إيران تلجأ إلى روسيا لتهدئة الوضع وتجنب ضربات إسرائيلية حقيقية

لجأت إيران إلى روسيا لتوجيه رسالة تهدئة إلى الإسرائيليين مفادها أنها لا تنوي الرد على الاستهداف الذي طال بعض المواقع الإيرانية، وسعت إلى التقليل من الهجوم على لسان وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، في خطوة يقول مراقبون إنها تُظهر أن طهران تبذل كل ما في وسعها لتجنب توجيه ضربات إسرائيلية حقيقية إلى مواقع حساسة في البلاد.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن روسيا أبلغت إسرائيل بأن إيران “لا تريد تصعيدا” بعد تقارير عن هجوم إسرائيلي ردًا على هجمات إيرانية استعراضية بطائرات مسيّرة وصواريخ استهدفت الدولة العبرية في نهاية الأسبوع الماضي دون أن تلحق بها أضرارا.

وقال لافروف في مقابلة مع محطات إذاعية روسية “حصلت اتصالات هاتفية بين قيادتَي روسيا وإيران وممثلينا والإسرائيليين (…)، أبلغنا الإسرائيليين في هذه المحادثات بأن إيران لا تريد تصعيدا”. ولا شك أن اللجوء إلى روسيا لتأكيد أن طهران لا تنوي رد الفعل بأي شكل من الأشكال على أي استهداف إسرائيلي يكشف تخوّف إيران من تحرك نوعي لإسرائيل قد يطال مواقع دفاعية حساسة مثل مصانع المسيّرات والصواريخ الباليستية والبرنامج النووي.

وزاد خوف الإيرانيين من الاستهداف الإسرائيلي بعد أن حقق الهجوم الاستعراضي الإيراني نتائج عكسية بأن أظهر ضعف القدرات العسكرية الإيرانية ومحدوديتها في الوصول إلى أهداف في إسرائيل. ووقوف الإسرائيليين على هذا الضعف قد يساعدهم على تنفيذ هجمات مركزة أو هجمات على فترات متباعدة كتلك التي يتم تنفيذها في سوريا ضد الوجود العسكري لإيران وحزب الله.

وسعى المسؤولون في طهران إلى التقليل من أهمية الانفجارات، وتحدثوا عن تدمير الدفاعات الجوية لـ”أجسام مشبوهة” في الأجواء على مقربة من قاعدة عسكرية، في محاولة لاحتواء الموقف أمام الرأي العام الإيراني. واختار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عدم قطع رحلته إلى إقليم سمنان وسط البلاد، في إشارة إلى أن البلاد ليست في حالة تأهب قصوى. ولم يأت على ذكر هذا “الحادث” في خطاب ألقاه خلال جولته.

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن الطائرات المسيرة لم تسبب خسائر مادية أو بشرية. جاء ذلك خلال تصريحات أدلى بها في نيويورك. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن عبداللهيان قوله “وسائل الإعلام الداعمة للكيان الصهيوني حاولت يائسة تصوير الهزيمة على أنها نصر في حين أن الطائرات الصغيرة التي أُسقطت لم تسبب أي أضرار أو إصابات”.

ولم تُعرف إلى حد الآن ماهية الهجوم أو الانفجارات التي يتحدث عنها الإيرانيون، وقد يتعلق الأمر بمسيّرات استطلاعية أو هجوم بفايروس جعل الرادارات الإيرانية تعتقد أنها ترى مسيرات أو صواريخ، ما يعكس حالة الإرباك في البلاد بعد هجوم ليل السبت – الأحد. وقال مسؤول إيراني إنه لا توجد خطط للرد على إسرائيل بسبب الواقعة. وأضاف “لم نتأكد من أن هناك مصدرا خارجيا وراء الواقعة، لم نتعرض لأي هجوم خارجي والنقاش يميل أكثر نحو تسلل وليس هجوما”.

ولم يرد أي ذكر لإسرائيل في معظم التصريحات والتقارير الإخبارية الرسمية، وبث التلفزيون الرسمي آراء محللين شككوا في حجم الهجوم. وقال محلل للتلفزيون الرسمي إن الدفاعات الجوية في أصفهان أسقطت طائرات مسيرة صغيرة أطلقها “متسللون من داخل إيران”.

وذكر التلفزيون الرسمي الإيراني أنه بعد منتصف ليل الخميس – الجمعة بقليل “شوهدت ثلاث طائرات مسيرة في سماء أصفهان. وجرى تفعيل نظام الدفاع الجوي وتدمير هذه المسيرات في السماء”. وقال جوناثان لورد رئيس برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد، وهو مركز أبحاث، “يبدو أن هذا يشير إلى أن إيران تريد أن تتخذ خطوة إلى الوراء والتقليل من تأثير الهجوم وربما التراجع عن دوامة التصعيد”.

وأحجم الجيش الإسرائيلي ووزارتا الخارجية في البلدين عن التعليق على الهجوم. ولم تصدر بعد تصريحات علنية من كبار السياسيين باستثناء وزير الأمن الوطني الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير الذي كتب منشورا من كلمة واحدة على منصة التواصل الاجتماعي إكس هي “ضعيف!”.

واستشهدت وسائل إعلام إسرائيلية بتقارير من صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست نقلت تأكيد مسؤولين إسرائيليين، لم تذكر أسماءهم، أن إسرائيل تقف وراء الهجوم، لكنهما لم تنشرا تأكيدا رسميا. ودأبت إسرائيل على توخّي الغموض حيال قضايا مثل الأسلحة النووية والعمليات الاستخباراتية، ويبدو أن الصمت جزء من رسائلها. وقبل وقوع الهجوم نقل كاتب رأي في صحيفة يديعوت أحرونوت، أكبر صحيفة إسرائيلية، عن مسؤول قوله إن إسرائيل خططت لـ”عملية دقيقة”.

وقال حسن الحسن، الباحث في سياسات الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، “أعتقد أنها في الأساس رسالة تحذيرية مفادها أن إسرائيل يمكنها الرد والوصول إلى إيران إذا أرادت، لكنها لا تريد توسيع رقعة الصراع في الوقت الحالي”.

وكان الهجوم أحدث ضربة متبادلة بعد مقتل سبعة ضباط إيرانيين في غارة على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق، الأمر الذي أثار مخاوف من إمكانية أن تتحول الحرب في غزة إلى صراع إقليمي واسع. ورغم أن إسرائيل لم تؤكد مطلقا أنها كانت وراء الهجوم الذي وقع في الأول من أبريل الجاري أطلقت إيران وابلا من مئات الطائرات المسيرة والصواريخ ردا على الهجوم أسقطتها الدفاعات الجوية لإسرائيل وحلفائها بنجاح.

ويبدو أن رد فعل إيران يشير أيضا إلى أنها لا تريد أن يتطور الرد المتبادل إلى ما هو أكثر من ذلك. وفي إسرائيل، لم تصدر قيادة الجبهة الداخلية تعليمات جديدة للسكان. ويبدو أن استطلاعات الرأي في إسرائيل لا تظهر رغبة قوية في الانتقام، إذ أظهر استطلاع أُجري الخميس أن 48 في المئة يؤيدون الرد حتى لو كان ذلك يعني توسيع الصراع، بينما يفضل 52 في المئة عدم الرد.

عن موقع جريدة “العرب” بتصرف

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar