديد من الثقوب العميقة المنتشرة على سطح المسكن والتي اخترقت بدورها الجدران على مساحة واسعة وهي كلها مؤشرات تدل على أن هذا الصاروخ كان مزودا برأس حربي متشظي شديد الانفجار.

IMG 20231029 162220 1 CCDT235DXJBRZKARQC4E4JSLDU

وفي المقابل كشفت بقايا الصاروخ الذي استهدف مبنى سكني ثان في نفس الهجوم، معطيين تقنيين أساسيين، فقد أظهرت الصور ومقاطع الفيديو قطعتين من الصاروخ وهما المقدمة التي استقرت في الأرضية وكذا الجزء السفلي منه، وبتقدير قطر القطعتين، يتضح أنهما لا تتجاوزان 122 مليمترا. وفي نفس السياق أظهرت الصورة الملتقطة للجزء السفلي من الصاروخ، أنه يحتوي على أجنحة مثبتة بواسطة لحام تقليدي، وذلك عكس صواريخ “غراد” من عيار122 ملم التي تحتوي على أجنحة متحركة، تفتح بشكل تلقائي بمجرد خروج الصاروخ من منصة الإطلاق، وهو ما يقربنا من وضع تصور مبدئي عن السلاح الذي استعملته البوليساريو لقصف مدينة السمارة، وبالتالي تحديد الجهة التي تصنع هذا النوع من الذخائر.

376432343 720419212861105 4014309094419669559 n 1 371527078 350920650809285 3962851572270865340 n

وبالاعتماد على المعطيات التقنية السالفة الذكر يتضح أن الأمر يتعلق بصاروخ من عيار 122 ملم يحتوى على رأس حربي متشظي شديد الانفجار، وأجنحة تقليدية ثابتة، يفوق مداه الأربعين كيلومترا، وجميع هذه المواصفات لا تنطبق سوى على صاروخ واحد وهو “أراش 4” الإيراني الصنع، الذي اعتمدت طهران في تطويره على صواريخ الكاتيوشا الروسية، يفوق مداه 40 كيلوميترا، ويحتوي على رأس حربي متشظ شديد الانفجار، إلا أن نظام إطلاقه يختلف عن باقي النماذج الأخرى التي سبقته مثل “أراش 1″ و”أراش 2″ و”أراش 3” والتي يتم انطلاقا من منصات “بي ام 21” الروسية التي تطلق صواريخ غراد، وهو ما يفسر احتواءه على أجنحة تم تثبيتها عن طريق اللحام التقليدي كما أظهرت الصورة.

399816565 1319091702308510 4238545543289548655 n

وبهذه النتيجة يتضح بما لا يدع مجالا للشك، أن البوليساريو حتى وان استبعدنا تنفيذها القصف الإرهابي على مدينة السمارة بواسطة سلاح إيراني، وانه تم إجراء تطوير داخل معسكرات تندوف على صواريخ غراد الموجود في ترسانتها العسكرية، إلا أن تطابق المواصفات بين السلاح الذي نفذ به قصف السمارة مع مواصفات الصاروخ الإيراني “أراش4” يدل على أن الخبرة التي تم اعتمادها للتطوير هي خبرة إيرانية، وفي كلتا الحالتين توجد بصمة إيرانية واضحة سواء من خلال تقديم الدعم الفني أو العسكري الذي مكن ميليشيا البوليساريو الإرهابية من قصف المدنيين بمدينة السمارة.

377292555 2044657642536726 7850028538164969850 n

ولعل ما يعزز هذا التحليل، هو أن البوليساريو لا تستطيع في الوقت الحالي الحصول على هذه الصواريخ إلا من إيران، لأن روسيا نفسها التي تعتبر المنتج الأصلي لصواريخ غراد، باتت تستوردها من إيران. ووفقًا للمخابرات الأوكرانية، فمنذ منتصف 2022 يتلقى الجيش الروسي صواريخ 122 ملم وذخائر أخرى من إيران بعد أن بدأ الروس يعانون من استنزاف مخزونهم من الذخيرة، وهو ما اعترفت به وزارة الدفاع الروسية فيما بعد عقب ظهور الذخيرة الإيرانية لأول مرة في لقطات رسمية، كشفت استعمال الجيش الروسي في الحرب الأوكرانية صواريخ إيرانية من طراز HE-FRAG عيار 122 ملم من عائلة أراش لصواريخ BM-21 Grad MRLS، وبذلك تكون إيران هي المزود الفعلي للبوليساريو بصواريخ غراد المطورة من طراز “أراش4” لان روسيا البلد الأصلي الذي ينتج هذا النوع من الذخائر هو نفسه أصبح يستوردها من إيران.

368515093 287500184255083 801539286643808441 n

جميع الخيوط تشير إلى تورط إيران في دعم القدرات العسكرية للبوليساريو لتهديد أمن واستقرار المملكة المغربية، لأن جميع التفاصيل والمعطيات سواء منها التقنية أو الميدانية وحتى الإستراتيجية تلتقي كلها عند طهران، لأن خصائص الصاروخ المستعمل والوضع الميداني بالمنطقة العازلة والموقع الجغرافي لمدينة السمارة، بالإضافة إلى استعانة الروس بهذا النوع من الأسلحة في الحرب الأوكرانية، هي معطيات تدل جميعها على وجود بصمة إيرانية واضحة في العمل الإرهابي الذي نفذته البوليساريو على مدينة السمارة، ليبقى السؤال المطروح في النهاية، أي من الأذرع الإيرانية متورطة فعليا في هذا الهجوم، هل هو الحرس الثوري الإيراني أم فيلق القدس أم حزب الله ؟

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar