الجزائر تعترف بتصعيدها المجاني وغير المبرر ضد المغرب

في أول اعتراف رسمي من الجارة الشرقية للمملكة على أن الأدلة والتوضيحات التي قدمتها مصادر ديبلوماسية مغربية حول جدل عقارات سفارة الجزائر بالرباط، قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إن “تبريرات المغرب كانت لائقة، والقضية قد انتهت”.

وأشار عطاف خلال مؤتمر صحافي، أمس الثلاثاء، إلى مسألة عقارات سفارة بلاده بالمغرب، حيث أكد أن بيان بلاده التنديدي “جاء بعدما أثار المغاربة الموضوع، ونحن قمنا بالرد عليه”، دون ان يذكر من هم هؤلاء المغاربة الذين اثاروا المضوع!

وتعكس تصريحات عطاف تراجعا عن خطأ دبلوماسي بعد سقوطه في مستنقع التصعيد المجاني وغير المبرر، لكن التبريرات التي قدمها وزير الخارجية الجزائري بأن الموضوع تمت إثارته من قبل المغاربة، وأن وزارته ردت عليه،  تكشف عن أن الدبلوماسية الجزائرية تتعامل مع الملف الخارجية بطريقة عشوائية وقد برز ذلك في ردودها المرتبكة والمتشنجة طيلة السنوات الأخيرة مما أدخلها في سلسلة من الأزمات والتوترات مع محيطها الإقليمي والقومي.

وكانت وزارة الخارجية الجزائرية اتهمت قبل عشرة أيام المغرب بمصادرة ممتلكات لسفارتها، وقالت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية إن الحكومة الجزائرية “سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة”.

ورد مصدر ديبلوماسي مغربي على الادعاءات الجزائرية قائلا إنها “بلا أساس من الصحة، كما أن الرباط لا تسعى للتصعيد ضد الجزائر ولا تطمح للاستيلاء على سفارة جارتها الشرقية”، موضحا أن “الأمر يتعلق بمبنى غير مستغل أساسا”.

وطرح خبراء سياسيون وجود “تناقض” كبير في تصريحات الخارجية الجزائرية، وهو ما يعبر، بحسبهم، عن “عشوائية عمل الديبلوماسية الجزائرية وسقوطها المتواصل في التعامل مع الملفات الخارجية”.

وقال هشام عبود، الناشط الجزائري المعارض الذي يعيش في فرنسا، إن تصريحات عطاف “إقرار جزائري رسمي بخطأ ديبلوماسي كبير في معالجة ملف ملكية عقارات السفارة”.

واعتبر عبود أن من قام بصياغة بيان الخارجية الجزائرية، “لم يكن يعلم حتى بوجود مراسلات رسمية بين البلدين حول هذا الموضوع”، مشيرا إلى أن “تقديم الرباط لهاته الوثائق المسربة، جعل الجزائر تتراجع، وعطاف لم يكشف كيف انتهى الموضوع”.

وأورد الناشط الجزائري المعارض أن الطرف الجزائري غير قادر على تنفيذ تهديداته التي جاءت في بيان 17 مارس، وهو ما يدل على “وجود أطراف في المؤسسات الجزائرية تشتغل في الخفاء باتخاذ قرارات عشوائية”.

وشدد على أن “الديبلوماسية الجزائرية استدركت نفسها، وتيقنت أن من قام بتحرير البيان الذي هاجم المغرب لم يطلع على الموضوع. وعليه، عرفت أنها لا تستطيع تقديم أي شيء في هذا الصدد”.

وكانت الرباط أبلغت، في يناير 2022، رسميا وفي مناسبات عديدة، السلطات الجزائرية برغبة الدولة المغربية في شراء المبنى المذكور وديا، وفق مصدر دبلوماسي مغربي.

وأكد المصدر ذاته أن “القنصل العام للجزائر في الدار البيضاء استقبل في الوزارة بما لا يقل عن 4 مرات بهذا الخصوص”، كما أحيلت ” 8 مراسلات رسمية إلى السلطات الجزائرية التي ردت بما لا يقل عن 5 مراسلات رسمية”.

وسجل المصدر أن السلطات الجزائرية ردت، في “اثنتين من مراسلاتها، على العرض المغربي بالإشارة إلى أن تقييما مملوكا للدولة لهذه الممتلكات جار وأنها ستبلغ استنتاجاتها بمجرد الانتهاء منها”، وأن “الإفراج عن المبنى وإزالة محتوياته سيتم وفقا للأعراف الدبلوماسية بمجرد الانتهاء من عملية البيع”.

وفي رسالة أخرى، أبلغت السلطات الجزائرية أيضا خطيا أنها “قررت الشروع في إجراء لنزع ملكية بعض الممتلكات في المنطقة القريبة من قصر الشعب للمرافق العامة، وبالتالي استعادة ملكية سفارة المملكة المغربية”.

وسبق أن كشفت وثائق رسمية “التزاما من السلطات الجزائرية بتحرير مقرات القسم القنصلي وتَرحيل مُحتوياته فور انتهائها من عمليات البيع المقررة طبقا للقانون”.

وأكدت وثيقة أخرى “وجود سوابق في سلك مسطرة نزع الممتلكات الدبلوماسية المغربية، فقد راسلت القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء، في 14 مارس 2022، وزارة الشؤون الخارجية المغربية تُخبرها برغبة سُلطات العاصمة الجزائر في مُصادرة مقر منزل السفير المغربي بالجزائر، لاعتبارات قالت إنها تَتعلَّق بإعادة تَهيِئة جماعة سيدي أمحمد، التي يَتواجد بها المقر الدبلوماسي المغربي”.

إن تصريحات عطاف تُمثّل اعترافًا جزائريًا رسميًا بخطأ دبلوماسي كبير. وتُؤكد التناقضات في تصريحات الخارجية الجزائرية على ضرورة إعادة هيكلة الدبلوماسية الجزائرية واعتماد نهج أكثر عقلانية ومسؤولية في التعامل مع الملفات الخارجية.

من المهمّ أن تُدرك الجزائر أنّ التصعيد ضدّ المغرب لن يُؤدّي إلاّ إلى مزيد من التوتر والاحتقان في المنطقة، وأنّ الحلّ الوحيد للأزمة هو الحوار والتفاوض.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar