القمة العربية الروسية بمراكش.. فرصة ذهبية لتعميق العلاقات الإستراتيجية بين موسكو و الرباط

تنطلق غدا الثلاثاء 19 دجنبر 2023، أشغال الدورة السادسة للمنتدى العربي الروسي بمدينة مراكش تحت شعار الرهان على تعزيز مكانة روسيا في المنطقة العربية وإفريقيا، وستكون مراكش طيلة يومي 19 و 20 دجنبر الجاري قبلة للمشاركين في هذه القمة التي ستعرف حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

 وتأتي هذه القمة العربية الروسية بمدينة مراكش، في سياق خاص تطبعه التحولات الدولية وما يعيشه العالم من أزمات وحروب، ورغبة روسيا في تعزيز مكانتها في المنطقة العربية وفي القارة الإفريقية.

ومن المرتقب أن يعرف المنتدى أو القمة العربية الروسية بمراكش، والتي سبق تأجيلها مرارا، طرح العديد من القضايا للنقاش من ضمنها قضايا الأمن والحرب على غزة، فضلا عن قضايا التنمية والتعاون المشترك، كما أنها مناسبة للمغرب وروسيا لبحث سبل تطوير علاقاتهما والدفع بها إلى الأمام خاصة على مستوى التبادلات التجارية والتعاون الفلاحي والصيد البحري وتطوير البرنامج النووي الذي تسعى المملكة إلى تنفيذه لأغراض سلمية.

وشهدت العلاقات المغربية الروسية في السنوات الأخيرة تطورا كبيرا توج بزيارة جلالة الملك في سنة 2016 ولقاؤه بالرئيسي فلاديمير بوتين والتوقيع عل عدة اتفاقيات ثنائية، تلتها زيارات متتالية لمسؤولين روس إلى المغرب على راسهم وزير الخارجية سيرغي لافروف وزيارة رئيس الحكومة عزيز اخنوش إلى موسكو للمشاركة في القمة الإفريقية الروسية في يوليوز الماضي بسانت بطرسبرغ.

وعلاقة بالموضوع، سبق للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أن قالت إن العلاقات بين روسيا والمغرب “متميزة، وتجسد انفتاح إفريقيا على روسيا وانفتاح روسيا على إفريقيا، مؤكدة على هامش القمة الثانية والمنتدى الاقتصادي روسيا-إفريقيا، التي انعقدت في 27 و 28 يوليوز الماضي في سانت بطرسبرغ، العاصمة الثقافية لروسيا، أن روسيا والمغرب يقيمان علاقات تعاون جيدة للغاية في عدة مجالات.

وشددت زاخاروفا في هذا الصدد، على التعاون الجيد جدا بين البلدين في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والمال والسياحة والأعمال والعديد من القطاعات الأخرى. وأضافت قائلة: “لدينا أساس قانوني متين لهذا التعاون”، في إشارة إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والمغرب، المنفذة منذ عام 2002، والتي تم تعزيزها في عام 2016 من خلال التوقيع على “إعلان حول الشراكة الاستراتيجية المعمقة”. وتابعت بالقول “نشجع الصداقة والاحترام المتبادل مع المغرب. يتعلق الأمر بمثال ساطع على كيفية بناء العلاقات بين البلدان”.

وسلطت زاخاروفا، الضوء على “العلاقات الجيدة والودية تقليديا” بين موسكو والرباط ، مستعرضة تطور العلاقات الثنائية منذ توقيع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والمغرب عام 2002.

وأوضحت المسؤولة الروسية، أن المغرب من بين الشركاء الثلاثة الأوائل لفدرالية روسيا في إفريقيا، مشيرة في هذا الصدد إلى أن المملكة تأتي في المرتبة الثانية من حيث الصادرات والثالثة من حيث الواردات.وأشارت إلى أن “التبادلات التجارية زادت بأكثر من 25 بالمئة منذ عام 2021، وتم تسجيل نفس الدينامية في الأشهر الأولى من العام الحالي، مشيرة إلى أن الصيد البحري هو أحد القطاعات الرئيسية للتعاون بين البلدي.

 وبخصوص آفاق تطوير العلاقات التجارية مع المغرب، أشارت إلى أن الشركات الروسية مهتمة بتطوير قطاع الطاقة وتنفيذ مشاريع في مجالات التكنولوجيا العالية والخدمات اللوجستية.

ويرى محللون سياسيون ان العلاقات المغربية- الروسية لها تاريخها المتميز ومستقبلها المشرق. ففي شتنبر من عام 1958، كانت بداية العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وروسيا (زمن الاتحاد السوفييتي)، واستمرت تلك العلاقات على مدى عقود حتى وصلت ذروتها خلال العقدين الآخرين.

حيث بدأت أبرز الزيارات الرسمية بين البلدين عام 2002 عندما قام جلالة الملك محمد السادس، بزيارة إلى روسيا تلاها زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمغرب عام 2006. وفي عام 2016 قام جلالة الملك بزيارة ثانية إلى روسيا، وأصبحت الدولتان ترتبطان بشراكة استراتيجية منذ 2016.

وحول مستوى العلاقة في الوقت الراهن، يرى محمد ملال، محلل سياسي، في تصريح ادلى به ل”سبوتنيك” الروسية، أن العلاقات بين البلدين عرفت تطورا هاما بعد زيارة جلالة الملك محمد السادس في العام 2016، حيث جرى توقيع العديد من الاتفاقيات، ما يؤكد رغبة المغرب الكبيرة في تقوية العلاقات مع روسيا، بكافة المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية.

وتابع ملال: “الرؤية الملكية الحالية بشأن العلاقات الدولية تسير في اتجاه سياسة الانفتاح على جميع القوى الدولية، والتعاون الصادق بين الشركاء والحلفاء، وهو ما تأكد اليوم في ظل العالم المتعدد الأقطاب، ولفت إلى أن ما تشهده الساحة الدولية الآن، يؤكد السير نحو العالم متعدد الأقطاب وتغير العديد من العوامل السابقة في جميع المجالات. واستطرد: “المغرب لديه تاريخ عريق في علاقته الدولية مع جميع الأطراف”. وشدد ملال، على أن مستقبل العلاقات بين روسيا والمغرب مشرق ويمكن أن يتطور بسرعة كبيرة، حسب جميع المؤشرات الراهنة. وكان المغرب اتخذ قرارا بتنويع الشراكات والعلاقات الدولية، وهو خيار استراتيجي غير مرتبط بمرحلة بعينها أو أزمة ما، لكنه مرتبط برؤية ملكية هامة تعرف تطورا ملحوظا بين المغرب وروسيا في جميع المجالات، كما في بعض الدول.

من جهته، صرح محمد العمراني بوخبزة، محلل سياسي وخبير في العلاقات الدولية، أن محاولة المغرب لبناء علاقات متوازنة بين مختلف القوى ليست وليد اليوم؛ لأن العلاقات كانت دائما مبنية على الصراع بين القوى الكبرى، والمغرب كان دائما يتمكن من بناء علاقات متوازنة. واضاف العمراني بأن التعامل مع المغرب يجب أن يكون تعاملا مختلفا، لفهم كيفية بناء علاقاته الخارجية؛ لأن ذاكرة الدولة المغربية ذاكر طويلة جدا، وبالتالي حتى الممارسات هي ممارسات قديمة تحاول أن تتأقلم مع المستجدات.

وأوضح الخبير في العلاقات الدولية أن من ينظر إلى كيفية تعامل المملكة مع مرحلة الحرب الباردة يلاحظ أن المغرب رغم أنه كان قريبا من المعسكر الغربي؛ فإنه حافظ على علاقات ودية مع المعسكر الشرقي، خاصة الاتحاد السوفياتي.. ومن خلال هذا المعطى، يمكن أن نفهم ما يحدث اليوم.

من جهته، يرى خالد الشيات، الخبير وأستاذ العلاقات الدولية، أن العلاقات المغربية الروسية ممتدة عبر الزمن ومستقرة استقرارا يتناسب مع المستوى الجيد لهذه العلاقات. مؤكدا أن التاريخ المعاصر لم يعرف أي نوع من العداء في العلاقات بين المغرب وروسيا، ودائما كانت علاقات مستقرة وثابتة. كما ابرز الشيات أن هذه العلاقات استمرت بعد الحرب الباردة وتم توقيع اتفاقيات قاربت 11، وهي اتفاقيات ذات طبيعة عسكرية، ثقافية، تجارية واقتصادية، وتعززت في الزيارة الملكية لسنة 2002، بما فيها التعاون الاستراتيجي بين البلدين.

وبالعودة إلى تاريخ العلاقات المغربية الروسية، نجد أنه في 1777 تواصل السلطان محمد الثالث، سلطان المغرب، مع الإمبراطورة الروسية إيكاترينا الثانية، وفي 1778 أعلن استعداده لاستقبال ممثل للإمبراطورة في المغرب، وفتحت الإمبراطورية الروسية قنصلية عامة في طنجة في 1897.

كما احتفلت الرباط وموسكو، في شتنبر الماضي بالذكرى الـ65 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ من خلال تبادل التهاني بين وزيري خارجية البلدين ناصر بوريطة وسيرغي لافرورف، والتي لم تخل من إشارات دالة تؤكد صفو العلاقات وتوجهها نحو تطور ونمو أكبر في المستقبل.

وبدا لافتا في رسالتي بوريطة ولافروف التعبير عن الطموح المشترك للحفاظ على تنسيق فعال في مجال السياسة الخارجية بين المغرب وروسيا، بما يخدم الأمن والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي؛ الأمر الذي يعد رسالة واضحة من الجانبين ترسم مسار ومستقبل هذه العلاقات التي تعرف نموا مضطردا منذ سنوات.

ولم يقف البلدان، خلال هذه الذكرى، عند هذا الحد؛ بل ثمن الوزيرين الاهتمام الذي يوليه الجانبان لاستمرار تطوير وتعميق التعاون متعدد الأبعاد بين المغرب وروسيا والذي يعود بالنفع على البلدين، ما يعني أن الطرفين يسيران نحو تعميق الشراكة والتعاون بينهما في مختلف المجالات.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar