هؤلاء يقفون وراء استمرار إضرابات الأساتذة لضرب استقرار المغرب

يستدعي مسلسل شد الحبل بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وتنسيقيات الأساتذة التوقف عند بعض النقط والقضايا التي لابد من توضيحها وشرحها حتى يتضح للمواطنين والمواطنات حيثيات وخلفيات ومرامي هذا الصراع العنيف الذي لم يكن المغرب يعرف مثيلا له، في ظل ما كان يعرفه من توافقات بين النقابات والأطراف الحكومية في ظل دولة الحق والقانون وفي احترام تام للمؤسسات والقنوات الوسيطة التي يعتبر تواجدها ضروريا في كل الدول الديمقراطية التي تحترم نفسها.

وفي هذا الإطار، وجب التذكير، بأن التعليم قبل أن يكون مهنة فهو رسالة تربوية، إذ أن الأستاذ قبل أن يكون موظفا لدى الدولة، فهو رسول للعلم بالدرجة الأولى، لذلك قال فيه الشاعر المصري الكبير احمد شوقي: “قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا”،..وهذا يعني أن الدور المنوط بالمعلم والأستاذ داخل المجتمع كبير ومهم، لدرجة انه يحمل بعض صفات الرسل.

ولكن يجب الاتفاق أولا انه ليس من صفات الرسل “المقامرة” بمستقبل أبناء الأسر المغربية ووضع السنة الدراسية على كف عفريت، إذ بالرغم من قرار الحكومة اعتماد زيادة تاريخية في أجور الشغيلة التعليمية، تقدر ب 1500 درهم ومعالجة جميع الملفات الفئوية، إلا أن تنسيقيات الأساتذة استمرت في احتجاجاتها وإضراباتها المتتالية.

إن هذا الأمر يطرح سؤالا وجيها حول الجهات التي تحرك هذه التنسيقيات وتدفع بها إلى التصعيد، في ظل ما يعرفه المغرب من استقرار في منطقة تعرف اضطرابات كبيرة، وعدم استقرار بسبب السياسات الفاشلة لحكام دول هذه المنطقة، وهي قلاقل يتمناها جيران السوء لبلدنا، ويحاولون استغلال كل مناسبة والركوب على كل حدث لضرب استقرار ووحدة المغرب، وهو مخطط تخدمه للأسف هذه التنسيقيات بوعي أو بدونه.

إن هناك جهات دخيلة وسط هذه التنسيقيات تحرك الأساتذة المضربين كيفما شاءت، وذلك لتحقيق مصالحها، وإلا كيف للأساتذة أن يواصلوا احتجاجاتهم رغم تحقيق المطالب التي خرجوا من اجلها أول مرة، لذلك لم يبق لديهم أي مبرر لإخلاء المدارس والأقسام وشل الدراسة وترك التلاميذ في الشارع، فيما صوت العقل والحكمة يقول إن مكانهم داخل الفصول الدراسية.

وحتى إذا كانت هناك مطالب أخرى لم تحقق بعد، فإن هناك أشكالا نضالية متعددة، بعيدة عن التوقف عن العمل وحرمان التلاميذ من الدراسة، إذ بإمكانهم كما يقع في الدول الديمقراطية، الاستمرار في التفاوض مع الجهات الوصية عن القطاع، دون المغامرة بمستقبل التلاميذ وترك المدارس فارغة، رغم أن الحكومة قررت الزيادة في أجورهم بنسبة كبيرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ المدرسة العمومية.

وتأتي هذه الزيادة في ظروف استثنائية يعيشها المغرب خاصة بعد أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة إلى التكاليف الكبيرة التي نتجت عن الزلزال المدمر الذي عرفه الحوز في شتنبر الماضي، وهو ما دفع الرأي العام الوطني إلى التساؤل، عن الأسباب الخفية وراء هذا العناد والتصعيد الذي تمارسه التنسيقيات، بعيدا عن أجواء التفاوض والتفاهم التي تطبع عادة هذه النزاعات في كل الدول التي تحترم نفسها.

والجواب على هذا السؤال، يستدعي الوقوف عند طبيعة هذه التنسيقيات وكذا الفاعلين الأساسيين داخلها، إذ أن هناك جهات أخرى هي التي تتحكم في تحركاتها ومآلاتها بعيدا عن مصالح الأساتذة الذين يتخذون مطية وحصان طروادة في هذا الصراع، الذي يفترض أن يبقى الأستاذ فيه بعيدا عن أجندات العدل والإحسان واليسار المتطرف وبعض التنظيمات التي لا يهمها لا مصالح الأساتذة ولا المواطنين ولا التلاميذ، بل إن محركهم الأساسي والهدف الرئيسي الذي يسعون إليه، هو زعزعة استقرار المغرب وتدمير اقتصاده والنيل من سمعته، والتقليل من نجاحاته، وذلك خدمة لأجندة خارجية همها الوحيد تفتيت الشعوب والدول المستقرة والدفع بمستقبلها نحو المجهول.

إن هذه الجهات، همها الوحيد هو إحراج الدولة أمام الرأي العام العالمي وإظهارها كدولة فاشلة غير قادرة على تدبير شؤون البلاد، وهذه الجهات يجب تسميتها ولا يجب السكوت عنها، وهنا نعني الإسلام السياسي واليسار المتطرف المتحالفين لإشعال نيران الفتنة في البلاد من خلال الركوب على صهوة قضايا وملفات اجتماعية وشيطنة الدولة وتجييش الرأي العام ضدها.

والدليل على ذلك، هو طبيعة هذه التنسيقيات الهلامية التي لا تتوفر على إطار وهياكل تستند إلى القانون والتنظيمات الجاري بها العمل، ولا تتحمل مسؤوليتها، إذ أنها عبارة عن مجموعات داخل واتساب ومواقع التواصل الاجتماعي لا يعرف عن حقيقتها الأساتذة شيئا، ولا من يقف وراءها ويحركها من خلف ستار.

إنها تشتغل وفقا للتعليمات التي تأتيها من الغرف المظلمة وتنشر عبر الواتساب، لكي ينفذها الأساتذة بوعي او بدونه، دون معرفة من يصدرها ويعملون على تطبيقها حرفيا على ارض الواقع من خلال توقيف الدراسة وترك أبناء المغاربة عرضة للضياع.

والحقيقة أن الهدف من مخطط إخراج الأساتذة إلى الشارع وتوقيف الدراسة، ليس فقط الضغط على الدولة وإنما استدراج الأسر المغربية التي حرم أبناؤها من الدراسة للخروج هي الأخرى في مظاهرات واحتجاجات في الشارع العام، وهو ما تأكد من خلال ما يروج عبر الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي الموالية والمحسوبة على جماعة العدل والإحسان وحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، بالإضافة الى اليسار المتطرف الذي يتزعمه النهج الديمقراطي وملحقته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، التي تدعو المغاربة إلى الخروج للشارع والاحتجاج ضد الدولة.

وللتدليل على ذلك، يمكن الاستشهاد ببنكيران كمثال، الذي يساند العدل والإحسان في إضراباتها اليوم، في الوقت الذي كان بالأمس يحاربهم رغم انه صاحب فكرة التعاقد مع الأساتذة وهو مصدر الأزمة التي نتخبط فيها اليوم.

وللإشارة فقط، فإن هذه الاحتجاجات والدعوة إلى إخراج المغاربة إلى الشوارع تتزامن مع ما تقوم به هذه الجهات من احتجاجات تحت يافطة التضامن مع غزة ومحاربة ما يسمى بالتطبيع، والغرض من كل هذا هو إشعال فتيل الفتنة داخل المغرب، في إطار مخطط جهنمي أسوة بما سمي بالربيع العربي، يقوده الطابور الخامس في المغرب الذي يتلقى أموالا طائلة، مقابل ذلك من جهات خارجية هدفها الأسمى هو زعزعة استقرار المغرب، الذي يقض مضجعها.

وفي الأخير، إن الحرب الخبيثة التي يقوم بها نظام العسكر، وأدواته المرتزقة ضد المغرب ووحدته الترابية، لم تستطع على مدى نصف قرن النيل من المغرب وزعزعة استقراره، وهي رسالة إلى هؤلاء الذين يقامرون بمستقبل أبناء المغرب الذين لن ينجحوا في مسعاهم الخبيث، لأن الدولة تعي جيدا هويتهم ومخططهم الدنيء، باعتبارهم أقلية لا وزن لها داخل مجتمع تفوق نسبة سكانه 36 مليون نسمة.

إن ما يقوم به محركو تنسيقيات الأساتذة، يذكرنا في بعض تفاصيله، بما حدث في اكديم ازيك بالعيون سنة 2010، حيث السلطات تمالكت نفسها وتعاطت بشكل ايجابي وحضاري مع الاحتجاجات، وكلما نفذت مطالب المحتجين إلا وارتفع سقف مطالبهم ولغة التصعيد التي اعتمدوا عليها، الى أن اتضحت علاقتهم بالانفصاليين وبمخطط جزائري لزعزعة المغرب، وظهر أن الأمر لا يتعلق بمطالب اجتماعية، والكل يعلم النهاية التي آلت إليها الأمور في مخيم اكديم ازيك.

إن الدولة استفادت كثيرا من درس اكديم ازيك، وبقي أن يستفيد الأساتذة الذين يجب عليهم استحضار مصلحة الوطن والتلميذ أولا، وان يتحملوا مسؤوليتهم التاريخية ويجنبوا البلاد السقوط في مستنقع المخططات الخارجية الخبيثة.

وقد أعذر من انذر …

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar