دواعي رفض دول الساحل والصحراء للوجود الفرنسي

إن الرفض المتزايد للوجود الفرنسي في القارة الأفريقية، شكّل هزيمة دبلوماسية وفشل استراتيجي لفرنسا، في منطقة الساحل والصحراء. بعد سحب تدخلها العسكري والقطع مع العمليات السرية للقوات الفرنسية.

وتجلى رفض فرنسا في فشل العمل الاستخباراتي لمديريتها العامة للأمن الخارجي، التي كانت متغلغلة منذ 1995، لمحاربة إمدادات تجارة الأسلحة المرتبطة بالجماعات الإرهابية التي أدت إلى تشكيل الجماعات المتطرفة المسلحة؛ بالرغم من تحديد هوية العديد منها دون أن تكون قادرة على منع أو حتى عرقلة هذه التشكيلات المتطرفة المسلحة، دون تنفيذ أي عمل هجومي وقائي ضدها، أو التحديد الفعلي للمناطق التي تنشط فيها الجماعات المسلحة في هذا المجال الجغرافي الشاسع، لتقليص انتشار خلاياها.

ومنذ عام 2007، تفاقم فشل مديرية الاستخبارات العسكرية (DRM)، الفرنسية، في أدوات عملها على الجماعات المسلحة غير النظامية، بأعمال عسكرية دون علم بالخصائص العملياتية للجهاديين، عبر القوات الخاصة الفرنسية، كفرقة عمل سيبر، لتحرير الرهائن، وكذا عملية “سيرفال”.

وفي 2014، تم إطلاق عملية “برخان”، بمشاركة فرق عسكرية إقليمية، في حين أضافت لها وحدات مسلحة محلية في عمليات التمشيط، إلا أن فرنسا لم تؤيد الغارة على مختار بالمختار في ليبيا، سنة 2016، في حين قامت بتصفية كوادر جهادية، كسيف الله بن حسين، مؤسس الجماعة التونسية المقاتلة (GCT)، الذي قتل عام 2019، شمال تمبكتو، وعبد المالك دروكدال، أمير القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي سنة 2020، قرب تساليت المالية.

WhatsApp Image 2024 02 15 at 06.17.01 1

ما أدى إلى تدهور الوضع الإقليمي نتيجة تطور وتعدد الشبكات الإرهابية، وأثار القلق وتسارع الضغط على القوات الأمنية بهذه الدول، لكون التواجد الفرنسي لم يؤدي إلى تغيير حقيقي في استراتيجية محاربة الإرهاب والحفاظ على الأمن والإستقرار بهذه الدول؛ فتلاشى النفوذ الفرنسي في التدخل بشكل مباشر أكثر، بسبب نشوء مسرح جديد في منطقة الساحل، وتغير الوضع الإقليمي وتطور الشبكات الجهادية.

أمام هذا الرفض الذي تواجهه فرنسا في منطقة الساحل والصحراء الذي كانت تعتبرها مجال نفوذها الطبيعي، فهي تحاول العودة عبر توظيف أداة نفوذها العسكرية الجديدة، وهي شركة Défense Conseil International (DCI)، المشغل الرئيسي لوزارة القوات المسلحة الفرنسية، لمراقبة عقود تصدير الأسلحة الفرنسية ونقل المعرفة العسكرية ذات الصلة.

و تتكون هذه DCI، من حوالي ألف موظف، 80٪ منهم عسكريون سابقون، للعمل بشكل سري، (دون ارتداء ملابس عسكرية)، للبحث عن رواية جديدة لفرنسا، لإعادة التواجد العسكري الفرنسي المطرود. والمرفوض.

وتساهم الدولة الفرنسية في DCI، بنسبة 55٪، وتعمل جنبًا إلى جنب مع وزارة القوات المسلحة الفرنسية، وهي الشركة التي تقوم بتدريب طياري طائرات الهليكوبتر الجزائريين وميكانيكيي الطيران في رواندا.

حيث أوضح رئيسها التنفيذي صامويل فرينجانت، Samuel Fringant: “أن DCI هي أداة نفوذ لوزارة القوات المسلحة، والتي تضمن وجودًا فرنسيًا سريًا إذا لزم الأمر”.

لكن هذا الفشل الفرنسي تجسده كذلك، التجارة والاستثمارات بين فرنسا ودول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فمثلا في عام 2022، لم تتجاوز 2% فقط من إجمالي التجارة الخارجية لفرنسا مع هذه الدول.

في حين تبعات الفترة الإستعمارية، بقيت مستمرة في السياسة الفرنسية بالمنطقة، كمورد استراتيجي هام لها، حيث تشكل
11٪ من وارداتها الهيدروكربونية، و9.5٪ من وارداتها من المنتجات الزراعية والغابات وصيد الأسماك وتربية الأحياء المائية، كما تشكل المعادن عصب صناعاتها للمعدات الميكانيكية والمواد الكهربائية والإلكترونية، بالإضافة إلى المنتجات التي تزود بها صناعاتها الغذائية الزراعية والصيدلانية.

ونتيجة هذه السياسة الفرنسية الإستغلالية، التي بدأت تعرف انتفاضة ضدها بهذه الدول، بدأ تراجع الإستثمارات الفرنسية منذ 2015، بشكل تنازلي، وأصبحت لا تمثل سوى 2.5%، من الإستثمارات الأجنبية بمنطقة الساحل والصحراء والإيكواس عموما.

وهكذا تضاعف رفض النفوذ الفرنسي، في هذه الدول، لسياستها التي تتغذى من تبعات الحقبة الإستعمارية، التي كانت ضحية لها، سواء عبر القواعد العسكرية، أو القروض ومساعدات التنمية، أو فرنك الاتحاد المالي الأفريقي كوسيلة للخضوع.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar